رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مغامرة مراد منير على مسرح السامر


نعم نحن فقراء ولكننا بفننا أغنياء
كل الشكر والتحية لمدير مسرح السامر الفنان المتميز عادل بركات على تقديم مسرحية "المغامرة" لتكون أول عروض مسرح السامر فى ثوبه الجديد بعد أكثر من ثلاثين عاما من إغلاقه، هذا المسرح الذى كان فى سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، منارة ثقافية فنية من منارات الثقافة الجماهيرية "التى يطلقون عليها الآن الهيئة الهامة لقصور الثقافة"، أضاءت لياليه المسرحية سنوات قدم خلالها مخرجون وفنانون عظام روائع المسرحيات العربية والمصرية.
المسرحية الرائعة "المغامرة" من إعداد وإخراج القدير مراد منير عن رائعة الكاتب السورى سعد الله ونوس "مغامرة رأس المملوك جابر" التى كتبها عام 1970، واستعرض من خلالها الظروف السياسية الحالية المشابهة لحقبة تاريخية فى بغداد، حيث يتناول الصراع والخلاف بين الخليفة ووزيره ومحاولة الوزير الاستعانة والاستقواء بالخارج من أجل هزيمة الخليفة.
وكانت المشكلة الكبرى، كيف يمكن إرسال الرسالة والخروج بها، وكل أبواب المدينة عليها حراس الخليفة، الذين يقومون بتفتيش دقيق لمن يدخل أو يخرج من المدينة. وهنا يبرز البطل الانتهازى الذى قدم حياته هدية لعدوه، هذا البطل هو المملوك جابر الطامح إلى الثروة والسلطة، فيقدم نفسه للوزير بفكرة جهنمية، وهى أن يحلق المملوك رأسه ويكتب عليها الوزير رسالته، ثم بعد أن يطول الشعر يخرج من المدينة، وبهذا يستطيع الإفلات من الحراس، وبالفعل كتب الوزير الرسالة على رأس المملوك، وفى نهايتها "اقتل حامل الرسالة".
لسعدالله ونوس العديد من المسرحيات، والتى تم تقديمها فى بلدان عربية كثيرة، ومنها مصر التى قدمت له عددا من المسرحيات، منها الفيل يا ملك الزمان، ومنمنمات تاريخية، وطقوس الإشارات التى أخرجها حسن الوزير، ومسرحية الملك هو الملك، ومسرحية الليالى المخمورة، ومغامرة رأس المملوك جابر، قام بإخراجها عاشق المسرح مراد منير، ومسرحية الاغتصاب عن الصراع العربى الصهيونى، والتى شاركت فى بطولتها على المسرح العائم بالجيزة من إخراج المخرج المتميز سيد خطاب عام 2001.
ويؤمن سعد الله ونوس بأن الفن رسالة؛ ولذا اهتم "بمسرح التسييس" وقال عنه "مسرح التسييس حوار بين مساحتين المساحة الأولى هى العرض المسرحى الذى تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره، والثانية هى جمهور الصالة الذى تنعكس فيه كل ظواهر المجتمع ومشكلاته".
المخرج المسرحى البورسعيدى مراد منير الذى درس الحقوق فى جامعة الإسكندرية أخذته نداهة المسرح، ومن يومها وهو يصول ويجول فى دهاليز وكواليس المسرح وعلى خشبته ووسط جمهوره، حيث أخرج العديد من المسرحيات التى لن ننساها، منين أجيب ناس، والملك هو الملك، وسى على وتابعه قفة، وزيارة سعيدة جدًا، وملك الشحاتين، كما أسس فرقة مسرحية تحت اسم المسرح التجريبى فى قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية. 
يلتقط مراد منير مسرحية رأس المملوك جابر ويقوم بإعدادها لتصل إلى الجمهور بطعم العامية المصرية، حيث  قدم لوحة فنية على قطعة من النسيج، مغزولة بإيدى فنانى المسرح بألوان مبهجة ومبهرة، وخيوط معزوفة بألحان وأداء الفنان الصادق محمد عزت، ومن كلمات أحمد الشريف، واستعراضات ملأت اللوحة حركة وحيوية للفنان محمد بيلا، مع ديكور ابراهيم الملاطيلى المعبر عن اللوحات المتتابعة للمسرحية وملابس ناجح أبو المجد الجميلة تصميما وتنفيذا، كل هذا يصاحبه مشاهد فيلمية من الرسوم المتحركة لحسام المحفوظى.
يقول مراد منير "لا تحزنوا.. انظروا إلى السماء نعم نحن فقراء لكننا بفننا.. أغنى الأغنياء".
تبدأ المسرحية بغنوة:
أبوح يا أبوح    ابن العرب مدبوح
وأمه عليه بتنوح   وتقول يا ولدى 
ويشركنا المخرج مع العرض، حيث نرى الصراع على السلطة والثروة، على حساب غالبية الشعب المغلوب على أمره، الباحث عن حقه فى الحياة، الواقف فى طوابير الخبز طوال اليوم من أجل بضعة أرغفة يكتم بها صراخ الصغار من الجوع، شعب يعانى من الغلاء والضرائب التى يفرضها الخليفة كل يوم. ويحاول الحسن البهى "الذى يقوم بدوره الفنان المشرق بحضوره القوى وأدائه الرائع أشرف شكرى" أن يوقظ الناس من ثباتهم وغيبتهم وتغييبهم وخوفهم وجبنهم دون فائدة.
استطاع كل من الثنائى مصرية بكر، وليلى مراد أن يشدا انتباه الجمهور فى كل لحظة كرواة للأحداث كما أجادت الفنانة مصرية بكر فى دور زمرده. واستطاعت ليلى مراد مع الفنان القدير إيهاب عز العرب فى مشهدهم أن يبكوننا على حال الشعوب التى تصل "نتيجة لصراعات الكبار داخل الدولة الواحدة والصراعات بين الدول الكبرى" إلى حالة من الجوع والفقر والمعاناة لدرجة أنهم لا يستطيعون الحصول على الحليب لإرضاع وليدهم  فصدر الأم جف من قلة الأكل والشراب وليس لديهم نقود لشراء الحليب للطفل الوليد.
والتحية للفنان حامد سعيد الذى أجاد فى جميع أدواره "الوزير، والخليفة، ومنكتم بن داوود".
التحية للنجم الموهوب الصاعد يوسف مراد، الذى قام بدور المملوك جابر، الحضور والحيوية والأداء المعبر، والصوت القوى، ورشاقة الحركة، وثبات الخطوات على المسرح.
أمسية فنية مسرحية ممتعة فنيا وفكريا أتمنى من مدير فرقة السامر محمد النبوى ومدير مسرح السامر الفنان عادل بركات، والأستاذ عمرو البسيونى، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن يمتد العرض بعد 7 نوفمبر "وهو الميعاد المعلن لنهاية العروض"، حيث إن بدايات العرض تواكبت مع عملية طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيونى المحتل وتوقفت مع الحداد الذى تم بعد جريمة قصف مستشفى المعمدانى فى غزة.
كل التحية والتقدير لجميع الفنانين والفنانات الكبار والصغار المشاركين فى العرض، الذين ملأوا المسرح حياة بالتمثيل والرقص والغناء وأجاد كل منهم فى أداء دوره.