رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بناء القوة الشاملة.. كيف جابهت مصر الخطر الإرهابي؟

الجماعات الإرهابية
الجماعات الإرهابية

تحركـت الدولـة المصريـة عقـب ثورة 30 يونيـو 2013 باتجـاه تحديث جناحـي منظومتها الأمنية وهما القـوات المسـلحة والشـرطة إلـى جانـب صياغـة مقاربة شاملة لمكافحـة الظاهـرة الإرهابيـة

جاء ذلك انطلاقًا من مجموعة مـن التحديات الداخلية والخارجيـة تمثـل أهمهـا فـي انـدلاع موجـة مـن الاضطرابـات السياسـية والأمنيـة داخـل العديـد مـن دول الشـرق الأوسـط ومـا صاحبهـا مـن انتشـار واسـع للجماعـات والميليشـيات المسـلحة، وانخراط العديد من الفواعل الإقليمية والدولية داخل دول الأزمات بشكل يمثل تهديـدًا للدولـة المصريـة علـى كافـة الاتجاهـات الاسـتراتيجية، إلـى جانـب رغبـة القيـادة السياسـية فـي حمايـة مقـدرات الدولـة المصريـة ومسـار التنميـة الاقتصاديـة.

هـذا بالإضافـة إلـى انـدلاع موجة إرهابيـة كانت بؤرتها الرئيسيـة الجزء الشـمالي الشـرقي من شـبه جزيرة سيناء حيث نشـطت العديد من التنظيمات الإرهابيـة. 

وفـي هـذا السـياق، يناقـش هذا المحـور أبعـاد المقاربة المصرية الشاملة التـي انتهجتهـا مصـر لدحـر الخطـر الإرهابـي، والخطـة الاسـتراتيجية التـي وضعتهـا الدولة المصريـة لتطويـر وتحديـث القـوات المسلحة فضلًا عن جهودها في ضبـط الأمـن الداخلـي وتحديـث وتطويـر منظومـة العمل الشرطي.

أولًا مجابهة الخطر الإرهابي     

شـهدت مصـر فـي أعقـاب ثـورة 30 يونيـو2013 موجـة إرهابيـة ضخمـة مدفوعـة بممارسـات جماعـة الإخـوان الإرهابيـة التـي خاضـت مـا اعتبرتـه ”معركـة وجـود“ ضـد مؤسسـات الدولـة المصريـة بعـد الإطاحـة بحكمهـا؛ حيـث جعلـت كافـة أطيـاف الشـعب المصري ومؤسسـاته هدفًا مشـروعًا لعملياتها الإرهابية، فراحت تسـتهدف المؤسسـات الأمنيـة والقضائيـة والدينيـة بضربـات داميـة هدفـت مـن خلالهـا إلـى إضعـاف أدوارهـا وزعزعـة الثقـة فـي قدراتهـا، فضلًا عـن إشـاعة الفوضى فـي ربوع البلاد من القاهـرة إلى  سـيناء.

أبعاد المقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب:

اتخـذت مصـر نهجًـا شـموليا فـي مكافحـة الإرهـاب لـم يقتصـر علـى الجوانـب الأمنيـة للظاهـرة، بـل تنـاول أبعادهـا الاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة والتعليميـة والتنمويـة، فضلًا عـن أسـبابها الجوهريـة الفكريـة.

 وفيمـا يلـي أبعـاد وملامـح الاسـتراتيجية المصريـة الشـاملة فـي التعاطـي مـع الخطـر الإرهابـي خلال السـنوات العشـر الماضيـة علـى الصعيديـن الداخلـي والخارجـي:

أ. الجهود الأمنية

لعبـت قـوات مكافحـة الإرهـاب المصريـة دورا فعـالًا في تدميـر قدراتهـا العسـكرية، وتطويـق نطـاق امتـداد نشـاطها الإرهابـي، مـن خلال الضربـات العسـكرية التـي وجهتهـا قـوات الجيـش والشـرطة ضـد معاقـل العناصر التكفيرية، كالعملية ”حق شـهيد“ و”العملية الشـاملة –سـيناء 2018 ”والتي أدت إلـى تطويـق العناصـر الإرهابيـة لا سيما بشـمال سـيناء، وقتل قادتهـا، وإجهاض بنيتهـا التحتيـة. 

وكان العامـل الأساسـي فـي نجـاح هذه الضربـات، هـو اعتمادها على محوريـن أساسـيين.

الأول هو توجيـه ضربـات اسـتباقية للتنظيمـات الإرهابيـة لتقويـض قدراتهـا التنظيميـة والثاني سـرعة تعقـب وضبـط مرتكبـي الجرائـم الإرهابيـة باسـتخدام التقنيـات الحديثـة.

وبالتـوازي مـع التحـركات الداخليـة، امتـدت الجهـود الأمنيـة أيضـا علـى المسـتوى الدولـي مـن خلال التنسـيق مـع المنظمـة الدوليـة للشـرطة الجنائيـة "إنتربـول" والكيانـات الإقليميـة والعربيـة لإدراج وإصـدار نشـرات حمـراء للقيـادات والكـوادر والعناصـر الهاربـة علـى المسـتوى الدولي.

إلى جانـب إدراج أبرز العناصـر الهاربة خارج البلاد علـى القوائـم الإ هابيـة وتجميـد أموالهم، والعمـل على تحجيـم قدراتهم في تنفيـذ مخططاتهـم العدائيـة الموجهـة للسـاحة الداخليـة، فضًلا عـن التوسـع فـي إبـرام اتفاقيـات التعـاون الأمنـي مـع الـدول لتنسـيق وتطويـر التعـاون الأمنـي فـي مختلـف المجالات لاسيما مكافحـة الإرهـاب.

ب. الجهود الفكرية والتوعوية:

كانـت مصـر سـبّاقة في التحرك بشـكل عملي وسـريع فيما يتعلق بالشـق التوعوي الوقائـي لتفكيـك الأسس الأيديولوجيـة والفكريـة التـي تنطلـق منهـا العناصـر من خلال تدشين مقاربة فكرية شـاملة لدحض الآراء المتطرفة والفتاوي التكفيرية والتفسـيرات المشـوهة والخاطئة التي تسـتند إلى الفكر التكفيري الذي تـروج لـه التنظيمات الإرهابية،.

وذلك عبر إطلاق المبادرات الرئاسـية لتصويب الخطاب الديني، وتعزيز الدور الذي تقوم به المؤسسـات الدينية المنوطة بهذا الشـأن، وعلى رأسـها الكنيسـة، ووزارة الأوقـاف ومؤسسـة الأزهـر الشـريف، إلى جانب إنشـاء عدد مـن الهيئـات والكيانـات المختصـة بتفنيـد ودحض متون التيـارات الفكرية المتشـددة التـي تظهـر علـى السـاحة الفكريـة بيـن الفينـة والأخـرى، ومنهـا: ”مركـز الأزهـر للترجمـة“ و“مركـز الأزهـر للفتـوى الإلكترونيـة“، و“مرصد الأزهر لمكافحـة التطرف“.

ج. الجهود التنموية:

تلعـب التنميـة دورًا قياديًـا فـي محاربـة الإرهـاب كونهـا تعـد ركيـزة أساسـية لتحقيـق الأمــن والســلم الاجتماعــي، ولخلــق بيئــة طــاردة للفكــر المتطــرف، وهــو الأمــر الـذي تنبهـت لأهميتـه الجمهوريـة الجديـدة، حيـث عكفـت كافـة مؤسسـات الدولة علـى النهـوض بالاقتصـاد المصـري وتطويـر البنيـة التحتيـة ومشـروعات التحـول الرقمـي، وذلـك بالتزامـن مـع اعتماد مبـادرات لتحسـين الأوضـاع الاجتماعية ومنهــا برنامــج ”تكافــل وكرامــة“، ومبــادرة ”حيــاة كريمــة“، ومشــروعات الميــاه والصـرف الصحـي، والمشـروعات الزراعيـة واسـتصلاح الأراضـي، وقـد أولـى الرئيـس عبـد الفتـاح السيسـي اهتمامًـا متزايـدا بتنميـة المناطـق الحدوديـة خاصـة سـيناء.

د. الجهود التشريعية:

انطلاقًا مـن النـص الدسـتوري الخـاص بالتـزام الدولة بمواجهـة الإرهـاب بكافة صوره صاغ المشـرع المصـري حزمـة من التشـريعات الوطنيـة التي تتسـق مع التزامات مصر الإقليميـة والدولية المعنية بمكافحة الإرهـاب، واسـتراتيجية الأمـم المتحـدة العالميـة لمحاربـة اإلرهاب. ومنها على سـبيل المثـال وليـس الحصـر: القانـون رقـم 94 لسـنة 2015 لــمكافحة الإرهاب الذي يشـمل التصـدي لجرائـم الإرهـاب وتمويلـه مـن الناحيتيـن الموضوعيـة والإجرائيـة.

والقانـون رقـم 175 لسـنة 2018 الخـاص بمكافحـة جرائـم التقنيـة المعلوماتيـة الـذي جـاء ليشـدد الحصـار علـى الجرائم الإرهابية مـن خلال تجريم أي فعل اختـراق أو اعتداء علـى الأنظمـة المعلوماتيـة للدولـة أو أي فعل آخر باسـتخدام الوسـائل المعلوماتية مـن أجـل تسـهيل ارتـكاب جرائـم إرهابيـة.

والقانـون رقـم 14 المعـدل بالقانـون رقـم95 لسـنة 2015 بشـأن التنميـة المتكاملـة لشـبه جزيـرة سـيناء، والذي ينظـم عملية تملـك الأراضـي والعقـارات والاسـتثمار في سـيناء.

هـ. جهود مكافحة جرائم غسل األموال وتمويل اإلرهاب:

أولـــت الدولـــة المصريـــة اهتمامًـــا بالغًــا بوضـــع اســـتراتيجية فعالـــة للتعاطـــي مـــع عمليـــات غســـل الأموال وتمويـــل الإرهـــاب، كركيـــزة رئيســيـة فـــي معركتهـــا ضـــد الإرهـاب، وقـد جـاءت التدابيـر والسياسـات التـي وضعتهـا مصـر للوفـاء بالتزاماتهـا الدوليــة بشــأن مكافحــة تمويــل الإرهــاب كافيــة ومتسقة مع الأطر والمعايير التي وضعتها المنظمـــات الدوليـــة.

إذ تجرم مصر تمويل الإرهاب وفقًا  لقانـــون مكافحـــة الإرهـــاب رقـــم 94 لســـنة 2015، وتعمـــل وحـــدة مكافحـــة غســـل الأمـــوال وتمويـــل الإرهـــاب المصريـــة علـــى تلقـــي الإخطـــارات والمعلومـــات بشأن أي عمليات مشتبه في أنها تمول الإرهاب كما تقـــوم الوحـــدة كذلـــك بفحـــص وتحليـــل تلـــك المعلومـــات وتوجيـــه نتائـــج تحليلهـــا إلـــى جهـــات إنفـــاذ القانـــون وســـلطات التحقيـــق المختصـــة.

و. التعامل مع ضحايا الإرهاب:

لـم تغفـل الاسـتراتيجية المصريـة لمكافحـة الإرهـاب إيجـاد آليـة لتعويـض متضـرري العمليـات الإرهابيـة، سـواء مـن المدنييـن أو من الأجهـزة المعنية بمكافحـة الإرهاب، إذ  تـم إنشـاء المجلـس القومـي لرعايـة أسـر الشـهداء والمصابيـن بقـرار رئيـس مجلـس الـوزراء رقـم 1485 لسـنة 2011 ً انطلاقًا مـن التـزام الدولـة المصريـة بضـرورة حمايـة حقـوق ضحايا الإرهاب، وتم صرف مسـاعدات اجتماعية بصفة اسـتثنائية لأسـر الشـهداء والمصابيـن مـن ضحايـا العمليـات الإهابيـة، بالإضافـة إلـى تقديـم دعـم نفسـي واجتماعـي لعلاج أزمـات مـا بعـد الصدمـة  يستهدف أطفـال أسـر الضحايـا.

وكانـت مصـر ضمـن الـدول التـي بـادرت بإنشـاء مجموعـة أصدقـاء ضحايـا الإرهـاب بالأمـم المتحـدة فـي نيويورك، وانضمـت إلى المجموعـة المصغـرة المعنية بصياغة قـرار الجمعيـة العامـة لأمم المتحـدة رقـم 305/73 حـول ”تعزيـز التعـاون الدولـي لمسـاعدة ضحايـا الإرهـاب“ الصـادر فـي يونيـو 2019.

ز. الجهود الإقليمية والدولية:

لـم تقتصـر جهـود مصـر فـي مكافحـة الإرهـاب علـى المسـتوى المحلـي بـل امتـدت أواصرهـا كذلـك إلـى المسـتويين الإقليمـي والدولـي، مـن خلال دعـم الجهـود الإفريقيـة فـي مجـال مكافحـة الإرهـاب والتطـرف، وتعزيـز المنظومـة العربيـة لمكافحـة الإرهـاب عبـر مشـاركة مصـر النشـطة فـي الفعاليـات ذات الصلـة التـي تنظمهـا جامعـة الـدول العربيـة، فضلًا عـن دعـم الجهـود الدوليـة التـي تسـتهدف مشـاركة مصـر بفاعلية في مكافحـة تنظيـم داعـش في سـوريا والعـراق، إلى جانب ورش العمـل والمنتديـات والاجتماعـات الدوليـة والأمميـة رفيعـة المسـتوى ذات الصلـة بمكافحـة الإرهـاب.