رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم عبد المجيد: الحروب أحد أهم أسباب الكتابة.. والفن يتوحد مع الآلام (حوار)

الروائي إبراهيم عبد
الروائي إبراهيم عبد المجيد

 

صورة لغلاف الرواية الأثيرة لا أحد ينام في الأسكندرية لإبراهيم عبد المجيد.

"آفة حارتنا.. بين الذاكرة والنسيان" كان عنوانًا لآخر كتابات السارد الكبير إبراهيم عبد المجيد.

45 عنوانا تنوعت بين الرواية والقصة والمقالات الفكرية والعديد من الجوائز التي توجت بمنحه جائزة النيل، والكثير من الترجمات لأكثر من سبع لغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية وغيرها.

“الدستور” حاور الروائي إبراهيم عبد المجيد والمولود بمدينة الإسكندرية.والمقيم بالقاهرة منذ عقود أربع.

  • عن آفة حارتنا، بين الذاكرة والنسيان، لماذا هذا التدشين والآن تحديدا؟

- ليس هناك سبب غير أني منذ عامين قررت أن أجمع مقالاتي الطويلة بالذات في كتب لأنها عن قضايا الوطن والبشر. 

كنت أمر بفترة صحية صعبة استدعتأربع عمليات جراحية، فخفت أن أرحل قبل أن أجمع ما استطيع منها. 

قبل ذلك ومنذ عشر سنوات فعلتها في كتابين هما" السبت فات والحد فات" و" من الذي يصنع الأزمات في مصر" لكن حدث بعد هذه السنين الطويلة الحافلة بالأحداث أن فكرت في ذلك. جاء الدور على هذا الكتاب الذي من قبله وخلال عامين أصدرت كتب هي "  استراحة بين الكتب" و" رسائل إلي لا أحد " و" سيد الوقت وكل وقت". 

عادة أبحث عن عنوان مناسب.. وجدت المقالات عن قضايا مهمة بعضها يغيب عن عقلنا الجمعي وبعضها لا يغيب فاخترت هذا العنوان، لأن المقولة الشائعة عن نجيب محفوظ هي " آفة حارتنا النسيان".. طبعا هي ليست مقولته هو لكن لإحدى شخصيات رواياته، لكنه اشتهر بها.

  • عن تلك الحروب بالإنابة، كيف يرى الكاتب الكبير ابراهيم عبد المجيد مستقبل مساري الفن والأدب في ظل هذه الكوارث؟
بورتريه لإبراهيم عبد المجيد ولقاء ثقافي بمكتبة الأسكندرية.

- الفن والأدب يُعنى دائما بغير المتوافق مع المجتمع.. ففي الصراعات تكون الحروب نقطة تتغير بعدها ملامح الحياة، كما تصل فيها الروح إلى المطلق في غايتها وهو الموت، ومن ثم تكون هي أهم أسباب الإبداع. 

أنظر إلى الملاحم القديمة التي كانت كلها حافلة بالحروب وغرائبها مثل ملحمة إيزيس وأوزوريس وملحمة الإلياذة والأوديسا وحكايات أبو زيد الهلالي وغيرها، فضلا عن الأدب العالمي والحديث فيه طويل وبالطبع الأدب العربي. ليس معنى ذلك أني أحب الحروب، لكن هكذا شاءت الأقدار. هكذا سنري لوحات فنية ومسرحيات وروايات وقصائد وأفلاماملء الفضاء.

  • عن علاقتك بالكتابة والقراءة في السنوات الثلاثة الماضية، كيف ترى الجدوى؟

- هذا شئ أنا قد جُبلت عليه وصار هو حياتي، والخروج منه يعني انتهاء الحياة.. لدي إيمان أن البلاد، أي بلاد، لا تخلو من الأصوات الجديدة عبر الأجيال، ومن ثم فمن المهم لي لاستمرار الحياة التوافق أو حتي الاختلاف معها.

كل ما جرى أن قراءاتي صارت في الفكر أكثر من الإبداع في محاولة لاستعادة عقلي بعد ما مررت به من آلام. قراءاتي في الإبداع أقل لأني صرت كثير الشرود.. أقرأ أحيانا الشعر أكثر من الرواية لما فيه من إيجاز، في الرواية للأسف الآن أشرد عن الشخصية والأحداث، وفي الشعر اتمثل الصور الشعرية بسرعة فلا شخصيات في الشعر تتحرك أمامي. 

غلاف كتاب ابراهيم عبد المجيد
  • ما هو مفهومك لخلاص الكاتب بعد الإنتهاء من كتابة نصه؟

- بعد الانتهاء من كتابة النص يكون الخلاص من النص نفسه وعالمه المكتوب وإن ظلت شخصياته تملأ الفضاء حولي حتي ابدأ في عمل جديد، أما الخلاص بمعني التوقف عن الكتابة الإبداعية فأمر نسبي بين الكتاب. 

يحيى حقي مثلا توقف بإرادته بعد أن تجاوز السبعين، بينما نجيب محفوظ ظل يكتب حتي وصل إلى التسعين، فقد كان ذكيا اختار كتابة نصوص قصيرة مثل "أحلام فترة النقاهة" حتي يستطيع أن يسيطر على نفسه ولا يشرد أو يضيع عن موضوعه. النسبية هنا أمر إنساني لا خلاف عليه فلا مطلق في الفن والإبداع.

  • هل ترون دورًا ما للفن والأدب في هذا الإطار وماهو هذا الدور المنوط به كل مبدع؟

- الدور للفن ليس بالإرادة، لكن بالتوحد مع الألام، وهنا يختلف الكتاب. من عاشت فلسطين في روحه منذ وقت مبكر سيجد نفسه مدفوعا لكتابة الإبداع. 

ومن عاش بعيدا عن السياسية ومايحدث في العالم سيجد نفسه يكتب عما يعيشه في بلاده. لكن أيضا مايحدث في فلسطين تجاوز مسألة القومية والعروبة إلى قضيا إنسانية كبرى، فما يحدث هو إبادة جماعية للبشر في غزة، ومن ثم سيجد الكثيرون أنفسهم في قلب الإبداع عن الأحداث.

  • 5 عقود من الاشتغال على الآداب والسرديات.. كيف تأثرت بهذه الرحلة؟

لم أعد أتذكر إلا متعة الكتابة بالليل مع الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيك. غير ذلك نسيته أو كتبت عنه في مقالاتي ونسيته بعدها. 

متعة الكتابة هي الأبقي في الروح، ومن ثم فزت بها وأغنتني عن كل شيئ. ولو عاد بي الزمن لفعلت مافعلت، فأنا راضي إلى حد السماء بما قسمه الله لي من موهبة سخرت كل شيئ من أجلها.

  • حدثنا عن مشاعر فقد الأحبة والرفاق وتحديدا الكفراوي وجبير

 “لا تقلّب عليّ المواجع ياصديقي”.. يرحل الأحباء فتقوم حولي قصور رائعة من الذكريات، وشيئا فشيئا تبللها الدموع وأدرك الحقيقة التي تغيب عنا دائما، وهو أن لكل قدر ميعاد... لكن للأسف رغم إيمانى بذلك، كثيرا ما أجد نفسي أكاد أطلبهم بالموبايل ثم اكتشف أنهم رحلوا. 

كانو وكنا معا من راغبي التجديد في شكل الكتابة ومعنا أسماء رائعة مثل محمد المنسي قنديل ومحمد المخزنجي ومحمود الورداني وجار النبي الحلو، وكنا جميعا نثق في الأجمل ونسخِّر له حياتنا. 

هم يعيشون معي رغم الرحيل، وفي كتابي "الأيام الحلوة فقط" الكثير من الجمال عنهم في حياتهم وبعد رحيلهم وعن الأحياء منهم أطال الله في أعمارهم، ولا ينتهي الجمال.

  • هل من الممكن أن تشرح لنا رؤيتك وموقفك من كتابات وكتاب الإسكندرية؟

الإسكندرية لا تفتقر إلي الإبداع أبدا حتى بعد أن ضاقت، سيظل الكتاب والمبدعون يملأون فضائها من الفنانين التشكيليين من جيل عصمت داوستاشى وثروت البحر وبعدهما ماهر جرجس وعلي عاشور وغيرهم كثير، ومن كتاب الرواية من سعيد سالم ومصطفي نصر إلي أحمد فضل شبلول وشريف عابدين ثم إلى هبة خميس ومي المغربي من اصغر الأجيال. ونقاد كثيرون وأسماء كثيرة مهما أكتبها سأنسي بعضها. 

ومن الشعراء مهاب نصر الذي فقدناها منذ أسابيع  ونقاد ومبدعين مثل رشاد بلال والدكتور إيهاب بديوي. ليعذرني من نسيت اسمه فأنا الآن رهن النسيان. كثيرون جدا جدا يملأون فضاء  الشاطئ مهما غاب، وفضاء الجمال مهما تم تشويهه. فقط تغيب الدولة عن تقدير أكثرهم بما يستحقونه من جوائز، وما أكثر ما كتبت في هذا ولا فائدة.

  • بعد أن كتبت عن ثالوث الحب والوطن والأحلام.. كيف ترى صدي كتاباتك؟

عشت لا انتظر شيئا غير متعة الكتابة، ويكفيني رغم ما كُتب عني من مقالات وكتب ودراسات وترجمات وغيره، أن أقابل في الطريق شابا أو شخصا لا أعرفه يحدثني عن فرحته بكتاب قرأه لي. 

الآن تزيد الفرحة مع مواقع التواصل فأقرأ عليها من شباب لا أعرفهم حديث عن شيئ كتبته فيسعدني جدا.

الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد.

 

  • أخيرًا.. ما هي رسالتك لأهل فلسطين في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر ضدهم؟

شعب فلسطين.يناضل من أجل قضية وطنية هي الأرض.. هل أقول لهم اصبروا وقد مضي أكثر من شهر علي الغارات البشعة للصهاينة عليهم وهدم منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم ؟ هم الذين يعلموننا الصبر ويمنحوننا الأمل في زوال الدولة الصهيونية التي قامت على خرافة اسرائيل من النيل إلى الفرات.