رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة الإنقاذ الأخيرة

بـ«قمة القاهرة للسلام»، التى دعت لها، واستضافتها بعاصمتها الإدارية الجديدة، منحت مصر المجتمع الدولى آخر فرصة لإنقاذ منطقة الشرق الأوسط، وأولى الخطوات وقف الحرب الدائرة، التى لن تهدد استقرار المنطقة فحسب، لو اتسع نطاقها، بل ستهدد السلم والأمن الدوليين أيضًا. وبكلمات واضحة، ناصحة وأمينة، أكد المصريون، بلسان رئيسهم، أن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير وإزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى، بل إن حلها الوحيد، هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، فى تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، فى دولة مستقلة على أرضهم، مثل باقى شعوب الأرض.

فرصة الإنقاذ الأخيرة، سيتم إهدارها، لو لم يستجب العالم لصوت العقل، صوت مصر، ويعمل على التوصل إلى توافق محدد، على خارطة طريق، تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام، من خلال عدة محاور، تبدأ بضمان التدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، وتنتقل فورًا، إلى التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار.. ثم البدء العاجل، فى مفاوضات لإحياء عملية السلام، وصولًا لإعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية.. مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية.

التصعيد الإسرائيلى غير المسبوق بدأ أسبوعه الثالث. ويقول جيش الاحتلال إن قواته تتأهب «للهجمات المتكاملة والمتزامنة جوًا وبحرًا وبرًا»، بينما يؤكد الواقع أن «الجحيم ينتظر الإسرائيليين فى غزة»، كما قال عنوان تقرير نشرته جريدة «وول ستريت جورنال»، أمس الجمعة، أوضح أن الإسرائيليين لم يتحركوا سنة ٢٠١٤ سوى بضع مئات من الخطوات، طوال ٧ أسابيع، سقط خلالها عدد كبير منهم. ونقلت الجريدة عن آرييل بيرنشتاين، Ariel Bernstein، الذى شارك الجنود الإسرائيليين فى ذلك التحرك، أن الحرب «كانت مثل مطاردة الأشباح»، وأنه عاش أيامًا من القلق والرعب.

الأهم، هو أن تقرير الجريدة الأمريكية أكد أن السنوات التسع السابقة، شهدت تطورًا كبيرًا فى شبكة أنفاق حماس. كما نقلت وكالة «رويترز»، عن مصادر أن أنفاق الثوار الفيتناميين، الفيتكونج، التى استخدموها ضد الولايات المتحدة، تبدو كأنها لعبة أطفال إذا ما قورنت بشبكة أنفاق غزة. وللوكالة نفسها قال خبراء عسكريون إن كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، تحشد قواتها، للتصدى للاجتياح وتزرع الألغام المضادة للدبابات وتنصب أكمنة للقوات الإسرائيلية. 

منذ اللحظات الأولى للأزمة، انخرطت مصر فى جهود مضنية، لتنسيق وإرسال المساعدات الإنسانية، إلى المحاصرين فى غزة، وقامت باتصالات مكثفة مع كل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، لتجنب الدخول فى دوامة مفرغة من العنف، تزيد من حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، وأبدت استعدادها لتسخير كل قدراتها للوساطة. ومع ذلك، لا يزال مسلسل استهدافها، فى الإعلام الغربى، مستمرًا، منذ بداية الأزمة، بأكاذيب عديدة، أبرزها الترويج لسيناريو تهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء، مع أن الدولة المصرية، قيادة وشعبًا أكدت وشدّدت، وجدّدت التأكيد والتشديد، على الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين. ومجددًا أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمام القمة أن ذلك، ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، وإنهاءً لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطينى، والشعوب العربية والإسلامية، بل جميع الأحرار فى العالم، على مدار ٧٥ عامًا، هى عمر القضية الفلسطينية.

.. وأخيرًا، نتمنى أن يكون غدًا أفضل من اليوم، وأن تصل الرسالة، التى وجهها كل المصريين، فردًا فردًا، بلسان قائدهم، رئيس دولتهم، القائد الأعلى لقواتهم المسلحة، إلى العالم كله، الصديق فيه قبل العدو، بأن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن تحدث، وفى كل الأحوال، لن تحدث، أبدًا، على حساب مصر، التى بادرت بالسلام عندما كان صوت الحرب هو الأعلى، وحافظت عليه وحدها، عندما كان صوت المزايدات الجوفاء هو الأوحد، وبقيت، وستظل، شامخة الرأس، تقود منطقتها نحو التعايش السلمى القائم على العدل. وقطعًا، لن يُبقى المصريون على وجه الأرض كل من يحاولون دفعهم إلى غير ذلك.