رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فراشة الرقص.. سامية جمال تروي قصة صداقة جمعتها مع "فأر"

سامية جمال
سامية جمال

سامية جمال، فراشة الرقص الشرقي، وصاحبة أطول زيجات دنجوان السينما المصرية رشدي أباظة. والتي غادرتنا في مثل هذا اليوم من العام 1994، روت بقلمها جانب من قصة حياتها فماذا قالت؟.

هذه قصة واحدة من سحابات الصيف بحياة سامية جمال

في عددها الـ 174، والصادر بتاريخ 30 نوفمبر عام 1954، نشرت مجلة الكواكب الفنية فصل من قصة حياة الفراشة سامية جمال، وفيه روت بعض من أيامها البائسة والذكريات المؤلمة في حياتها.

تستهل الفراشة حديثها مشيرة إلي: آويت إلي فراشي ذات ليلة، في ذلك الركن المهمل من غرفتي الصغيرة الفقيرة، ومر بي صديقي "الفأر" في طريقه إلى جحره، ولكنه تريث قليلا، وتطلع إلي في نظرة عاتبة، كأنما كان يحس أن حدثا سيقع في تلك الليلة. يبدل أمر صداقتنا. أجل كان القدر يكتب لي في تلك الليلة أن أستبدل بصداقته صداقة أخرى، خطت الحرف الأول من حياتي الفنية، دون أن أدري. في هدأة الهزيع الأول من ذات ليلة، تسلل إلي صوت غريب جديد علي سمعي، هزني من أعماقي وأشاع البهجة في كل روحي وجسدي معا.. إنها الموسيقى.

وتضيف سامية جمال: الموسيقى المنبعثة من نافذة الجيران، تسللت إلي نافذتي، وسرت في كياني سريان النار في الهشيم، فأحسست أنني أحترق في لذة احتراق الفراشة حول المصباح الدافئ. لم يكن لي عهد بالموسيقي من قبل، وكيف يكون لي بها عهد وسط هذا الحرمان؟، وتساءلت من أين هذه الموسيقي؟، وجاءني الجواب: لقد اشتري الجيران راديو، والتفوا حوله يستمتعون بأنغامه ويسعدون بإنشاده، وأنا الطفلة المحرومة القابعة في ركنها المهمل خلف أسوار الحياة. أتسقط فتات سعادتهم من بعيد.

 

وتستطرد سامية جمال: ومع هذا فأنني سعيدة بهذه الفتات، سعيدة كل السعادة، إن في نفسي نشوة تسهدني، إني أطرد النوم من عيني، وأغالبه حتي لا أحرم لذة النشوة الخالدة. هذه هي صديقتي الجديدة، الموسيقي، التي نسيت في غمرة فرحتي بها كل شء عن صديقي الصغير "الفأر".

وتمضي سامية جمال، في حديثها عن الموسيقي التي كان يحملها إليها “راديو الجيران”: ولراديو الجيران قصة طريفة. لقد اقتناه رب الأسرة بعد ادخار أرهق ميزانيته، فكان طبيعيا أن يبالغ في الحرص عليه. كان رجلا كادحا، يخرج إلي عمله في الصباح، ولا يعود قبل الساعة الثامنة من المساء. وقد بلغ من حرصه علي الراديو العزيز، أن حظر علي زوجته وأولاده أن يمس أحد منهم الراديو قبل عودته في المساء، وأدخل في روعهم أنه هو الوحيد الذي يعرف طريقة استعماله، وحذرهم من خطر الكهرباء إذا حاول أحدهم أن يمسه في غيبته.. غيبة رب الأسرة. وسمعوا وأطاعوا. وكان هذا السمع والطاعة علي حساب حرماني.

وتوضح  سامية جمال: لقد كنت أتمني أن أسمع الراديو في كل لحظة من النهار والليل، لأحس النشوة بالموسيقي، ولكن ما حيلتي، وأسرة الجيران تدين لربها بالسمع والطاعة؟ كان علي أن أنتظر موعدي مع السعادة كل ليلة، في تمام الساعة الثامنة، بعد أن أقضي النهار كله كادحة في خدمة البيت، ثم انتهي إلي النافذة، أنتظر عودة رب الأسرة المجاورة.

وكانت لهفتي علي عودته أكثر من لهفة زوجه وأولاده، إنه يعود إليهم بالرزق والقوت، أما أنا، المحرومة من كل شئ، فقد كانت الموسيقي عندي أجمل من الطعام والشراب، وأجمل من الحياة، وكأنما الله قد ألهم هذا الجار العزيز أن يشتري الراديو، لا لشئ إلا لينسيني بأنغامه ما أنا فيه من عذاب وحرمان.

وتختتم سامية جمال، حكايتها عن راديو الجيران، مؤكدة علي: ومرت الليالي، وأنا ساهرة بجوار النافذة، أستمع والفرحة ترقص في قلبي، وأنظر إلي السماء في ابتهال، وأرسل الدعوات إلي الله أن يحفظ هذا الرجل الذي أسعدني دون أن يدري، ودون أن يقصد. علي أنني كنت طوال سهراتي، أختلس النظر إلي الخلف، مشفقة أن تراني زوجة أبي، وتضبطني متلبسة بجريمة الاستماع إلي الموسيقي، فتنهال علي ضربا، فقد كانت تبتكر الأسباب لضربي بمناسبة وبغير مناسبة.