رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تصعيدًا بتصعيد.. إنها قضيتنا

لعله أمر بالغ الغرابة أن يخرج علينا وعلى العالم المتحدث العسكري لينفي مسئولية الجيش الإسرائيلي عن تفجيرات مستشفى المعمداني، واتهامه لفصائل المقاومة بارتكاب تلك الجريمة البشعة، ويحدثنا عن ضحاياهم بأداء رومانسي، يحدث ذلك بينما إدارة جيشه وحكامهم يصرون على عدم فتح المعبر ودخول المساعدات الإنسانية، وهى جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد لشعب كامل تم منع كل أسباب الحياة لأن تصل للملهوف على تناول كسرة خبز أو شربة ماء أو علاج ضحايا الغدر في المستشفيات أو حتى إخراج الجثث والمصابين من تحت ركام البنايات التي تم تفجيرها.. هل تقبل إنسانية أي سفاح أو حتى مجنون في الدنيا الدخول في مساومات على أرواح البشر؟!
بل والأغرب أن يعلن ذلك المتحدث الرومانسي الملائكي أنه قد تم إبلاغ المستشفيات بأمرالإخلاء لأننا نعلم أن "حماس" تستخدم من فيها كدروع بشرية.. يقول ذلك بكل وقاحة وكأن لا يعلم ماذا يعني أمر إخلاء مستشفى باعتباره حكم إعدام..
إن مشهد الطفل الذي يحاول أن يلقن طفلًا آيات الشهادة والدماء تسيل من أجسادهما كان كافيًا لأن يتحرك العالم كله للنيل من تجار الحروب القتلة، لو أن هناك ضميرًا عالميًا قد قرر التعاطف والقراءة الصحيحة لأبعاد تلك المجازر، فنحن أمام أطفال باتوا يتعاملون مع الموت ويعلمون طقوس تلك المعاملة المعتادة!!
وعليه، تذكرت ما قاله الزعيم الراحل أنور السادات تحت قبة البرلمان عقب الأيام الأولى لانتصارات أكتوبر وبعد أن ذكرهم بما ارتكبوه من مجازر وأبشعها مجزرة قتل الأطفال في بحر البقر.. قال "عليهم أن يتذكروا ما قلته يومًا وما زلت أقوله "العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق".. تذكرت تلك المقولة وأنا أستمع لرئيسنا الوطني النبيل عبدالفتاح السيسي وهو يدير معركة إنقاذ القضية الفلسطينية من براثن من يديرون خطط ابتلاع مصالح شعوب المنطقة، مبديًا دهشته من حالة التصعيد غير المبررة في عرقلة دخول المساعدات الإنسانية ليعود الأمل في الحياة لشعب محاصر، فيعلن أنه سيقابل التصعيد بتصعيد..
وكان الرئيس السيسي قد وجه رسالة بالغة الوضوح والبأس لكل شعوب العالم مفادها أن مصر تواصل بكل قوة دورها المسئول والريادي والذي تتقدم به الصفوف في الدفاع عن القضايا والحقوق العربية وفي القلب منها وفي الصدارة القضية الفلسطينية، وأن مصر التي لم تخذل أمتها العربية عبر التاريخ في كل أزمنة المحن والأزمات، وتواصل بكل قوة ذلك الدور، سواء في حالات الحرب حينما تكون مصر مقاتلة، أو في حالات السلام حينما تكون مبادرة، ولن تخذل مبادئ القانون الدولي ولن تتراجع عن الالتزام بالقيم الأخلاقية والانتصار للمواقف الحكيمة..
وكانت إشارته لأهمية أن ينتهي الصراع  بالوصول لإقرار حالة سلام وإلا كنا نمارس العبث بمقدرات شعوبنا، وعليه فقد دعا الرئيس جميع الأطراف إلى ضبط النفس وإخراج الأطفال والنساء من دائرة الحرب، محذرًا من خطر ترك أي شخص يتعرض للخطر وحده..
ومن جديد، كان تأكيد الرئيس بشكل واضح أن سعي مصر للسلام، واعتباره خيارها الاستراتيجي يحتم عليها ألا تترك الأشقاء في فلسطين الغالية، وأن نحافظ على مقدرات الشعب الفلسطيني الشقيق، وتأمين حصوله على حقوقـه الشـرعية، فهذا هو موقفنا الثابت والراسخ، وليس بقرار نتخذه بل هو عقيدة كامنة في نفوسنا وضمائرنا آملين بأن تعلو أصوات السلام، لتكف صرخات الأطفال، وبكاء الأرامل ونحيب الأمهات ولن يتأتى ذلك، إلا بتوفير أقصى حماية للمدنيين من الجانبين فورًا، والعمل على منع تدهور الأحوال الإنسانية، وتجنب سياسات العقاب الجماعي، والحصار والتجويع والتهجير.
وأكد الرئيس عبر مقابلته مع المستشار الألماني، أهمية وقف التصعيد الحالي، حيث استمرار العمليات العسكرية، ستكون له تداعيات أمنية وإنسانية، يمكن أن تخرج عن السيطرة، بل تنذر بخطورة توسيع             رقعة الصراع، في حالة عدم تضافر جهود جميع الأطراف الدولية والإقليمية، للوقف الفوري لكل عمليات التصعيد.
وقد تناولت المباحثات مع الجانب الألماني الجهود المصرية من أجل احتواء الأزمة، من خلال اتصالات مصر المكثفة، مع طرفي الصراع وجميع الأطراف الدولية والإقليمية.
وذكر الرئيس، عبر المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالمستشار الألماني، "اتفقنا في الرؤى، حول الحاجة الضرورية لعودة مسار التهدئة، وفتح آفاق جديدة للتسوية، من أجل تجنب انزلاق المنطقة، إلى حلقة مفرغة من العنف، وتعريض حياة المدنيين للمزيد من المخاطر، وضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل، يضمن حقوق الفلسطينيين، بإقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"..
ولعل من الأهمية بمكان تأكيد رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو أي محاولات لتهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم، أو أن يأتي ذلك على حساب دول المنطقة وأكدت في هذا الصدد، أن مصر ستظل على موقفها، الداعم للحق الفلسطيني المشروع في أرضه، ونضال الشعب الفلسطينى.