رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشعلو الحرائق.. والصراعات الصفرية

عدة رسائل وجهتها الأمة المصرية ووجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حدث استثنائي ومهيب جمع أبناء القوات المسلحة وذويهم في الاحتفال بتخرج ظباط الكليات العسكرية وبمناسبة مرور ٥٠ عامًا على نصر أكتوبر المجيد.. وكان الاحتفال والحدث يومًا للحسم ويومًا للتحذير ويومًا للتذكير بأنه "لا تفريط في شبر واحد من أرض سيناء"؛ لذلك شكلت الفرق العسكرية بأجسادهم صورةً لخريطة شبه جزيرة سيناء، وكلمة "سيناء- أمل جيل"، كذلك كان جليًا حرص مصر على حقوق دولة "فلسطين" والاعتراف بها.. فتحت عنوان "عبرنا وانتصرنا" أقامت القوات المسلحة هذا الحدث المهيب، واستعرضت من خلاله جميع أسلحتها من المدفعية للدفاع الجوي إلى جانب استعراض المهارات الفنية والبشرية باستخدام السلاح واستعادة واستلهام ما حدث في حرب أكتوبر من ٥٠ عامًا، بدءًا من الضربة الجوية للعبور والاقتحام بمصاحبة أغنيات اشتهرت منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر حتى عهد بطل الحرب والسلام الرئيس الملهم المنتصر نصير السلام العادل- غير المنبطح- الذي أعقب الانتصار واسترداد كامل أراضينا وهو الرئيس الشهيد "أنور السادات"، الذي سبق عقله زمنه؛ فكانت أغنيات مثل "خلي السلاح صاحي" و"الله أكبر بسم الله" حتى أوبريت "صوت بلادي"، وهي من الأغنيات الشهيرة المعبرة التي عبأت جيلًا سبقنا، ولابد من استعادتها اليوم؛ لتتعلم الأجيال الجديدة وتعلم جيدًا مرارة الهزيمة وحلاوة الانتصار.. وكعادة مصر التي لا تغبن أحدًا ولا تنكر مشاركة الأشقاء من الدول العربية في هذه الحرب، وُجهت التحية للجزائر والعراق وسورية والسعودية والمغرب وفلسطين وعلى أنغام أوبريت "وطني حبيبي الوطن الأكبر" ذكرت تلك البلدان، وقيل نصا "دولة فلسطين"، وليس "فلسطين المحتلة"، فإقرار حل الدولتين والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في أرضه وإقرار السلام ووقف التصعيد والمجون والالتزام بالمبادئ والأخلاقيات في الحروب وعدم الانحراف عن المسار والتصعيد.. فأي صراع لا يقود للسلام والتفاوض هو عبث لا يعول عليه، وتلك هي الصراعات الصفرية والمجانية "باهظة التكاليف"، التي سيخرج منها الجميع خاسرًا ولن يربح أحد 
وشدد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" في خطابه على ضرورة إخراج الأطفال والنساء والمدنيين العزل من هذا الصراع والسير في المسار التفاوضي؛ كي لا يشتعل الموقف ونحيد عن مسار الإنسانية والسلام، مشيرًا إلى أنه لم ولن يتخلى عن القضية الفلسطينية، وأن مصر دومًا ما تسخر قدراتها من أجل تلك القضية وتسعى للوساطة الفاعلة والبناءة بالتنسيق مع الأطراف الإقليمية- دون قيد أو شرط- وتسعى للسلام كخيار استراتيجي وأنها لن تترك أشقاءنا في فلسطين الغالية، بل سنحافظ على مقدرات الشعب الفلسطيني وضمان حصوله على حقوقه الشرعية، فتلك هي عقيدة الجيش المصري.. عقيدته التي لا تتزعزع ولا تتغير.. لأنها عقيدة راسخة في ضميرنا وليست مجرد قرار، مؤكدًا ضرورة منع أي تدهور في الأوضاع الإنسانية في غزة وفي فلسطين وضرورة وصول المساعدات الإنسانية للقطاع.. وبالطبع البيان الذي صدر عن الخارجية المصرية صبيحة ذات اليوم يؤكد على نفس المعنى وأنه ممنوع منعًا باتًا أن تمنع أو تعوق "جهة ما" أيًا كانت وصول المساعدات الإنسانية لأهلنا في فلسطين.. وأن سياسات التهجير والحصار والتجويع أيضًا ممنوعة منعًا باتًا وبشكل قطعي لا يقبل الفصال أو حتى الجدل حوله.. وأن على المجتمع الدولي أن  يضمن وصول تلك المعونات لفلسطين.. وأن الأمم الكبرى تصمد بشعوبها وليس فقط بقيادتها وأن الصراعات التي على الحدود دومًا ما تكون مشتعلةً، وأي مشكلة تحدث لدولة من دول الجوار نتأثر بها وشدد في خطابه على أن مصر آمنةً مطمئنةً تدير سياساتها دومًا من أجل السلام والتنمية والبناء والتعاون ولا تطمع أو تعتدي على أراضي الغير، وأن جيش مصر جيش رشيد لا يعتدي ولا يتسبب في مشاكل لأحد، وأن الثبات والصمود والأمل والتفاؤل ضرورة قصوى للنجاح وللتقدم.
وذكر الجميع أيضًا بأن مصر كانت دومًا وعلى مر تاريخنا تحتضن كل الأشقاء الذين أتوا ولجأوا إليها من أجل الاحتماء والأمن والأمان.. أما تهجير أهل غزة عن أراضيهم فيعني تصفيةً للقضية.. وهي قضية القضايا ومحور الاهتمام لدينا ولدى العرب جميعًا. 
وأكد أن المرحلة الحالية مرحلة صعبة وأن هناك تواصلا دائما مع القادة في فلسطين وأننا نتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت نتعامل بعقولنا من أجل إحلال السلام وتحقيق الأمن؛ وكي لا يتكبد غيرنا أو نتكبد نحن الكثير.. فنحن مستعدون لتقديم العون كل العون في إطار قدرتنا وإمكاناتنا 
وأننا نستطيع تحمل تكاليف الحياة لا إهدارها أو خراب الدولة.. وأن مصر تقدر أن تحمي نفسها 
وأن الشعب مسئول معنا على حفظ أمن مصر وألا يفتتن وأن تكون دروس الغير مستوعبة وأن ما حدث من دمار وخراب لدول الجوار لا يحدث لنا. 
وخلال الاحتفال المهيب، وكما سمعنا صوت الرئيس الراحل بطل الحرب والسلام، وهو يتحدث عن انتصارنا في الحرب وانتصارنا للسلام بعد استرداد كامل الأرض وبعد استعراضنا المعدات الحربية التي استخدمت في حرب أكتوبر ٧٣ للتذكرة، وأن تسليح الجيش مستمر، بل ويتطور ويواكب كل جديد وبجانب السلاح هنالك العنصر البشري الذي يمارس الترقب الحذر ويجيد استخدام السلاح إن استدعى الأمر.. للدفاع وصد أي عدوان، فنسمع تسجيلًا خلال الحفل للرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو يؤكد على جاهزية الجيش المصري الأمس واليوم وغدًا، بل سمعناه وهو يقول بحزم وحسم إن الجيش الذي فعلها مرةً قادر على أن يفعلها كل مرة إذا تعرض لاعتداء أو تهديد قائلًا: "اللي حيقرب منها وربنا شاهد حشيله من على وش الأرض"، وهي رسالة مباشرة وواضحة لا لبس فيها تقول وتؤكد أن أرض مصر خط أحمر وأن سيناء التي استردتها الدولة المصرية بالحرب وبالقوة وبالدماء والعرق والدموع ثم بالتفاوض لا تفريط فيها ولا تفريط في شبر واحد من أرضها الطاهرة وأن مصر تبذل دومًا كل ما تستطيع.. فحينما كانت الحرب ضرورة ملحة ولا خيارات أمامنا أو بدائل حاربنا وعندما حان السلام حققناه. 
ولم نخذل يومًا أمتنا المصرية أو العربية ولم نخذل أنفسنا. 
وتلك الكلمات وكل هذه الرسائل- في هذا التوقيت وبالتحديد- كانت مهمة وضرورية لإيضاح أمور عدة وحسم غيرها منعًا لأي إلتباس أو فتن أو جدل غير مجد وغير بناء.. ولتخرس الألسنة التي لا دور لها سوى إحداث البلبلة والتشكيك وإشاعة الروح الانهزامية والسخرية مما كان وما حققناه وما نحققه اليوم وما يمكن أن تفعله الأمة المصرية. 
إن استدعى الأمر وساقتها الظروف لكي تفعل.. فمصر ليست فقط ودوما في الصدارة، بل هي ماضية في طريقها نحو التنمية المستدامة والسلام كخيار أكيد تلتزم به، لكنها أيضًا جاهزة وعلى أهبة الاستعداد دومًا لصد أي اعتداء أو عدوان والدفاع عن أرضها ومقدساتها وعقيدتها الراسخة التي لم ولن تتزعزع
عاشت مصر وعاشت الأمة المصرية وسلمت قواتنا المسلحة من كل الشرور، فهي درع وسيف يحمي لنا حدودنا وأمننا القومي ونحتمي نحن به وبفضله نعيش في سلام وأمان.