رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تم تحديد ساعة الصفر التي قضت على الأسطورة الإسرائيلية؟

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

في أعماق غرفة الاجتماعات، جلس اللواء صلاح فهمي نحلة، رئيس فرع التخطيط بالهيئة العامة للعمليات في الجيش المصري، يدور بين يديه خريطة لجبهة سيناء، لاشتعال الحرب بين مصر وإسرائيل واستيلاء الأخيرة على جزء من الأراضي المصرية إبان نكسة 1967، وكان على عاتقه مهمة اختيار يوم مناسب وساعة حاسمة لانطلاق العمليات.

اللواء صلاح نحلة

دراسة الخريطة

وظل "نحلة" لمدة طويلة، يحدق بالخريطة ويدرس ظروف المنطقة وتضاريسها بعناية شديدة، لأنه أراد أن يجد الوقت المثالي الذي يتوافق فيه الطقس وحالة المد والجزر في قناة السويس، ليسهل عبور القوات المصرية ويُعقّد المهمة على الجيش الإسرائيلي.

أيامًا مرّت وهو يدرس الأحوال الجوية ويقارنها بالجداول والتقويمات، يتأمل في تفاصيل المناخ و التيارات البحرية، فقد كان يعلم أن الظروف الجوية تلعب دورًا حاسمًا في نجاح العمليات، ولذلك كان يركز بشكل خاص على تحديد اللحظة المثلى للتوجه نحو العدو.

وفي لحظة من اللحظات، توصل إلى استنتاجاته بأن يوم 6 أكتوبر هو اليوم المثالي، لأن في هذا اليوم، سيكون ضوء القمر ساطعًا في نصف الليل من اليوم، ومظلمًا في نصف الليل الآخر، بحيث تتم عملية بناء الكباري على ضوء القمر وعبور المجنزرات في الظلام.

ووجد أيضًا أن هذا اليوم يوافق عيدًا لدى اليهود يسمى "عيد الغفران"، بالتالي استدعاء الجيش الاحتياطي، لأن هذا اليوم تتعطل فيه وسائل الإعلام بما فيها الراديو، كإحدى وسائل استدعاء الاحتياط في إسرائيل، وكوسيلة علنية لاستدعاء الاحتياط، مما يقلل من فرصة العدو لرصد التحركات المصرية، كما أنه لم يغفل أن نهاية الشهر كانت انتخابات الكنيست الإسرائيلي، ما يعني انشغال إسرائيل في ترتيبات الانتخابات.

ومن الناحية الجغرافية، كانت حالة المد والجزر في قناة السويس تعزز اختيار هذا اليوم، فالمد والجزر في شهر أكتوبر يكونان في حالة مناسبة لعبور القوات.

قناة السويس

ولم يغفل أيضًا الجانب السوري، ففي شهر نوفمبر - أي بعد أكتوبر المحدد للحرب- يبدأ الجليد يسقط في سوريا والجولان، ما يعني أن الطقس لن يكون مناسبًا للحرب، كما أن أكتوبر كان متزامنًا مع شهر رمضان وقتها، وهي مناسبة إسلامية لا يتوقع فيها حدوث أي عمليات حربية أو عسكرية.

وقدم "نحلة" دراسته وتوصياته إلى اللواء محمد عبدالغني الجمسي، رئيس الهيئة العامة للعمليات بالقوات المسلحة، الذي أشاد بالدقة والعلمية التي اتُّبعت في التحليل، تم تبني الاقتراح وتم توصيته بالتوقيت الساعة 2 ظهرًا ليكون وقت البدء الرسمي للحرب.

ثم ارتفعت التوصية إلى الفريق الشاذلي، ثم إلى المشير أحمد إسماعيل، ثم إلى الرئيس السادات، أصبح الجميع واثقًا أن هذا التوقيت هو الأمثل،  ووصفه المشير أحمد إسماعيل، مدير جهاز المخابرات العامة وقتها، بـ: "عملًا علميًا على أعلى مستوى، وسيظل هذا اليوم محفورًا في تاريخ العمليات العسكرية كنموذج للدقة المتناهية في التخطيط والتحليل".