رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية وطن.. كتاب ثالث

كتابان أصدرهما مجلس الوزراء، على هامش مؤتمر «حكاية وطن»، الذى بدأت فعالياته أمس الأول السبت، وتنتهى اليوم الإثنين، الأول يتضمن المشروعات القومية التى تم تنفيذها خلال الفترة من يونيو ٢٠١٤ إلى يونيو ٢٠٢٣، فى محاور التنمية البشرية والاقتصادية والمجتمعية والمكانية والمرافق والشبكات. والكتاب الثانى يضم المؤشرات الإجمالية لكل محور، والمؤشرات الفرعية داخل كل قطاع، من قطاعات تلك المحاور، ويقارن أوضاع ما قبل يونيو ٢٠١٤ بنظيرتها الحالية، بعد تنفيذ المشروعات القومية.

مع هذين الكتابين، أشار الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال كلمته، إلى كتاب ثالث صدر سنة ٢٠١٢ عنوانه «لماذا تفشل الأمم»، Why nations fail، الذى خصص مؤلفاه، دارون عاصم أوغلو وجيمس روبنسون، مقدمته، للحديث عن مصر باعتبارها نموذجًا للدولة الفاشلة، وطرحا ثلاثة أسئلة: لماذا تعد مصر أكثر فقرًا بدرجة كبيرة عن الولايات المتحدة؟ ما القيود التى تمنع المصريين من أن يصبحوا أكثر رخاء وغنى؟ وهل ظاهرة الفقر فى مصر غير قابلة للتغيير وهل يمكن للمصريين أن يتجاوزوها؟ 

الخبير الاقتصادى الأمريكى التركى الأرمينى، وشريكه الأمريكى أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، اللذان وصفهما أيان موريس، أستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد، بأنهما «اثنان من عمالقة العلوم الاجتماعية»، ذكرا أن الشخصية المصرية تأثرت سلبًا، بدرجة كبيرة، نتيجة انهيار نظم التعليم وانخفاض مستوى المعيشة، ما أفقد المصريين أخلاقيات العمل والسمات الثقافية، التى جعلت شعوبًا أخرى تتقدم وتزدهر، ودفعهم إلى تبنى «المعتقدات الإسلامية التى لا تتفق مع الازدهار الاقتصادى». والمهم، هو أن الكتاب انتهى إلى أن القائمين على الدولة المصرية، فى مرحلة ما قبل ٢٠١١، اهتموا ببناء أعشاشهم، their nests، ومصالحهم الشخصية على حساب المجتمع، ولم يكن لديهم إدراك للمتطلبات الضرورية، التى تجعل الدولة مُزدهرة، واتبعوا سياسات واستراتيجيات خاطئة، حسب الرأى السائد بين علماء الاقتصاد وخبراء السياسات.

فى أقل من خمس صفحات، أو ما يزيد قليلًا على ١٥٠٠ كلمة، تضمنت مقدمة الكتاب مغالطات كثيرة، يسهل تفنيدها، ورؤى شديدة السطحية، زعم المؤلفان أنها رؤى أو تفسير الشعب، لكن ما لا يمكن الخلاف بشأنه هو أن الوضع الاقتصادى فى مصر، بين ٢٠١١ و٢٠١٤، كان يشهد حالة من الركود والتدهور، مع تراجع الاحتياطى النقدى إلى ١٧ مليار دولار، وزيادة معدل البطالة على ١٣٪، ووصول عجز الموازنة إلى ١٢٪، إضافة إلى انخفاض حاد للاستثمارات الأجنبية، و... و... وكان طبيعيًا أن يصاحب ذلك كله تدهور كامل فى الخدمات العامة، وفى قطاعات البنية التحتية. وبالتالى، كان القطاع الخاص، المحلى والأجنبى، غير مهيأ لقيادة أى عملية تنموية بمفرده، ما دعا الدولة المصرية إلى تنفيذ المشروعات التنموية.

ما لا يمكن الخلاف بشأنه، أيضًا، كما نتصور، هو أن الدولة المصرية شهدت خلال السنوات التسع الماضية تحركات جادة للقضاء على الفقر، أو للحد منه، وأنفقت أكثر من ٩ تريليونات جنيه، لتنفيذ مشروعات تهدف إلى تحسين جودة الحياة على مختلف المستويات. إضافة إلى أن الإجراءات والسياسات، وجهود «دولة ٣٠ يونيو» التنموية، كما أوضحنا أمس، عززت صمود الاقتصاد المصرى، فى مواجهة الظروف الاستثنائية، وجعلته أكثر قدرة على امتصاص الصدمات وتجاوز تأثيرات وباء كورونا وتداعياتها المتشعبة، أو ما ترتب على الأزمة الأوكرانية والمناخ السياسى الدولى المرتبك والمتغيرات الجيوسياسية التى يشهدها العالم حاليًا.

.. وأخيرًا، نرى أن ما قد يدعو للتفاؤل، أو يقلل حدة التشاؤم، هو أن رئيس الوزراء أكد التزامه، أو تعهده، بأننا سنستمر على الثوابت الخمسة نفسها، التى نعمل عليها الآن، والتى عملت عليها دول أخرى، نجحت فى مراكمة القوة والازدهار: التنمية أولوية كبرى ومفتاح لحل المشكلات، برنامج وطنى يبنيه أبناء المصريين، مشروعات لاستكمال البنية التحتية، وعمل متواصل لاستدامة عملية الإصلاح، تحت قيادة لديها رؤية وإصرار وإرادة للتنفيذ والإصلاح، فإن مصر قادرة على أن تكون فى مصاف الدول المتقدمة.