رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرادة المصرية

في إحدى جلساتنا التي نجلس فيها مع بعض الأصدقاء من مختلف الوظائف والفئات الاجتماعية، قال صديقي الخبيث وهو يعلم مدي حبي لمصر:
- لقد ضاعت هيبة مصر بين الدول.
كنت أعرف أن هذا ليس من خيال صديقي، ولكنه سمعه من المواقع الإلكترونية والمحطات التليفزيونية، التي يحب أن يستمع إليها، والتي دائما ما تقلل من الدور المصري. بمذيعيها التافهين، الهاربين من مصر، الذين ألحقوا كل نقيصة ببلادهم، ولا يتوانوا عن إلحاق أي صفة تقلل من شأنها. 
أخبرت صديقي الخبيث، أن مصر بشخصيتها وإرادتها موجودة منذ القدم، ويشهد التاريخ القريب لمصر، أنها رفضت الدخول في حزب مع بريطانيا وأمريكا والعراق عام 1946 ورفض وزير خارجيتها عبدالوهاب عزام، آنذاك، الانضمام إلى هذا الحلف، رغم إلحاح بريطانيا التي كان لها تواجدها العسكري في مصر. 
وبعد ثورة يوليو 1952 رفضت مصر أن تقترب من أمريكا وبريطانيا، وفضلت اللجوء للمعسكر الشرقي، وظلت مصر مع المعسكر الشرقي حتى بعد عدوان 1967، وفشل السياسة السوفيتية في زحزحة الإسرائيليين عن موقفهم، والجلاء عن شبر واحد من الأراضي المصرية، وقتها كان قرار عبد الناصر والسادات من بعده بالحرب. 
وعندما حاول السوفييت التكفير عن أخطائهم بإرسال جنود لمعاونة المصريين على الصمود وإزالة آثار العدوان، قام السادات بأخطر قرار في تاريخ العلاقات السوفيتية، وهو طرد الخبراء السوفييت يوم 8 يوليو 1972. وكان هذا في أوج تألق العلاقات السوفيتية المصرية. مع حرص السادات على إظهار متانة علاقته مع السوفييت، حين أعلن قراره الشهير بطرد الخبراء السوفييت من مصر.
ولا شك أن قرار الحرب في عام 1973، كان نابعا من الإرادة المصرية ورغبتها في تحرير ترابها الوطني من تدنيس العدو الصهيوني له. وكان أن فرضت الإرادة المصرية نفسها وانتصرت في الحرب.
أما قرار السلام فقد أملته الإرادة المصرية وحدها، متمثلة في رئيسها صانع الحرب والسلام أنور السادات، رغم ما جلبه قرار السلام على مصر من مقاطعات شملت كل المنظمات العربية، والأخطر أنهم اتخذوا قرارا بنقل الجامعة العربية من مصر إلى تونس. في مؤتمرهم الاستثنائي الذي عقدوه في العاصمة بغداد في مارس 1979، مدعين مخالفة مصر أحكام ميثاق الجامعة العربية، وقرارات الرؤساء العرب بعدم الصلح مع العدو الإسرائيلي. وقيامهم بوصف الرئيس المصري واتهامه بأبشع الوصائف والتهم. ومع ذلك فقد خالفوا هم ميثاق الجامعة العربية الذي ينص على أن القاهرة هي مقر جامعة الدول العربية.
وكان من نتيجة السعي الى السلام، أن عادت سيناء إلى حضن وطنها مصرية كاملة غير منقوصة، بينما بقي الجولان السوري والأراضي الأردنية المحتلة بعد عام 1967 محتلة حتى الآن رغم مضي أكثر من 50 عاما على احتلالها. 
الآن مصر استردت سيناء وقناة السويس، وأصبحت قناة السويس الشريان الحيوي الذي يصب في الدخل الوطني المصري ملايين الدولارات.
وفي عهد الرئيس مبارك كانت الإرادة المصرية وراء عودة الجامعة العربية لبيتها وحضنها في القاهرة، وفي 2 يونيو 1989، تم رفع علم مصر على مقر الجامعة العربية في تونس، وفي مارس عام 1990، عاد المقر إلى القاهرة بعقد مؤتمر الدار البيضاء الطارئ، وأصبح عصمت عبدالمجيد أمينا عاما لجامعة الدول العربية، وسط تطورات إقليمية وعربية ودولية بارزة.
وعندما تلكأت إسرائيل في الانسحاب من طابا، بعد عودة سيناء، كانت الإرادة المصرية وراء ذهاب مصر بالقضية إلى المحكمة الدولية بهيئة التحكيم، التي انعقدت في جنيف، وأصدرت حكمها يوم 29 سبتمبر 1988 لصالح الموقع المصري لتعيين موقع علامة الحدود، وفى 15 مارس 1989 تسلمت مصر منطقة طابا وعادت إلى السيادة والإرادة المصرية. 
وفي يونيو 2013، كانت الإرادة المصرية وراء خلع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي من مصر.
ولن نتحدث عن الخطوط الحمراء التى فرضها الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام دولة تركيا، التي لم تكتف بما فعلته في سوريا، بل أقدمت على تخريب ليبيا وتقسيمها أيضا، وتعاونت تركيا مع بعض المنظمات الإرهابية، ومن بينها داعش وقوات فاجنر الإرهابية المكونة من مرتزقة من كل إرهابي العالم، بدأت تلك القوات تزحف من غرب ليبيا إلى حدودنا الغربية، وعندها أعلن الرئيس السيسي، أن عبور تلك القوات مدينة مصراتهة بمثابة خطر أحمر يهدد السيادة المصرية، وبالفعل قام بحشد القوات المصرية، على الجبهة الغربية، فكان أن توقفت المنظمات الإرهابية عن التحرك في ليبيا، الأخطر أن العلاقات المصرية التركية بدأت في التحسن بعد تلك المرحلة. 
وعندما تأزمت الأوضاع في السودان، واقتتل فرقاء السلاح، وتم احتجاز بعض الجنود المصريين الذين كانوا في مهمة مساعدة جيش السودان، وكان أن تحركت الإرادة المصرية واجتمع الرئيس السيسي بالمجلس العسكري المصري، الذي قرر أن سلامة جنودنا وقواتنا هناك خط أحمر، فعادت قواتنا من السودان سليمة.
ولا تزال الإرادة المصرية، تفرض قانونها وشروطها، فعندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وقامت إسرائيل بقصف قطاع غزة قصفا عشوائيا، وأغلقت معبر رفح من جانبها، كانت الإرادة المصرية في التصميم على عدم خروج أي رهائن أجانب اإا بعد السماح بإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة، وتدفقت آلاف الطنان من المساعدات عبر الممر المصري إلى أهالينا بغزة، وبقيت الإرادة المصرية عالية مرهوبة الجانب من جانب الأعداء والأصدقاء.