رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصادية وأمنية.. مخاطر دفع الفلسطينيين فى غزة إلى النزوح نحو الحدود المصرية

غزة
غزة

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفًا مكثفًا لقطاع غزة بشكل غير مسبوق ردًا على عملية "طوفان الأقصى" التى شنتها حركة حماس فى 7 أكتوبر 2023، واستطاعت خلالها إلحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة فى  إسرائيل، وفقًا لدراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

ومع استمرار هذا المشهد في قطاع غزة، تطرح احتمالات وفرضيات غربية بأن ينزح آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الحدود المصرية إذا استمرت الحرب الجارية والضربات الإسرائيلية على قطاع غزة  بشكل مكثف، بما اضطر المواطنين الفلسطينيين إلى الخروج من غزة، وسيكون المنفذ الوحيد حينها هو  الحدود المصرية. 

ودائمًا ما تتحرك مصر لدعم قطاع غزة في كل جولات العدوان التي تشنها إسرائيل خلال السنوات الماضية. 

المسار المصري في مثل هذه المناسبات يتضمن السير في عدة مستويات مختلفة: أولًا وقف العمليات  العسكرية وفرض هدنة لدواع إنسائية ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار سيرتبط بطبيعة الحال بشروط ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيط نزيه يتمتع بثقة الجانب  الفلسطيني ويرتبط في نفس الوقت بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي تسمح له بممارسة مهام الوساطة. 

وهو ما يتوفر بشكل كامل في الجانب المصري الذى لعب دور البطولة في التوصل للتهدئة خلال جولة مايو  2021 التصعيدية وهو ما أسفر عن إيقاف هذه الجولة العنيفة من القتال. 

وتحمل عملية نزوح الفلسطينيين إلى الحدود المصرية وإمكانية تجاوزها إلى داخل سيناء عددًا من المخاطر والتداعيات الكبيرة التي لا يمكن أن تقبل بها مصر.

أولًا: أن نزوح سكان قطاع غزة إلى داخل مصر هو مخطط عربى وإسرائيلى قديم، تضمن إعادة توطين المواطنين الفلسطينيين من غزة في سيناء في منطقة تمتد من العريش بعرض 24 كم حتى الجنوب،  وبالتالي تصبح المنطقة بديلًا للفلسطينيين داخل غرة والضفة، ويوطن فيها اللاجئون كبديل.

هذه المشروعات التي كانت مطروحة منذ 2008 يمكن أن يكون التحرك الجديد يقترب من تلك المفاهيم ويعيد طرحها، بما يتطور إلى إقامة دولة فلسطينية بديلة ويضمن في المقابل سيطرة إسرائيلية على كل أراضي دولة فلسطين التاريخية. وهو ما يعني في المجمل تصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وتحقيق الحلم الإسرائيلي القديم. 

ثانيًا: أن هذا النزوح سيكون بعد تدمير مساكن وأماكن إيواء وبالتالي سيكون نوعًا من الاستيطان داخل  الحدود المصرية ربما يتمدد إلى مناطق مختلفة داخل سيناء وهو ما يحمل معه العديد من المشاكل؛ فتعمير غزة بعد تلك الضربات إذا ما تم التدخل البرى الإسرائيلي سيستغرق وقتًا طويلًا، ومن تم سيتعين على  مصر أن توفر لهذه المجموعات أماكن للإقامة والإعاشة، وهو عبء كبير لا تستطيع مصر تحمله فى هذا الوقت. 

ثالثًا: أنه لا يستبعد أن تتسلل وسط هذه الجموع من الفلسطينيين عناصر إرهابية وتكفيرية إلى سيناء،  وبالتالى إمكانية عودتهم مرة أخرى للقيام بعمليات عسكرية أو التمركز داخل سيناء وهو ما يحمل معه الكثير من المخاطر الأمنية، ليس فيما يتعلق بعملياتهم التي يمكن أن تستهدف الوجود الإسرائيلي على امتداد الحدود المصرية، ولكن على الأمن المصرى من تلك المنطقة التي تحمل الكثير من المخاطر منذ فترة طويلة. 

رابعًا: أن المناطق التي تجاور الحدود مع غزة هي المناطق التي تم إخلاء أجزاء منها لضمان فرض السيطرة  والهيمنة عليها، وبالتالي لجوء هذه الجموع إلى التمركز فيها يضرب الخطة الأمنية الاستراتيجية المصرية التي كانت ترتكز على إخلاء تلك المناطق لضمان استقرار الأمن وعدم تمركز عناصر أمنية، وبالتالي يسهل بعد ذلك اختباء عناصر إرهابية بين تلك الآلاف التي يمكن أن تجتاح الحدود. 

خامسًا: خروج الفلسطينيين يعيد طرح الأمن الإقليمي الذى خرح قبل ذلك، وأن تتولى مصر مسئولية الأمن في قطاع غزة ومسئولية التعامل مع الفلسطينيين وتخفيف العبء عن إسرائيل في ذلك المجال وفقًا للقانون الدولي بوصفها الدولة القائمة بالاحتلال. فعند خروج هذه الآلاف يعني ذلك أن مصر ستتحمل عبئًا كان من المفترض أن يتحمله المحتل وهو إسرائيل، بما يعني أن مثل هذه المخططات إنما تخدم إسرائيل في المقام الأول والأخير. 
سادسًا: إذا كانت فعلًا إسرائيل جادة وتنجح في تصفية القدرات العسكرية لحماس، فأين تذهب الأسلحة التي هناك، ويعيد ذلك طرح أفكار طرحتها إسرائيل مسبقًا بتجميع تلك الأسلحة وتخزينها في مناطق تكون تحت مسئولية عاتق دول عربية بما يعني تولي مصر مسئولية ذلك. 

سابعًا: أن ما تقوم به إسرائيل من قصف كامل لقطاع غزة وقطع إمدادات الكهرباء والوقود والمياه والطعام عن القطاع يمثل جريمة حرب غير مقبولة على المستوى الدولي. ومن شأن نزوح آلاف الفلسطينيين من القطاع باتجاه مصر أن يكرس إفلات إسرائيل من العقاب على جرائمها، بل ومكافأتها على هذه الجرائم بتحقيق أهدافها الاستراتيجية، في وقت من المفترض أن تكون هي مسئولة فيه عن إيجاد ممرات إنسانية لنجدة شعب غزة في ظل هذه الأوضاع. 
ثامنًا: إن تخلي المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة عن أراضيهم ونزوحهم إلى الحدود المصرية من شأنه تهديد عملية السلام في الشرق الأوسط، وأن تترتب تداعيات أمنية واسعة النطاق ستطال آثارها كل دول الشرق الأوسط دون استثناء.