رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مديرية أمن الإسماعيلية ومتحف قسم البستان


استيقظت مصر على خبر حريق مديرية أمن الإسماعيلية، النيابة الآن في مرحلة التحقيقات لكشف أسباب الحادث، المؤكد أن الحريق الغاشم قد ترك خلفه شهداء ندعو لهم بالرحمة والمغفرة كما ترك خلفه مصابين منهم من هو تحت العلاج بالمستشفيات ومنهم من غادر المستشفى متعافيا.  
حريق غاشم في توقيت لا يحتمل أي حادثة غير مبررة، المبنى الشاهق الذي يطل على ترعة محمد على وحدائق الملاحة تحول إلى كتلة من اللهب في لحظات معدودات، ولا شك أن اللجان الهندسية تدرس الآن صلاحية المبنى إن كان صالحا للترميم وإعادة إعماره أم أن هدمه صار ضرورة، هذا ما ستقرره اللجان الهندسية المختلفة التي تدرس أثر النار على حديد تسليح المبني.
في حال قرار هدمه هنا بالضبط أتوقف طويلا واكتب مبكرا كي أقترح الفكرة التي شغلت شعب الإسماعيلية كما شغلت مؤرخي الشرطة المصرية، وهي أن تلك البقعة من الأرض التي قام عليها مبنى المديرية المحترق هي ذاتها بقعة الأرض التي دارت عليها معركة الشرطة الباسلة ضد الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير 1952 حيث كانت تشغل مبنى المحافظة أو كما عرفناه عقب عودتنا من الهجرة منتصف السبعينات باسم قسم البستان.
قسم البستان الذي تم هدمه كان تصميمه رشيقا راقيا يتكون من طابقين لا أكثر  يليق بمدينة هادئة مثل مدينة الإسماعيلية وأمام القسم ساحة واسعة هي التي استقبلت جثامين شهداء الشرطة في يناير 1952 وقد بلغ عددهم في بعض الروايات 64 شهيدا وهناك من يقول ان عدد الشهداء تجاوز 80 شهيدا هذا غير المصابين، تلك الملحمة التاريخية التي كانت شرارتها في المدينة الباسلة كانت سببا مباشرا لقيام ثورة يوليو ومن بعدها جلاء الإنجليز عن مصر، إذن نحن أمام مفصل تاريخي لا يمكن دهسه بعمارة الأسمنت التي تمثلت في مبنى المديرية بعد هدم قسم البستان.
قسم البستان مازالت تصميماته الهندسية متوفرة ومئات الصور تحكي تاريخه، لذلك أقول تعالوا نجعل من محنة حريق مديرية أمن الإسماعيلية إلى منحة جمالية وتاريخية وذلك بإعادة الشيء لأصله وأن نعيد مبنى قسم البستان ليتحول إلى متحف رئيسي لبطولات الشرطة المصرية وأن يكون مزارا رئيسيا لكل ضيوف المحافظة وأن نعيد المقتنيات التي استخدمها ابطالنا في مواجهة الإنجليز مثل البنادق وما شابه وتصميم مجسمات داخل المتحف المقترح ترسم زوايا من المعركة تحكي للأجيال القادمة عن الثمن الذي دفعته مصر من أجل حريتها.
وقبل أن نبتعد نشير إلى أنه في صباح يوم الجمعة الذي وافق 25 يناير عام 1952، قام القائد البريطاني بمنطقة القناة «البريجادير أكسهام» باستدعاء  ضابط الاتصال المصري في قسم البستان وسلمه إنذارًا مفاده أن تقوم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية بتسليم أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.
ويقول المؤرخون وهذا ثابت في أكثر من موقع ومنشور مئات المرات في أبحاث مهتمة بتلك المعركة يقولون أن هذا الإنذار الإنجليزي جاء بعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة‏،‏ لذا خطط الإنجليز  لاحتلال الإسماعيلية وتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمنى‏.
وهنا تتجلى البطولة الأسطورية عندما رفضت قوات الشرطة المصرية ذلك الإنذار، وأبلغت فؤاد سراج الدين الذي كان يشغل موقع وزير الداخلية آنذاك والذى طلب من قوات الشرطة الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
القائد البريطانى في القناة يأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، وإطلاق النيران بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، في الوقت الذي لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع.
حاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنهما 850 جنديًا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التي دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت الذي سيذكره التاريخ طويلا.
هذه الواقعة تمت في ذات بقعة الأرض التي شيد عليها مبنى مديرية الأمن التي احترقت، أكرر تعالوا نعمل على تحويل المحنة إلى منحة، واقعة 25 يناير 1952 فارقة في تاريخ مصر الحديث لأنها لم تتوقف عند بطولات على أرض الإسماعيلية فقط ولكنها أشعلت  الغضب في قلوب المصريين، لنشهد المظاهرات تشق جميع شوارع القاهرة تنادى بحمل السلاح لمواجهة الاحتلال الغاشم.
هذا عن التاريخ والذاكرة وحلم المتحف والاقتصاد والضمير وعن ما يسعد شعب الإسماعيلية بحق ويحافظ على تاريخ مهم للشرطة في موقعه الأصلي.
أما عن العمران ومكان المبنى الجديد المقترح لمديرية أمن الإسماعيلية وللأسف الإسماعيلية اعتبرها من المدن المحبوسة جغرافيا حيث الماء والزراعات لذلك صار الوقت مناسبا لبحث امتداد التعمير نحو مراجعة موقف ملكية الأراضي على طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي وانتزاع كل ما يمكن انتزاعه من لصوص الأراضي وتمكين العمران المخطط منه وإقامة المدن الجديدة في هذه الحالة ستكون مدينة المستقبل في الإسماعيلية بمثابة وسط البلد وبها مساحات شاسعة يمكن إقامة المؤسسات الحيوية مثل مديرية الأمن الجديدة فيها حتى تتحول مدينة المستقبل من منطقة مشبوهة طاردة للسكان إلى منطقة جذب واستقرار.
المشروع متكامل يمكن لغيري الإضافة والحذف منه لأنني مقتنع بأن كلامي خطأ يحتمل الصواب.