رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو سلام مجتمعى

شرُفت بالمشاركة فى مؤتمر "نحو سلام مجتمعى: الدين ورسالة السلام"، وذلك فى يومى 14 – 15 أغسطس 2023، والذى أقامه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، بحضور حشد كبير من رجال الدين المسيحى والإسلامى، والنواب والنائبات وممثلى المجتمع المدنى من محافظات مصر، والصحفيين والإعلاميين والمفكرين.. ناقش الحضور محاور ونقاط مهمة عبر ثلاث جلسات.
بدأ المؤتمر بكلمة ترحيب من السيدة سميرة لوقا عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس قطاع أول الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية، وقالت "إننا نوجه رسالة سلام للعالم تحمل قيم التسامح والعيش المشترك والمحبة"، وبعد ذلك تم عرض فيلم تسجيلى عن التعايش بين المسلمين والمسيحيين فى سلام ومحبة فى وجود رجال الدين من الأئمة والقساوسة.
أدار الجلسة الأولى "دور الدين فى صناعة السلام المحلى والدولى"، بجدارة الكاتب الصحفى والإعلامى حمدى رزق والذى أشار إلى الدور المهم للإعلام فى ترسيخ الخطاب الدينى والفكر المستنير المواكب للمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى مجتمعاتنا.
وفى نفس الجلسة أكد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة فى حديثه أن هناك فرقًا بين حرية الرأى وإيذاء الناس فى عقيدتهم ودينهم مثلما يحدث فى حرق القرآن، وأن المسلم الحقيقى هو من سلم الناس من يده ولسانه، وأضاف أن حرق الكتب المقدسة من قِبل الجماعات المتطرفة، يؤجج الصراع والفتن ويشعل الكراهية ولا بد من إصدار قوانين دولية ملزمة تُجرِم الكراهية الدينية، فإما أن نكون فى سلام إنسانى، وإما أن ينتقل العالم لحروب دينية مدمرة.
وأكمل الحديث القس أندرية زكى رئيس الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ورئيس الطائفة الإنجيلية حول دور الدين فى بناء السلام المجتمعى، وأوضح أن السلام يعنى غياب العنف بكافة أشكاله اللفظى والمعنوى والبدنى، وأن خطاب الكراهية هو شكل من أشكال العنف اللفظى، ولا يمكن أن يكون نوعا من حرية التعبير، ولذا ندين كل محاولات ازدراء الأديان والمقدسات وحرق الكتب المقدسة، فالحرية تقف حدودها عند حرية الآخرين. وأضاف القس أندرية "إن الدين مكون رئيسى من مكونات المجتمع، ويُشكِّل الهوية الحقيقية للمصريين مسيحيين ومسلمين، ولكن هذا لا يعنى تسييس الدين أو توظيفه لخدمة مصلحة خاصة".
واتفق العميد خالد عكاشة مدير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مع المتحدثين السابقين، وأشار إلى أن السلام المجتمعى يتحقق بالعدالة الاجتماعية، وبناء الإنسان، وحرية المعرفة وتداول المعلومات، وإرساء مدونة سلوك وقيم، تقوم على المواطنة والمساوة، وعلى إرساء دولة الحق والعدل والقانون.
وفى الجلسة الثانية: "الفكر الدينى والتنمية المستدامة" والتى أدارتها الدكتورة سمية الألفى رئيس الإدارة المركزية للتخطيط والمتابعة بمجلس الطفولة، تحدث كل من الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والكاتب والمفكر دكتور سمير مرقص.
وقدمت الدكتورة سمية الندوة بكلمة أكدت فيها أن التنمية المستدامة تهدف إلى تحسين حياة البشر، وأيضا أحد أهداف الفكر الدينى هو تحسين حياة البشر.
وفى كلمته أشار دكتور سعد الهلالى إلى أن الشرائع الدينية مرجعيات من المقدسات الدينية، والفقه هو فهم المعانى التى تنطلق من الشرائع، أما الفكر الدينى هو التفسير البشرى للنصوص الدينية المقدسة. وأضاف أن التنمية المستدامة مصطلح اقتصادى تم تقديمه للأمم المتحدة عام 1982 تحت عنوان (التنمية المستدامة هى التنمية التى تلبى احتياجات الحاضر دون المساس بقدرات التنمية فى المستقبل)، ولكن ما يتم فى العالم هو استنزاف الدول المتقدمة لثروات الدول النامية، وأنه لا بد من التشارك العادل بين الدول لخير الشعوب، والتعاون وتبادل العلم والتكنولوجيا دون احتكار، لإتاحة انتشارهما فى كافة البلدان بسعر عادل، وأشار الدكتور الهلالى إلى أنه لا بد من التخلى عن الفتن الدينية حتى تنعم الشعوب بالاستقرار من أجل التنمية.
واستكمل الدكتور سمير مرقص الحديث مؤكدا أن الفكر الدينى الإيجابى يعنى أن يكون الإنسان فاعلا، وأن يعمل على مواجهة الفساد وحماية الأرض، ومنع إنهاك الطبيعة واحتكار الموارد، واستنزاف ثروات البلدان النامية، من قِبل الدول الرأسمالية الكبرى.
وإذا انتقلنا للجلسة الثالثة: "الحضور الدينى والمجال العام"، والتى أدارتها الدكتورة ريهام باهى أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وتحدث فيها الدكتور سعيد المصرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة.
أشارت الدكتورة باهى إلى أن الدين يحتل مكانة بارزة فى مجتمعاتنا العربية، وأن للدين دوراً فى المجال العام وخاصة فى حقوق الإنسان، ولكن ينبغى ألا يتم استغلال الدين فى الصراعات السياسية، وإضفاء الطابع الدينى على القضايا المجتمعية.
وفى حديثه أوضح الدكتور سعيد المصرى أن "المجال العام" هو المساحة التى يقوم فيها المواطنون بتبادل النقاش وتبادل المعلومات، والجدل والحوار وتبادل الأفكار، مما يساعد على تشكيل رأى عام يؤثر فى السياسات العامة.
وأوضح دكتور سعيد أن الأطراف الفاعلة فى المجال العام أربعة هى أولا الجمهور العام الذى تربطه اهتمامات مشتركة بشأن قضايا محددة، ثانيا المجتمع المدنى، وثالثا وسائل الإعلام التى تقوم بطرح القضايا، ورابعا المسئولون فى الحكومة.
وأضاف نجاح المجال العام ينبنى على عدة أهداف منها أنه يهدف للصالح العام، ويقوم على الشفافية الكاملة والاستقلالية الكاملة، والعقلانية فى الحوار، والمشاركة وحرية التعبير، والاحتكام لقواعد قانونية منظمة. 
أما بالنسبة للحضور الدينى فى المجال العام فلقد أشار الدكتور سعيد إلى أنه فى مجتمعنا المصرى فى الفترة السابقة غلبت الوصاية الدينية على النقاش وكان صوت الخطاب الدينى هو الأعلى، وتم إضفاء الطابع الدينى على أى قضية مجتمعية.
وفى نهاية حديثه قال "إن الحل يكمن فى دور أساسى للدولة، فى وضع قواعد للدخول فى الحوار والخروج منه، وضمان استمرارية المجال العام، كآلية لتعزيز دور المواطنين". 
وأجمع الحضور فى مداخلاتهم على أن الكتب الدينية نقطة انطلاق لبناء السلام العالمى، وأن الفكر الدينى المستنير المتسامح، يرسخ قيم المساواة والمواطنة والتعددية وقبول الآخر، والتعاون من أجل المصلحة العامة، ومن أجل الخير والسلام للإنسانية جمعاء، وعلى أنه شتان بين حرية الرأى وإيذاء الناس فى عقيدتهم ودينهم.