رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"فيلسوف الضحك والبكاء".. كتاب يكشف رحلة نجيب الريحانى مع الفن طيلة 30 عامًا

كتاب فيلسوف الضحك
كتاب "فيلسوف الضحك والبكاء"

يصدر قريبًا كتاب "فيلسوف الضحك والبكاء.. سيرة درامية" للكاتب الصحفي والمؤرخ ماهر زهدي، عن دار ريشة للنشر.
الكتاب يكشف عن رحلة نجيب الريحاني مع الفن طيلة 30 عامًا، وهي رحلة شكلتها ضحكات فيلسوف الضحك بأعماله ومواقفه الفنية وشكلتها دموعه والتي اختبأت وراء تلك الضحكات؛ ولعل لجوءه للأعمال التراجيدية في بداياته والتي كانت وراء تربعه في قلوب الملايين من مُحبيه سجلتها سيرته الدرامية، والتي رصدها ماهر زهدي في هذا الكتاب.

التراجيديا.. بوابة تربع نجيب الريحاني في قلوب الملايين من محبيه

ومن مقدمة الكتاب نقرأ: "من الصعوبة التي قد تصِل إلى حدِّ المستحيل، أن تكتب عن عملاق الكوميديا وفيلسوفها نجيب الريحاني، باعتباره "كان" أو جزءًا من الماضي؛ لأكثر من سبب، قد يكون أهمها أنه لا يزال عَلامةً فارِقة، والمحطة الأهم في تاريخ الكوميديا المصرية والعربية، ويُعَد حدًّا فاصلًا لِما كان قبله وما جاءَ بعده، فربما اختارَ طريقَه في الحياة  ممثلًا، غير أنه أبدًا لم يختَر الشكل الذي قدَّم به نفسه لجماهيره، فقد سلك الطريق التقليدي لأغلب فناني عصره، ودخل من الباب الأشهر والأكثر اتِّساعًا، والأكثر قَبُولًا عند جماهير زمانه، وهو باب "التراجيديا"، وحاول، بل واجتهد، أن يكون أحد فناني هذا الفن الأصيل، غير أن الجماهير التي وقف أمامها رأت فيه ما لم يرَه في نفسه، وجدت فيه ضالَّتها في رحلة البحث عن نموذج لكوميديان العصر، واختارته لهذه المهمة الشاقة، بل الأكثر صعوبة، لأنها مع شعب لا يتذوَّق النكتة فقط، بل ينتجها في كل لحظة، فاكتشف الريحاني ذلك، وكان من الشجاعة أن يرضخ لاختيار الجمهور، غير أنه أبَى أن يكتفي بأن يكون كوميديانَ عصره، وعمل على أن يكون كوميديان العصور التالية له كلها، فعمل على تطوير الكوميديا المصرية لأكثر من ثلاثين عامًا، منذ أن بدأ عمله الاحترافي في الفن في العام 1908، ابتداءً من الفصل المُضحك الأقرب إلى الكوميديا المرْتَجَلة، ثم الاستعراض والأوبريت، مرورًا بالكوميديا الهزْلية التي خصَّها بمغزىً أخلاقي واجتماعي جادٍّ، حتى وصل بها إلى الشكل الأكثر نضجًا من خلال "كوميديا الموقف" التي لا تزال معتمَدة إلى يومنا هذا.

نجيب الريحاني.. رحلة فيلسوف الضحك والبكاء مع الفن طوال 30 عامًا

لم يهدأ الريحاني طيلة الثلاثين عامًا - هي رحلته مع الفن تقريبًا- حتى أصبحت الكوميديا على يده صيغة مِصرية خالصة، تعبِّر بصدق عن المجتمع، ساعده في ذلك عدة عوامل رئيسة مهمة، قد تكون أهمها وجود تربة خصبة من بيئة مصرية تتعاطَى النكتة بسخرية لاذعة، وتتعامل مع الكوميديا باعتبارها جزءًا أصيلًا من قوتِ يومها، إضافة إلى ذلك عاملَيْن آخرَيْن لا يقِلان عن ذلك في أهميتهما، هما موهبته الفطرية كفنان له حضور، أو ما يُطلق عليه "كاريزما" خاصة، إضافة إلى حظٍّ وافرٍ من الثقافة والاطلاع لم ينقطع عنه حتى رحيله، وهو ما لم يتوفَّر لكثيرين من جيله، وللأغلبية من الأجيال التالية له.

فقد قطع نجيب الريحاني في مراحل التعليم شوطًا يُعَد قصيرًا بمقاييس عصرنا الحالي، ولكنه يُعد كبيرًا نوعًا ما بمقاييس عصره، غير أنه لم يكتفِ بالوصول إلى مرحلة "البكالوريا" - ما يعادل الثانوية العامة الآن- ثم حرمانه استكمالَها لظروف الأسرة الاقتصادية، بل واصل الاطلاع حرًّا، والتهم الكتب التهامًا في كافة المجالات، وعمل على إتقان عدد من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية إلى جانب إتقانه العربية، لدرجة أنه أصبح ملمًّا إلمامًا رائعًا بالأدب المسرحي الفرنسي في لغته الأصلية، حتى أصبح هذا الأدب له مثل "كنز علِي بابا" الذي راح يغترف وينهل منه، ويقوم بهضمه ثم يعيد إنتاجه في ثوبه المصري الخالص، حتى أصبح الريحاني نفسه يشكِّل المصدر الرئيس للأعمال الكوميدية المصرية في المسرح والسينما، بعد أن صار تراثه الفني جزءًا أصيلًا من نسيج الذَّوق العام في مصر؛ لأنه استمَدَّ عبقريته في الأداء من إنسانيته كجزء من النسيج المصري، فاكتشفته الكوميديا المصرية، ونصَّبَته عميدًا لها. 

فلا أحد ينكر أن الكوميديا جزء مهم ومُتأصِّل من تكوين الشعب العربي بشكل عامٍّ، ومن الشعب المصري على وجه خاص، فقد اتَّخذ هذا الشعب من الكوميديا، بل ومن السخرية اللاذعة، حتى من نفسه في كثير من الأحيان، ملاذًا آمنًا يلجأ إليه في جُلِّ وقته، وتحديدًا عندما تشتَدُّ الأمور، وتضيِّق عليه الحياة الخناق، فيفرّ هاربًا إلى الضحك.