رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليوم الحالى.. أم التالى؟

السؤال، العنوان، طرحه سامح شكرى، وزير الخارجية، أمس الأول الأربعاء، فى كلمته، كلمة مصر، أمام جلسة «مجلس الأمن» الوزارية، حول الوضع فى قطاع غزة، مؤكدًا أن الإجابة واضحة، استنادًا للمنطق السليم والشرعية الدولية، وهى ضرورة وقف تلك الحرب اللعينة، وحفظ الأرواح، وحماية المدنيين من ويلاتها، قبل أن نفكر فى ملامح اليوم التالى. وقال إن مصر، تعمل، حاليًا، على تفعيل قرار المجلس بشأن الهدنة الإنسانية، وستستمر فى جهودها، لإطالة زمن الهدنة والتوصل لوقف إطلاق النار.

بالفعل، نجحت مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة وقطر، فى تفعيل صفقة تبادل سجناء أو محتجرين، تضمنت أيضًا نفاذًا للمساعدات إلى غزة، جنوبًا وشمالًا. وبمشاركة اللجنة، التى شكلتها القمة العربية الإسلامية، الطارئة أو غير العادية، جرى تقديم مشروع قرار، غير مسيّس، يركز على الجانب الإنسانى، وعلى إنقاذ اثنين ونصف مليون برىء هم أهل غزة، لا تكفيهم المساعدات الإنسانية التى تم توفيرها، إلى الآن، والتى أسهمت مصر، منفردة، بـ٧٠٪. وقطعًا، ستكون أى محاولة لتعطيل مشروع القرار، بمثابة مباركة لتجويع الأطفال والنساء، وتركهم بلا مأوى، أو حد أدنى من الرعاية الصحية.

المشروع الصهيونى توسعى استعمارى، ولا يسعى لمجرد إقامة دولة لليهود فى بقعة جغرافية معينة. والنهج الإسرائيلى، على مدار أكثر من خمسين يومًا، لا يمكن تفسيره إلا بكونه سياسة متعمدة لجعل الحياة فى قطاع غزة مستحيلة، سواء باستهداف المنشآت المدنية والطبية والمساكن، أو بدفع سكان الشمال إلى النزوح جنوبًا فى قطاع يعانى بالأساس من كثافة سكانية عالية ومن حصار قاسٍ منذ سنوات. 

بوضوح أكثر، أكد وزير الخارجية أن سياسة التهجير القسرى، التى رفضها العالم ويعتبرها انتهاكًا للقانون الدولى، ما زالت هدفًا لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصريحات والدعوات التى صدرت عن مسئولين إسرائيليين، ولكن، أيضًا، من خلال خلق واقع مرير على الأرض يستهدف طرد سكان غزة الفلسطينيين من أرضهم، والاستحواذ عليها، مؤكدًا أن الممارسات غير الشرعية التى سكت عنها المجتمع الدولى، تم تكريسها وتمادت وأمعنت فيها دولة الاحتلال. كما أشار وزير الخارجية إلى أن ما يحدث فى قطاع غزة، أمام أعين العالم، تقابله فى الضفة الغربية سياسات شبيهة طاردة لسكانها.

فى هذا السياق، جدّدت مصر رفضها القاطع لأى نوايا، خطط، محاولات أو سيناريوهات، تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وحذّرت من تأثير هذا التوجه على السلام فى المنطقة بأسرها، داعية المجتمع الدولى إلى الوقوف بقوة أمام جميع الممارسات التى قد تؤدى إلى ذلك. وعن «اليوم التالى»، الذى لم تتضح ملامحه بعد، نظرًا للغموض المتزايد بشأن أهداف الحرب الحالية، قال وزير الخارجية إننا لا نرى بديلًا عن العمل على معالجة جذور الصراع والمسببات الحقيقية للمآسى التى نشهدها اليوم، وإلا ستظل نتائج كل الجهود مؤقتة، وستتكرر جولات العنف، ولن يتحقق الأمن والاستقرار الذى تنشده دول المنطقة. 

المهم، هو أن الدور المصرى، الذى يتعاظم فى اليوم الحالى، خاصة منذ دخول اتفاق الهُدنة حيز التنفيذ، سيتعاظم أكثر فى اليوم التالى. والأهم، هو أن وزير الخارجية شدّد على أن «عهد اللغو بلا طائل يجب أن ينتهى»، وطالب الجميع بالتكاتف من أجل إنفاذ الحل الوحيد المتفق عليه دوليًا، وهو إنفاذ وإنقاذ حل الدولتين، وليس فقط دعمه بالتصريحات، داعيًا الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، التى لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية، إلى فعل ذلك. كما دعا مجلس الأمن إلى قبول عضوية دولة فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة.

.. وأخيرًا، قالت مصر، بلسان وزير خارجيتها، لجميع الأطراف المهتمة بـ«اليوم التالى»، إنها على استعداد للتعاون مع الجميع، بلا استثناء، لصياغة الإطار السياسى، والخطوات اللازمة، لإنهاء المرحلة الانتقالية، التى بدأت مع اتفاقات أوسلو، أى منذ ٣٠ سنة، والبدء فى تنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، متواصلة الأراضى، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وقطعًا، وطبعًا، هذا هو «اليوم التالى»، الذى يعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، ويتسق مع القيم الإنسانية، ويتيح لكل شعوب المنطقة الأمن والاستقرار والتعايش المشترك