رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طاعون العصر

"الدين" مطلق، والسياسة "نسبية"، وكل من يريد أن يخلط بين المطلق والنسبي يصل به إلى خلطه لمنتج ضد العقل، وضد العلم، وضد الإنسانية، وضد مسيرة التقدم.. هكذا كان إهداء الكاتب والمفكر الرائع والملهم طارق حجي في صدر صفحات كتابه "الطاعون .. قراءة في فكر الإرهاب المتأسلم" ..
ونحن على عتبات جمهورية جديدة، نحلم أن تصل الجماهير المزيد من رسائل التنوير المتجددة والداعمة للدفع في اتجاه مقاومة وتجاوز آثار هجمات تتارية ظلامية شديدة الوقع كانت قد ألمت بنا وتركت بصماتهاــ للأسف- على كل بقاع المحروسة .. 
نعم، هي هجمات متتالية مدعومة من الخارج والداخل فكريًا وماليًا ودعائيًا وسياسيًا من جانب أصحاب مصالح ، لهم في مصرنا العديد من الأطماع البالية الكثير ، فصاروا يمارسون عمليات الإضرار بالبشر والفكر الإنساني الحر بضراوة وانعدام للضمير..
ومن أهم أصحاب رسالات التنوير عبر العقود الأخيرة الكاتب والمفكر "د. طارق حجي" الحقوقي الأكاديمي والإداري البارز والممارس (وصل بكفاءة إلى منصب مدير شركة شل العالمية في منطقتنا)، والأهم هو صاحب الإصدارات الفكرية المهمة والرائعة المترجمة لأهم اللغات العالمية..
لرؤاه وكتاباته بعض الركائز لعل أهمها:
• الإيمان بأن التقدم "ظاهرة إنسانية" قبل أية صفة أخرى..
• أن "التعددية" هي أروع حقائق الحياة ..
• أن التعصب الديني والقومي والوطني والعرقي والأيديولوجي كلها ظواهر "ضد التقدم" و"ضد الإنسانية" ..
• "الغيرية" هي من أهم القيم الإنسانية في عصر "ما بعد الأيديولوجيات"..
• "عالمية المعرفة" و"عالمية العلم" هما من أهم معالم التطور المعاصر للإنسانية..
• الديمقراطية (وما يواكبها من حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات العامة) هي من أهم منجزات القرنين الماضيين قبل (وأهم من) كل إنجازات العلوم التطبيقية..
• الأديان هي شأن خاص لا علاقة لها إطلاقًا بإدارة المجتمعات والحياة، كما أنها ليست أساس أو مصدر القيم والأخلاق (كشأن خاص) ..
وعليه، كان القارئ العربي والمصري في حالة انتظار للحديث من إصدارات "حجي" في زمن حكم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" استثمارًا لزم وجوده بيننا كقيادة سياسة داعمة لرسالات الفكر التنويري، بل والمطالب بثورة ثقافية للتنوير عبر مطالباته بتغيير الخطاب الديني .... وأستأذن قاريء جريدتنا الغراء في عرض بعض أفكار ورؤى إصدار المفكر الأحدث " الطاعون " ..
يعرض المفكر طارق حجي في كتابه "الطاعون.. قراءة في فكر الإرهاب المتأسلم" عناصر الفكر الذي يشكل مرجعية جماعات الإسلام السياسي التي تقف وراء موجة العمليات الإرهابية في العالم خلال نصف القرن الأخير وأهمها الوهابية والإخوان والسلفية والقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام. .
وتؤكد فصول الكتاب أنها فروع لشجرة واحدة ذات جذرين هما الوهابية والإخوان، مؤكدًا أنه "بينما يوجد ملايين المسلمين المسالمين والمعتدلين فإن كل أتباع الإسلام السياسي هم إرهابيون أو القاعدة التي تفرز الإرهابيين"..
وحول عقلية تلك الجماعات يقول "مما لا شك فيه أن عقلية الإسلام السياسي تقوم على ركائز من أهمها عدم الإيمان بالأوطان بالمعنى الحديث، إنما الإيمان بالأمة الإسلامية، وأشهر المقولات المتعلقة بهذه الجزئية هى مقولة سيد قطب الشهيرة (الوطن هو حفنة تراب عفن) ففكرة الوطن وبلدنا مصر لا وجود لها في العقيدة الإسلامية السياسية". 
ويدعونا الكاتب ألا ننسى أن مهدي عاكف عندما كان المرشد العام للتنظيم قال في كلمتين ما يلخص موقف الإخوان من مصر "طز فى مصر" ومهدي عاكف هو أيضًا من قال إنه يقبل أن يرأس مصر مسلم من باكستان ولا يقبل أن يرأس مصر قبطي.
     وهذه المقدمة لكتابه تؤسس بأن وضع غير المسلمين بوجه عام والمسيحيين بوجه خاص في أي مجتمع يحكمه الإخوان لا يمكن أن يكون وضعًا عاديًا في إطار فكرة المواطنة الكاملة الحديثة، ولا أدل على ذلك مما حدث للكثير من المسيحيين في العراق وسوريا وفلسطين والأردن مع مجرد اتساع المد الفكري للإخوان، فالعراق الذي كان حاضنًا لمعظم الطوائف والمذاهب المسيحية الشرقية شبه خال من المسيحيين وسيبقى عقل الإخواني فيما يتعلق بالمسيحي بأهل الذمة وأوضاعهم في أمة إسلامية لا تحتمل المواطنة، وربما يكون من المفيد جدًا هنا، أن نقارن بين أوضاع الأقليات في الهند وأوضاع الأقليات في باكستان، وقد كتبت في هذا الموضوع باستفاضة، فبينما يتعرض غير المسلمين في باكستان لأشكال عديدة من العنف والعدوان فإن العكس صحيح في الهند ..
وأكد كاتب "الطاعون" أن مفهوم التعددية مترسخ بقوة في ثقافة وعقلية المجتمعات المتقدمة، حيث ينظر إليه على أنه أحد المحركات الرئيسية للتقدم ومطلب للنهوض بالإنسان والمجتمعات التي لا تؤمن بالتعددية والتي لا يتجه مناخها الثقافي العام إلى قبول نتائجها لا يمكن أن تمضي قدمًا .
ومثلما دقت الماركسية ناقوس الموت المتمثل في التعددية، فإن كل النظم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي وضعتها كانت تقوم على سحق التعددية أيًا كانت ومن لم يمتثل لمبادئها الأساسية، لذا فإن الإسلام السياسي هو الآخر بشكل أساسي ضد التعددية، حتى لو زعم الإسلاميون خلاف ذلك، بالنسبة للإسلامي الذي يعتقد أن أيديولوجيته هي الحقيقة المطلقة، فإن أي انشقاق هو أمر بغيض يتعارض مع كلمة الله نفسه، والواقع أن الإسلاميين يقحمون الله في جميع المجالات الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية حتى العلمية ، ومن الأمثلة على ذلك نظرية التطور التي أدانها الإسلاميون على نحو تدريجي باعتبارها تدنيسًا للدين .
ويخلص الكاتب إلى أن قبول الآخر هو الثمرة الجدلية للتعددية، فبالنسبة للمؤمن بالتعددية، تعتمد الحياة بالنسبة له على التنوع في جميع المجالات والنظم والأفكار والمبادئ، يستلزم هذا قبول الآخر بغض النظر عن الشكل الذي يأخذه الآخرون.