رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تصفية القضية.. الخطوات الإسرائيلية للقضاء على «حق العودة» الفلسطينى

حق العودة
حق العودة

لا تسعى إسرائيل إلى تنفيذ مخططها الخبيث بتصفية القضية الفلسطينية تمامًا خلال الفترة الحالية، لكنها، ومنذ زمن بعيد، تعمل أيضًا على إفراغ «حق عودة الفلسطينيين» إلى أراضيهم من مضمونه الحقيقى، وتعكس الحقائق حوله، لكسب الدعم حول استمرار احتلالها الأراضى الفلسطينية المستمر منذ أكثر من ٧٥ عامًا.

ويرصد كتاب «قاموس اللغة العربية لمشروع إسرائيل»، الذى تستكمل «الدستور» نشر أجزاء منه، فى هذه الحلقة الثالثة، كيفية عمل إسرائيل على المستوى الدولى من أجل تصفية القضية الفلسطينية عبر عرقلة مبدأ «حق العودة»، الذى بدوره يعرقل أى أفق لعملية سلام حقيقية.

وتعمل إسرائيل على إظهار الرفض القاطع لجملة «حق عودة الفلسطينيين»، ويقول الكتاب: لا يمكن قبول هذه العبارة أو السماح بإدخالها لقاموس رأى القادة، فكلما أُثير مبدأ «حق العودة» يكون الرد الإسرائيلى فورًا بـ«لا.. أنت تتحدث عن حق المصادرة».. هذا ليس عن عودتهم، بل عن الأخذ منا، وهذا غير مقبول.

وحسب الكتاب، فإنه يجب الرفض القاطع لإعادة ما وصفه بـ«عقارب الساعة» إلى الخلف، وذلك فيما يتعلق بمصادرة ما أسماه بـ«الملكية الخاصة للإسرائيليين»، قائلًا إن المبررات هنا تعتمد على عنصرين أساسيين، هما: أن هذا مبدأ غير عملى لتنفيذه حتى سياسيًا، وأن اليهود أيضًا قد تم الاستيلاء على ممتلكاتهم قديمًا.

العمل على مساواة اللاجئين الفلسطينيين باليهود الراحلين عن الدول العربية 

يشرح كتاب «قاموس اللغة العربية لمشروع إسرائيل» كيف يجب أن تتعامل إسرائيل مع الترويج لرفضها مبدأ «حق العودة» بطرق ملتوية وعبر مزاعم عدة، من بينها الزعم بأن: «الحقيقة هى أن معظم الناس لا يعرفون أن ما يقرب من مليون يهودى تم طردهم من أماكن مثل: اليمن ومصر والمغرب وسوريا والعراق وإيران منذ تأسيس إسرائيل، ويجب تقديم هذه القضية دائمًا، فهى أقوى حجة حتى الآن فى الحديث، وفيما يتعلق بدعوى المصادرة».

ويقول إن الحديث الذى يترك تأثيرًا لدعم الرفض الإسرائيلى يجب أن يتضمن الآتى: «بينما يشكو الفلسطينيون من أنهم فقدوا منازلهم وممتلكاتهم عندما غادروا إسرائيل فى عام ١٩٤٨، هو الأمر تمامًا الذى حدث مع اليهود عندما طُردوا من الدول العربية منذ ذلك الوقت، وفقدوا منازلهم وممتلكاتهم، وببساطة لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، بالنسبة لأى من الجانبين، ويتعين علينا أن نتطلع إلى المستقبل».

وبطريقة أخرى يقول: «يجب حل قضية اللاجئين فى إطار اتفاق سلام.. إذا كنا سنقيم دولة فلسطينية، وكان هناك وطن للشعب الفلسطينى فى إطار السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فمن الواضح أن الدولة الفلسطينية ستكون الحل.. ولكن إذا كان الشخص يريد حقًا أن يكون منصفًا ويريد مناقشة قضية اللاجئين، فلا يمكن أن يكون متحيزًا لطرف».

ويضيف: «يجب أن نتذكر أن هناك مئات الآلاف من اللاجئين اليهود من العراق، ومن سوريا، ومن مصر، فروا من العنف فى العالم العربى، وتركوا ممتلكاتهم وجاءوا إلى إسرائيل وليس معهم سوى الملابس التى يرتدونها»، أى أن الهدف الإسرائيلى هنا هو التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين واليهود على حد سواء.

تأليب الرأى العالمى ضد العرب لأنهم يملكون الأموال ويمولون الإرهاب

يكشف الكتاب عن أنه من بين الأساليب التى يجب أن تتبعها إسرائيل، والمؤيدون لها، لاستمالة الرأى العام العالمى، لا سيما الأمريكى والأوروبى، هو الحديث عن افتقار الدول العربية القيادة، والرغبة فى العمل على توفير حياة أفضل للفلسطينيين.

ويقول: «لا يستطيع الأمريكيون فهم لماذا يعيش الفلسطينيون فى هذا الفقر، بينما هناك بعض الداعمين من الدول العربية يمتلكون ثروات لا تصدق، ولا يساهمون فى معالجة (حق العودة) بشكل مباشر، وتفسير سبب استمرار الفلسطينيين فى العيش كلاجئين هو خطوة فعالة بالنسبة لإسرائيل فى تقويض المصداقية العربية».

ويوضح أن هناك فقرة واحدة تستغلها إسرائيل جيدًا ويمكنها خدمة هذا الغرض لديها بالكامل، وهى: «إذا استثمرت الدول الغنية بالنفط، مثل المملكة العربية السعودية وإيران، فى الضفة الغربية بدلًا من الاستثمار فى المعسكرات الإرهابية والمفجرين الانتحاريين، فسوف يتمتع الفلسطينيون بمستوى معيشى أعلى ونوعية حياة أفضل بكثير مما هم عليه الآن».

تقويض مصداقية السلطة الفلسطينية بالحديث عن سرقات وسوء إدارة

على نحو مماثل، تركز إسرائيل على الترويج لسوء الإدارة فى السلطة الفلسطينية، وتقول إن هناك سرقة مليارات الدولارات من المساعدات الدولية، وهو ما يقوض بالفعل المصداقية الفلسطينية.

وحسب الكتاب الصادر فى عام ٢٠٠٩، فإن لهجة الخطاب المعتمد عليها فى ذلك النحو يجب أن تكون كالتالى: «لقد اختفت كل هذه المليارات من الدولارات، ولم يتمكن ياسر عرفات نفسه من معرفة أين ذهبت؟، وعندما كانت لدى السلطة الفلسطينية الأموال اللازمة لإحداث فرق فإنها لم تفعل ذلك.. لذا لا ينبغى أن نلوم إسرائيل على الفساد وسوء الإدارة وإهمال السلطة الفلسطينية».

الإيهام بوجود تحديات شبيهة بما تواجهه أمريكا 

يقول كتاب «قاموس اللغة العربية لمشروع إسرائيل» إن إسرائيل واجهت مشكلة فى استخدام كلمات تعبر عن رؤيتها حول «حق العودة» الفلسطينى، إذ كانت تعتمد حتى ثمانينيات القرن الماضى على جمل مثل «منفصلون ولكن متساوون»، وذلك فيما يخص الفصل العنصرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويضيف: «الحقيقة هى أن الأمريكيين لا يقبلون هذا المفهوم، وحتى عندما يقال لهم إن الفلسطينيين والإسرائيليين يؤيدون نفس الأجندة، فاللغة ببساطة مشحونة للغاية بالنسبة لآذانهم».

ويشير إلى أن المشكلة اللغوية لإسرائيل حول ذلك المبدأ لم تتطور بسرعة، ولكن يمكن العمل على استخدام مصطلحات أخرى تخدم هدفها، مع الاستمرار فى الترويج لرفضها وإقناع الجمهور به.

ويرصد الكتاب عدة خطوات تفعلها إسرائيل من أجل تحقيق ذلك، أولاها إثارة الجدل حول «حق العودة» عبر إطلاق مصطلح «مطالب حق العودة»، نظرًا لأن الأمريكيين لا يحبون أن يقدم أى من الطرفين مطالب لينفذها الطرف الآخر، ويبدو الأمر صارخًا وغير متهاون، ثم تتجه إسرائيل لقول إن الفلسطينيين غير راضين عن دولتهم، ويطالبون بأرض داخل إسرائيل.

أما الجدلية الثانية فتتعلق بترسيخ أن المطالب الفلسطينية تشمل عودة أشخاص لم يعيشوا أبدًا داخل حدود إسرائيل الحالية، ويمكن إثبات أن أولئك الذين لديهم منازل بالفعل داخل الحدود الإسرائيلية قد يستحقون بعض التعويضات، اعتمادًا على أن الأمريكيين سيرفضون فكرة أن الأطفال والأحفاد الذين ولدوا فى مكان آخر لديهم أى حقوق أو مطالبات بأى شىء.

فيما تتعلق الجدلية الثالثة بتأكيد رؤية أنه «فى وقت ما فى المستقبل...» لأن «حق العودة» مفهوم غير محدد المعالم وله مبررات مشكوك فيها، كما أن إسرائيل تركز على أنه لا يوجد تاريخ محدد لبدء وانتهاء عملية العودة، ولا حتى نتيجة أو تسوية نهائية، وهى عوامل تقوض أى دلائل فلسطينية بشكل فعال.

وتتعلق الجدلية الرابعة بتأكيد أن الأمر لا يتعلق بالأراضى فقط، بل بـ«دولة إسرائيل»، لأن الرؤية الإسرائيلية تعتمد على أن الأمريكيين سيفترضون أنه بما أن هذه قضية تتعلق بـ«الأرض»، فيجب أن تندرج فى إطار الجهد الفلسطينى لإنشاء دولة يدعمونها، ولذلك يجب توضيح أن الأمر يتعلق بإسرائيل نفسها، من تل أبيب إلى حيفا، وأن المطالب تطال الأراضى المقبولة دوليًا داخل حدود إسرائيل.

وتمثل مسألة الهجرة الفلسطينية الجماعية الجدلية الخامسة، إذ تركز إسرائيل على المخاوف الأمريكية من الهجرة الجماعية لأى أشخاص، وذلك بفضل أحداث ١١ سبتمبر والتهديد المستمر للإرهاب، وهنا يجب العمل على مقارنة التحديات التى تواجه الأمريكيين فى التعامل مع تلك الهجرة الممكنة والوضع فى إسرائيل، وهو ما سيكون موضع ترحيب مهم للغاية.

وإلى جانب كل ذلك، يمكن استخدام المسألة لتقوض عملية السلام، إذ تعد هذه الحجة النهائية مقبولة، لأن الأمريكيين يعتقدون أن معضلة «حق العودة» مهمة للغاية، وبذلك يمكن لإسرائيل عرقلة الجهود الرامية إلى تحقيق السلام عبر العمل على هذه النقطة.