رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في وداع «جابر الخواطر» معتز خفاجي

لم يكن خبر رحيل المستشار الجليل معتز خفاجي، بالنبأ الهين بل شعرت بعد سماعي له بغُصه في قلبي، عندما أبى ليل الجمعة الماضية أن يرحل وحيدًا دون أن يخطف معه روحًا طيبة جليلة، روح المستشار معتز خفاجي الرئيس السابق لمحكمة الجنايات، ورئيس دائرة الإرهاب، القاضي الذي لطالما شهدت حياته المهنية تسليط الأضواء نظرًا لحساسية وخطورة القضايا التي كان ينظرها وارتباطها بالأمن القومي المصري وصون تراب الوطن، ولكن القدر أراد له رحيل هادىء دون ضجيج، رحيل كريم يليق بشخص أكرم.

«حَرُم على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ»، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الوصف الأنسب للراحل طيب الله ثراه، فمن قاده القدر للتعامل يومًا مع المستشار الجليل معتز خفاجى سيجد الكلمات التي ذُكرت في الحديث الشريف تنطبق على شخصيته، هاديء الطباع، عفيف اللسان، بشوش الوجه، لين سهل بحق، من دخل بيته وجد الترحاب وكرم الضيافة في استقباله، ترحاب وبشاشة يبدو أنهم تأصلا في هذا المنزل الذي تأسست أعمدته على حب وود انعكس على أهل بيت الراحل من زوجة وأبناء، ليحمل منزلهم وبحق لافتة «بيت كرم».

نبأ رحيل المستشار معتز خفاجي لم يسقط كالصاعقة على زملاءه السابقين في السلك القضائي فحسب، بل كان صادمًا لكل من تعامل معه عن قُرب، فالراحل جمعتني به علاقة بدايتها العمل المهني القائم على حوار صحفي مع قاضٍ من أشهر رجال القضاء في مصر، ولكن تلك العلاقة التي بدأت مهنية انتهت بعلاقة «أبوية» وبحق، فبين تكرار الاتصالات الهاتفية مع الراحل من أجل الترتيب لحوار صحفي أعقبه لقاء في منزله تارة، أو من أجل إشادته بمهنية وحرفية الحوار المنشور في جريدة «الدستور» تارة أخرى، العديد من الحكايات التي تجعلتي ألقبه بـ«جابر الخواطر»، فالراحل اتخذ من الكلمة الطيبة صدقة ومنهاجًا، ومن صفاء النفس والقلب أسلوب حياة تجعل سيرته تدوم أبد الدهر حتى لو رحل بجسده.

ثلاثة أشهر مدة معرفتي بالراحل بجسده لا بسيرته الطيبة، ثلاثة أشهر فقط كانت كفيلة بارتباطي وجدانيًا بالراحل للدرجة التي شعرت فيها كما قُلت سابقًا بشعور الآبن تجاه شخص لا أعلم عنه إلا إسمه ووظيفته قبل ذلك، كان خلالها كما نُطلق عليه في مهنتنا «مصدر صحفي»، ولكن القدر أراد أن أتعرف عليه عن قُرب قبل رحيله بأشهر قليلة ليتركني وفي قلبي غُصة الرحيل والفقد، وفي نفسي قدر من الاحترام والتوقير لرجل تشهد له منصة القضاء والعدل بالنزاهة والشرف.


«أبي معتز خفاجي»، واسمح لي أن أقولها لك، خاصة وإن كلماتك معي طيلة الوقت كانت تحمل نفس المعنى، سمعتها منك أول مرة أثناء إجراء الحوار الصحفي «ياحبيبي أنا زي أبوك خد راحتك واتكلم وقول كل اللي جواك»، لذلك لن يكون لدي حرج في وصفي هذا، أسمح لي أن أعتذر لك عن عدم تلبيتي لأخر ما طلبت مني قبل أن تفارق دنيانا، لن أستطيع تلبية دعوتك: «سيبك بقي ياعماد من الرسميات والتصوير وتعالى نقعد سوا أنا أبوك وولادي إخواتك وهستناك»، سيادة المستشار أنا لم أخلف موعدي معك ولكن ملك الموت كان صاحب الموعد الأصدق، الموعد الحق الذي يعرف صاحبه.

في النهاية لا يمكنني غير أن أقول «كل الدعاء بالرحمة يامعالي المستشار».