رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نفايات إلكترونية

ما زلت أذكر الشغف الذى داهمنى عندما قرأت لأول مرة عبارة «النفايات النووية».. اندهشت جدًا أن تكون هناك نفايات غير تلك العضوية التى نضعها فى صندوق القمامة.. تقدم بى العمر لأجد نفسى محاطًا بعشرات «النفايات الإلكترونية» على مواقع التواصل الاجتماعى.. بائعو القمامة الإلكترونية خليط من المرتزقة والهاربين والعملاء المباشرين وغير المباشرين لأجهزة مخابرات مختلفة.. انطباعى العام أن هناك هدفًا دائمًا وأهدافًا متغيرة لبائعى القمامة الإلكترونية.. الهدف العام هو إفقاد الشعب المصرى الثقة فى نفسه أولًا، وفى الدولة المصرية ثانيًا.. والأهداف المتغيرة تخدم الهدف العام وتتغير بتغير أوامر التشغيل.. بالأمس لاحظت هياجًا غير عادى لبائعى القمامة الإلكترونية تجاه مؤتمر تحيا مصر لنصرة الشعب الفلسطينى.. قبله بساعات كانت نفس حالة الهياج تشكك فى دور مصر فى عقد الهدنة بين حماس وإسرائيل بالمشاركة مع قطر.. بعض بائعى النفايات قالوا إن الفضل لقطر فى عقد الهدنة! قطر دولة شقيقة وجهدها مهم جدًا لأسباب مفهومة، ولا أظن أن مسئولًا فيها أمر الذباب الإلكترونى بالحديث فى هذا الموضوع.. وجود الكبير لا يعنى التقليل من دور الصغير، وأساس العلاقات العربية هو التعاون.. بالصدفة قرأت مقالًا فى هآرتس الإسرائيلية يتوقع أن تبرم مصر اتفاق الهدنة قبل إعلانها بيوم.. فى المقال يقول الكاتب تسفى بارئيل «إن لم تطرح إسرائيل حلًا إنسانيًا فى غزة، فإن مصر ستفعل ذلك»! المقال نُشر قبل يوم من إعلان الهدنة، ويبدو أن مصر حققت نبوءة الكاتب الإسرائيلى بالفعل.. يستعرض الكاتب ما نعرفه جميعًا من رفض مصر تهجير أهل غزة وإبلاغها كل الأطراف بذلك، ثم يقول بذكاء إن مصر تدرك أن منع المساعدات واستمرار القصف هدفه دفع أهل غزة للحدود، لذلك فإن مصر ستفرض هدنة إنسانية فى غزة حتى لا يضطر أهلنا هناك لتنفيذ مخطط إسرائيل دون أن يقصدوا.. وفق هذا الكاتب الذى لا يحب مصر بالتأكيد فإن مصر لم تتوسط فقط فى الهدنة، لكنها تقريبًا فرضتها! هذا هو رأى العدو.. لكن تجار القمامة الإلكترونية لهم رأى آخر.. نفس حالة السعار أصابت هؤلاء عقب مؤتمر «تحيا مصر» لنصرة الشعب الفلسطينى.. كان هناك «اسكريبت» موحد تم توزيعه يقول إن المؤتمر نوع من المظهرية والمنّ على الشعب الفلسطينى.. هذا كذب صريح وفاجر أيضًا، الحقيقة أن كتائب الذباب عملت على نشر إحساس لدى الشعب المصرى بأننا جميعًا مقصرون، وأن مصر لم تقدم ما يجب لنصرة الشعب الفلسطينى.. الحقيقة أن مصر أسهمت فى فرض الهدنة أولًا.. ثم إنها قدمت- رغم الظروف-٧٠٪ من حجم المساعدات التى قدمها العالم لغزة ثانيًا، لذلك فإن من حقنا أن نشعر بالفخر الوطنى وبالاعتزاز بالذات القومية.. هذه مشاعر سامية ورفيعة لا يدركها الهاربون والخونة ومن لا يؤمنون بالوطن من الأساس.. لذلك يسعون لتشويهها أو تفسيرها تفسيرًا سلبيًا.. صدمة هؤلاء ستكون كبيرة عندما يقرأون توقعات الجارديان البريطانية للهدنة التى أنضجتها مصر على نار هادئة وقوية.. أيضًا يقول «رو كيبرك» فى مقاله إن الهدنة المؤقتة يمكن أن تتحول لهدنة دائمة، وإن السلام الدائم ممكن خلال الأيام المقبلة.. من وجهة نظره فإن أيام الهدنة الأربعة ستتيح للمجتمع الدولى العمل على فرض هدنة دائمة فى غزة.. هل يتخيل أحد أن مصر لن تكون فى قلب هذه الجهود لفرض هدنة دائمة؟ بالطبع لا.. سيُزعج هذا تجار «القمامة الإلكترونية» بكل تأكيد، وسيدفعهم للتفكير من الآن فى نص موحد يتم توزيعه على اللجان لتشويه دور مصر.. أنا من أنصار المقاومة لأننى أؤمن بأن «عدو عدوى صديقى» ولو بقدر ما، ومع ذلك ضحكت كثيرًا عندما قالت ذبابة إلكترونية «توجه الناطق باسم المقاومة بنداء لعدة دول ولم يتوجه إلى مصر» لا بد أنهم فقدوا الأمل فينا!.. مع كامل احترامى للجميع، فإن علاقة مصر بالقضية الفلسطينية ونصرة فلسطين سابقة على ميلاد الناطق باسم المقاومة بعدة عقود، وسابقة على ميلاد حركة المقاومة نفسها بعدة عقود أخرى.. مع كامل الاحترام للجميع.. ومع ذلك فقد أسعدنى أن تقول الجارديان إن ما فعلته المقاومة فى ٧ أكتوبر أعاد إحياء القضية الفلسطينية، وجعل من الصعب جدًا دمج إسرائيل فى المنطقة دون حل القضية الفلسطينية، كما أنه ألغى فكرة إدارة القضية الفلسطينية بتكاليف قليلة.. هذه إنجازات كبيرة يجب أن نشكر معها حركة المقاومة وكل من ساعدها، ولو بالنصح والإرشاد.. وهذا أضعف الإيمان.