رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سامح الجباس: الولع بالوثائق دافعي لكتابة "بوستة عزيز ضومط" وكشف سر أول مرشح عربي لنوبل في الأدب

سامح الجباس
سامح الجباس

 في روايته بوسطة عزيز ضومط 2023 والصادرة عن دار العين وتقع في مائتي وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، يكشف الكاتب سامح الجباس ولأول مرة فى مناحي الروايات العربية عن شخصية الكاتب الفلسطيني الذي لا يعرفه أحد "عزيز ضومط".

وعزيز ضومط هو أول كاتب عربي يرشح بقوة للحصول على جائزة نوبل فى الآداب عام 1936 وكاد أن يحصل عليها لولا التدخلات الغربية، وطوال هذه السنوات تم إخفاء هذه المعلومة كما تم التعتيم على شخصية عزيز ضومط، وتعد هذه الرواية هى أول رواية عربية تكشف عن شخصية هذا الكاتب الفلسطينى.

كما تكشف الرواية أيضا عن أسرار منظمة “القمصان الزرق” التى أسسها حزب الوفد فى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى، وكان الجباس في روايته السابقة (رابطة كارهى سليم العشى) قد قدم للمرة الأولى ايضا، شخصية غريبة وغامضة جدا ومثيرة للجدل لم يكتب عنها أي كاتب عربى من قبل وهى شخصية دكتور داهش.

فى تلك الرواية اقتحم الكاتب أسرار وغموض هذه الشخصية اللبنانية المثيرة للجدل، كما كشف الكثير من الأسرار عن علاقة دكتور داهش بالكثير من كبار الأدباء والفنانين والسياسيين  والصحفيين فى مصر ولبنان، الدستور التقت سامح الجباس وكان هذا الحوار..

_ماذا عن رؤيتك للمشهد الروائى العربى حاليا؟

 "أعتقد أن المشهد بدأ فى السطوع بإفراز و إبراز أعمال روائية، مثيرة..  سواء على مستوى اهتمام القراء والنقاد أو على مستوى المتلقين فى الندوات الأدبية والجوائز. كما ساهمت بعض وسائل التواصل الاجتماعى فى ذلك. سامح الجباس ومع القراءة الأولى والثانية للرواية يبرز ثمة تعاطف مع الشخصية الرئيسية في الرواية وهو الكاتب غزيز ضومط فهل هذا التعاطف جاء في متن السرد لتراتبية الأحداث في هذا العالم المحجوب عن الكاتب عزيز ضومط وهويته وجنسه ومايرمي إليه بتلك التحميلات الملغزة والتي تدعوا صراحة إلى التصالح مع رؤى ضومط فيما يخص علاقته بالصهيومية أو اليهودية وما علاقة كلا من الريحاني والعقاد ويوسف بك وهبي،

_ ولماذا كان تدشين عالم الكاتب عزيز ضومط في هذا التاريخ الآني ؟

هناك الكثير من الآسئلة والشكوك تدورفي متن الرواية، طرحتها لأ ؤكد مهارة السارد، في إثارة القراء ودهشتهم_ في تلك العالم السردي المغاير التي تنفرد به الرواية ورؤية الكاتب.

 هناك ثمة تبني لرؤى وطموحات تطبيعية للراوي والرواية، لجأت  إليه؟               

 ، لا دعوات للتطبيع في الرواية ولكن، هناك ثمة رؤية غائمة في علاقة الراوي بالأحداث، تستشف حسيا وببعضا من التدخلات الذكية والمراوغة في آن،  لتتجلى في النهاية تلك الرؤى، بالأحداث الملتبسة والتي تعتمد في الكثير من بنيتها على ثنائيات، الكر والفر، والهمس والتعميق، الكشق والحجب وكذلك الإرجاء والدفع بتلك البنية الغائرة السردية الغائرة والمحفوفة بالمخاطرة والتي تورط الراوي في تبني أهداف سياسية وفكرية بعينها، أو التماهي مع فكرة التسامح وهي ما يبشر به الكاتب.

 _رؤية البنيوية وكذاك التفكيكية والنحو_ صوب أفاق تبشيرية بالتسامح والتصالح مع، مسيرة وميول وأغراض وماترمي إليه تلك الأفكار من نتائج وأهداف. فى رواية ( بوسطة عزيز ضومط ) هناك العديد من آليات التحرى / والتعرى. كيف كانت المحفزات أو دوافع كتابة هذه الرواية ؟

 دافعي لكتابة الرواية يعود للولع_  بالوثاق السرية لجائزة نوبل التي تم الافراج عنها مؤخرًا بعد مرور أكثر من خمسين سنة بناء على قوانين سرية المعلومات. وفيها اكتشفت أن هناك كاتب عربى – لم يسمع باسمه أحد – كاد أن يحصل على جائزة نوبل فى الآداب فى عام 1936  ومن هنا بدأت  رحلة ( التحرى ) و( البحث ) عن هذه الشخصية، وعن الزمن الذى عاشت فيه ومن عاصرت ؟ وكيف اختفى ذكرها عنا طوال أكثر من ثمانين عامًا ؟.

يقول الكاتب السياسى الشهير محمد حسنين هيكل:" إن الأسئلة لاتعثر على إجاباتها بمجرد الانتظار، وإنما بالبحث والجهد"، وهذا مافعلته من رؤى او تقنية السرد والبناء الفني والرمزي في رواية بوستة عزيز ضومط يكتشف حقيقة الكاتب " ضومط" الذى تم التعتيم عليه وإخفاء اسمه لأكثر من ثمانين عامًا،  فطرح رواية " ضومط" فى هذا الايقاع الزمنى أو التاريخى وتحديدًا فيما يخص الموروث السياسى والثقافى وحتى الفنى. أراها  استدعاءات هامة وضرورية للبحث في المسكوت عنه.

_ أحداث الرواية تجرى فى الفترة الزمنية مابين 1936 الى 1938  تقريبًا فلم يكن من الممكن أن يتجنب السارد ( توسيع الرؤية ) لا لتشمل الكاتب عزيز ضومط فقط فى فلسطين، بل أنها اتسعت لتشمل مصر أيضًا وماجرى فيها من أحداث سياسية – فارقة ومختلفة وغريبة – عن النظام السياسى ؟

دور الكاتب لا يقف على حدود ( الموروث التقليدى ) عن الزعماء السياسيين والأدباء فى تلك الفترة من التاريخ، بل بحث ( فيما أخفاه التاريخ ) وكشف عن ( الوجه الآخر)  لمشاهير  الكُتاب وعلاقاتهم السياسية ( المختلة ) و( الملتبسة)

فدور الكاتب كما يقول الشاعر الكبيبر أدونيس هو أن: "أهدم لكى أظل قادرًا على البناء".

_عن اليهودية أو العلاقة بالآخر، هل هي دعوة لإدانة مابعد الحقبة الليبرالية التي عاشتها مصر ؟ هل هناك حنين للفترة الملكية؟

كانت مصر هى أكثر دول العالم – فى النصف الأول من القرن العشرين – احتواء وذوبانًا مع الآخر. سواء أكان هذا الآخر من جنسيات مختلفة أو حتى من ديانات مختلفة، فحتى اليهود كانوا يجدون فى مصر الأمان والسلام حيث عاشوا وعملوا فى كل المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفنية أو غيرها.

واذا كانت الرواية تحمل قيمة ( التسامح مع الآخر ) طالما أن هذا الآخر لايكرهنا أو يتعمد أراها قيمة إيجابية،.إهانتنا، الليبرالية المصرية التى كانت سائدة  ومتجلية، حرية الفكر والمعتقد  هى التي كانت السائدة فى تلك الفترة فهذا بلاشك ساهم فى ترسيخ فكرة ( قبول الآخر ) والتى تراجعت تمامًا فى النصف الثانى من القرن العشرين وحتى اليوم.

_ عن النوستالجيا أو الحنين الى الفترة الملكية فهوما يرفضه الكاتب ؟             

أولأ لأنه بحكم سنى – مواليد السبعينيات – لا أعرف عن الفترة الملكية إلا ماقرأته من كتب، أحاول دائمًا أن يكون محايدًا فى تعامله مع التاريخ حيث أهتم بإبراز النقاط المظلمة فيه دون تحيز منى الى حقبة سياسية بعينها، لأن التحيز – فى رأييي – يضر بالكاتب كثيرًا ويُعميه _ عن رؤية الحقيقة. فما هو الهدف المنشود من الكتابة، إلاالكشف..

_ عن المحفزات التي كانت لها السطوة لكتابة الرواية هل سياسية أم اجتماعية ؟ هل ثمة رفض أو إدانة للواقع بكل أشكاله ؟

 الكتابة هى فعل هجرة عن الواقع، لكنه لا يرى ذلك، فالزمن عنده هو خط مستقيم أو هو كما قال الفرنسى بول ريكور: "الحاضر ثلاثى الأبعاد: حاضر الماضى، وحاضر الحاضر، وحاضر المستقبل"، وروايتى تنتمى الى زمن “ حاضر الماضى”.

 وجد المؤلف سامح الجباس فى تلك الفترة الزمنية منذ 1935 محفزات كثيرة سياسية، منها، التطرف السياسى المتمثل فى إنشاء تنظيم القمصان الزرقاء – والمحفز الأدبى فى مواقف كبار الأدباء السياسية ( المتناقضة ) والأدبى فى اقتراب أول كاتب عربى من الفوز بجائزة نويل للآداب ثم التأمر عليه.فهل الكتابة في الحقيقة هي إعلان رفض للواقع ؟                         

فى الحقيقة هى إعلان رفض للواقع بكل مساراته، في الثقافة والفكر وحتى السياسة ومنها قبول الآخر     .                                                    .

 فماذا إذا_عن اجترار سيرة ومسيرة تلك الفاعليات الفنية أو المسرحية أو حتى الكتابة فيها خصوصا شخصية يوسف وهبى والعقاد. وكيف ترى هذه العلاقات فى واقع سيرة هؤلاء أو فيما تراه فنيًا أو سياسيًا ؟ 

. هناك فقر كبير فى تناول ( السيرة الفنية المصرية ) فى الأعمال الروائية، كما أنه ليس هناك ( ربط ) بينها وبين ماكان يجرى فى وقتها من أحداث سياسية.

فقد شكل الفن – المسرحى  – فى تلك الفترة الزمنية بفرسانه يوسف وهبى ونجيب الريحانى وغيرهم  وجدان وأفكار وثقافة الناس سواء المتعلمين منهم أو البسطاء. وأيضًا الكتاب الكبار من أمثال طه حسين وعباس العقاد والمازنى والصحفيين مثل روزاليوسف ومحمد التابعى لعبوا أدورًا خطيرة فى تشكيل و( تحريك ) و( توجيه ) أفكار الناس.

و تسلط الرواية الضوء، على الفواصل الفلسفية أو الوجودية التي تتماهى أو تتنافر مع كل من ماهيات الاغتراب والتغريب أو الغربة. تحدثنا  المسارات والأفاق السردية ما يخفى قلق الكاتب تجاه الإرث أو الهم الحياتى والمتحول لأزمات وجودية جاءت على لسان الراوى.

يقول فولتير: ( إن مايدفعنا الى الكتابة هو الألم )، ويقول د/ شكرى عياد: ( إن الذى يدفعنا الى الفعل ليس هو مانملكه، بل مانفقده )، وهذا هو ما أؤمن به الكاتب منذ أن بدأ الكتابة  2006.

_ موقف الكاتب يظهر فى اختياره لموضوع روايته، ورؤيته تظهر فيما يكتشفه من غوامض ومواقف وأحداث أغفلها التاريخ، فكيف إذا، الفصل بين الذاتي والإبداعي الواقعي ؟

 

الكثير مما جاء على لسان الراوى من أفكار وتساؤلات لابد أنها – بكل تأكيد – تثير أفكارى وحيرتى أنا أيضًا، ربما كان الكاتب يبحث عن نفسه فى كل رواية يكتبها، حتى اذا اكتملت صورته، توقف أو مات.

فأنا لا أنكر  حزني، بل وصدمتي من وجود كاتب مثل عزيز ضومط الذى كاد أن يحقق أول وأكبر تكريم للثقافة العربية فى زمن كان السياسيون فيه يبحثون عن موطء قدم لاثبات استقلالية أوطانهم.لكن الرجل وكما يقول مؤلف الرواية انه تم التآمر عليه، بل  امتد هذا التآمر لمدة ثمانين عامًا من طمس اسمه واختفاء كل ماكتبه، حتى لا يعرف أحد ما حققه من مجد.

وهذا مخيف، بل هو كابوس كل كاتب الذى يتمنى لو يعرف إجابة السؤال الخالد الذى يسكن عقل وقلب كل كاتب وهو:

تُرى هل ستعيش كتاباتى بعد موتى ؟

 فى رواياته الأخيرة / وكذلك فى أكثر من تصريح اعلامى أو صحافى ذكرالمؤلف أنه يختلف فى لغته من رواية الى أخرى وأن الحدث كذلك يعنى لك الكثير فيما يخص التفرد، فلماذا كانت رواية بوستة عزيز ضومط أقل إدهاشًا من رواياته السابقة رابطة كارهى سليم العشى ؟

 كل رواية من رواياتي لها عالمها الخاص، فلا رواية لى تشبه الاخرى سواء على مستوى ك الفكرة أو تكنيك الكتابة أو اللغة، فكل رواية تختار لغتها التي تناسبها.

ورواية " بوستة عزيز ضومط" لم تكن أقل إدهاشًا من روايتي السابقة وتحديدًا " رابطة كارهى سليم العشى"، فربما يرى كثيرون عكس ذلك، لكن ( الشخصية ) التي قام عليها البناء السردي هنا هى مفتاح السر.

فشخصية الدكتور داهش المنوم المغنالطيسى والساحر والكاتب ومؤسس العقيدة الداهشية وصاحب المعجزات والخوارق والرحالة الذى طاف العالم، بالتأكيط ستكون شخصيته الغامضة والمخيفة أكثر إثارة من شخصية عزيز ضومط الكاتب الذى حاربه الغرب.