رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس والسكان !

صراحة الرئيس مُزعجة لأعداء مصر والمُتربصين بها، خاصة في القضايا القومية التي تهم عموم الناس، فقد اعتاد رئيسنا الحديث من قلبه إيمانًا منه بأن اللي من القلب للقلب هو أصدق الحديث وأخلصه، وهي صراحة محمودة أحبها شعبه وقربته لرئيسه أكثر .  
تجلت صراحة الرئيس خلال افتتاح المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية 2023، الذي استضافته مصر كدليل اهتمام من الدولة المصرية بالقضايا السكانية.
تضمنت كلمة الرئيس رسائل واضحة حول خطورة الزيادة السكانية على المجتمع، وتأثيرها على جهود الدولة في التنمية، وأكد على ضرورة إيجاد حلول على المستويين المصري والعالمي.
بعض المتربصين اتخذوا كلمة الرئيس مدخلًا للهجوم على مصر وعلى خططها في التنمية، ووضعوا مقارنات بين الزيادة السكانية في مصر وغيرها من الدول المليارية في عدد سكانها كالهند والصين.
وأنا شخصيًا أوافق على بعض ما جاء من المتربصين، باعتبار أن القوة البشرية تعُد طاقة عمل إضافية للدولة، ودليل على شبابها وقوتها.
لكن متى تصبح كذلك، الإجابة بكل بساطة هى عندما لا يتجاوز معدل الزيادة السكانية الناتج القومي للدخل، وتنجح خطط التنمية والتوسع العمراني، حينها نستطيع تأييد الزيادة السكانية وتدعيمها أيضًا، علمًا بأن معدلات الزيادة السكانية الحالية في مصر تحتاج إلى توفير ما يقرب من نصف مليون وحدة سكنية سنويًا، وحوالي مليون وظيفة تُكلف الوظيفة الواحدة حوالي نصف مليون جنيه، وتحتاج مصر أيضًا إلى إنشاء 60 ألف فصل دراسي جديد تتم إضافتها للمنظومة التعليمية كل عام، فضلًا عن متطلبات أخرى في المرافق العامة والأغذية، وهو ما يعنى أننا نعيش داخل حلقة مغلقة منذ أكثر من 50 عامًا متواصلة. 
فالزيادة السكانية في مصر تسير بمعدلات غير طبيعية بلغت نسبتها في الفترة من عام 1900 وحتى 2020 ما يقارب من 11 ضعفًا فى عدد سكان مصر. 
وقد انتبهت الدولة المصرية لخطورة الزيادة السكانية مبكرًا، ففي عام 1965، أنشأ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، ليكون تحت رئاسة رئيس الوزراء، وبعدها بدأ مشروع "تنظيم الأسرة"، واستمر المشروع طوال فترة السبعينيات حين ظهرت أغاني "زحمة يا دنيا زحمة" لأحمد عدوية، و"يا سواق التاكسي أمانة" كدليل على حالة الانفجار السكاني. 
وفي منتصف الثمانينيات، أنشأ الرئيس السابق حسني مبارك المجلس القومي للسكان، برئاسته شخصيًا، وتم تعديل القرار أكثر من مرة بين رئاسة مجلس الوزراء ووزير الصحة ، وقد أنفقت مصر على برامج تنظيم الأسرة منذ عام 1980 وحتى عام 2017 حوالي 3 مليارات جنيه، في أكثر من 6 آلاف وحدة تنظيم للأسرة في المحافظات، صاحبتها حملات دعائية كبيرة من حملات ماما كريمة وغيرها، مما شارك فيه نجوم السينما والتليفزيون والغناء، ونتذكر منها "الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته" بصوت الفنان أحمد ماهر، وأغاني فاطمة عيد "حسانين ومحمدين" وإعلانات عبدالمنعم مدبولي، إلى جانب عشرات الأعمال الدرامية في الإذاعة والتليفزيون والسينما أشهرها فيلم "عالم عيال عيال" إنتاج 1976 بطولة رشدي أباظة، وفيلم "أفواه وأرانب" إنتاج 1977 بطولة محمود ياسين وفاتن حمامة.
وكل ذلك لم يستطع مواجهة الحملات المضادة التي قادها التيار السلفي في مصر بقيادة جماعة الإخوان، التي سيطرت على معظم المنابر من مساجد وزوايا وجمعيات، وتركزت دعايتها في تحريم تنظيم الأسرة، فأحبطت خطط الدولة، وصعبتها أكثر وأكثر، خاصة في الريف والمناطق التي تنتشر فيها الأمية. 
وما يميز موقف الدولة المصرية من قضايا السكان أن حملات تنظيم الأسرة اتبعت منهج الحوافز، ولم تتبع منهج العقوبات كما فعلت بعض الدول، التي اشترطت لحصول الأسرة على الدعم ألا يزيد عدد الأطفال عن الطفل واحد فقط، وبعضها اشترط حتى الطفل الثاني فقط، بينما وضعت مصر 10 بنود لدعم خطة تنظيم الأسرة تتركز في الاهتمام بخدمات تنظيم الأسرة خاصة فى المناطق الريفية، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة، وإتاحتها بأسعار مناسبة، إلى جانب إتاحة خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية مع زيادة أعداد العيادات المتنقلة للمناطق العشوائية والمناطق المحرومة من خدماتها، ورفع قدرات ومهارات مُقدمي الخدمة، وتطوير مناهج التدريب للأطباء والممرضات، مع تشجيع قيام الجمعيات الأهلية بدورها تجاه تنظيم الأسرة مع توسيع نطاق برنامج الحد من الزيادة السكانية "2 كفاية"، وتطبيق الحوافز الإيجابية للأسر الملتزمة وتوعية الشباب بخطورة الزيادة السكانية، وتكثيف الحملات الإعلامية، إلى جانب الدعم النقدي المباشر للسيدات اللاتي التزمن بطفلين فقط وتجاوزن سن 45 والذي يصل إلى 60 ألف جنيه.
يتبقى عنصران مهمان حرصت الدولة المصرية على التأكيد عليهما، وهما التطبيق الصارم للقوانين التي تمنع عمالة الأطفال، وإعادة صياغة الخطاب الديني لتصحيح القيم الخاطئة والمناهضة لمفهوم تنظيم الأسرة، التي لعبت عليه الجماعات الدينية طوال الـ50 عامًا الماضية، وكان نتيجتها إحباط جميع حملات تنظيم الأسرة والحد من الزيادة السكانية.