رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الملاك والصحفى.. كيف كشفت إسرائيل هوية أشرف مروان وتسببت فى قتله؟

أشرف مروان
أشرف مروان

عندما سقط أشرف مروان من شرفة شقته في لندن عام 2004، أخذ معه أسراره، ودفنت الحقيقة معه، فوحده "مروان" لديه الحقيقة الكاملة، لكن الحقيقة الأخرى هي أن الكشف عن هويته هو الذي أدى إلى مقتله في نهاية المطاف.

الأمر المؤكد هو أن أشرف مروان، الرجل الذي يصفه البعض بأنه أعظم جاسوس في القرن العشرين، كان أيضاً تاجر أسلحة له اتصالات مع ستة وكالات استخبارات، ولاعب سري على المسرح العالمي، ويقال إنه أقام علاقات استخباراتية مع وكالة المخابرات المركزية والبريطانيين والليبيين والإيطاليين.

الدائرة المتشابكة والمعقدة حول "مروان" جعلت وجوده وما يعرفه يمثل مشكلة لعدد كبيرة من الأجهزة، بل إن التخلص منه أصبح ضرورة، فمجتمعات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم تريد الحفاظ على السرية، وقد أصبح ذلك مستحيلاً بعد الكشف عن هويته. ورغم أن العالم لا يعرف من قتل أشرف مروان، إلا أن على الجميع أن يعرف من تسبب في قتله.

الكشف الكبير

بعد اغتيال السادات عام 1981، غادر مروان مصر وبدأ مهنة تجارية مربحة في لندن، وكانت الأمور هادئة نسبياً حتى عام 1999، عندما ظهر المؤرخ الإسرائيلي أهرون بريجمان، الذي يدرس دراسات الحرب في كلية كينجز في لندن، والذي قضى ثلاث سنوات في تحقيقات استقصائية حول أشرف مروان، وفي النهاية نشر "بريجمان" الكتاب الذي كشف فيه عن مروان باعتباره جاسوس الموساد الأسطوري، وهو ما تسبب في قتله في نهاية المطاف.

بدأ "أهرون" تحقيقاته عندما كانت الشكوك في مجتمع الاستخبارات حول "مروان"، فبدأ منذ عام 1999 بإرسال مقالاته إلى مروان، على أمل إغراءه بالاعتراف، الذي لم يرد عليه.

ثم وضع "أهارون" خطة للتأكد من هوية مروان، وهي أن يسافر إلى إسرائيل ويلتقي بمحرر الكتاب الذي نشر مذكرات إيلي زعيرا، المدير السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قبل بضع سنوات، والذي أشار في كتابه عدة مرات إلى "الملاك" باعتباره هو من أطلق تحذير الحرب، وكان افتراض "أهارون" أنه حتى لو لم يذكر في الكاتب أن الملاك هو "أشرف مروان" فعلى الأقل محرر الكتاب يعرف من هو الملاك.

في عام 2000، التقى "بيرجمان" بمؤلف الكتاب في مقهى في تل أبيب عام 2000. وقال "بريجمان" لمؤلف الكتاب: "هل مروان هو الجاسوس؟" نظر المحرر بعيدًا وابتسم. يقول بريجمان: "كان هذا التأكيد الذي حصلت عليه أن أشرف مروان هو الملاك.

وبعد أن عرف "بريجمان" الحقيقة ظل حذراً لفترة من الوقت، ففي كتابة الأول عن حروب إسرائيل الذي نشر عام 2000، اشار إلى مروان في الكتاب تحت اسم الملاك، لكنه ذكر أنه "اليد اليمنى لعبد الناصر". وأرسل لمروان نسخة، ولم يرد عليه.

ولكن في كتابه الثاني "تاريخ إسرائيل"، الذي نُشر في سبتمبر 2002. وقال بريجمان: "كتبت أن "الملاك" كان أحد أقارب عبد الناصر". "وزعمت أنه كان يُطلق عليه أحيانًا اسم الرمز" الصهر "، ومرة أخرى، أرسل بيرجمان لمروان نسخة من كتابه، وهذه المرة تحمل توقيعاً: "إلى أشرف مروان، بطل مصر"، ولم يرد عليه مروان. وعندما سأل صحفي مصري أشرف مروان عن اداعاءات "بيرجمان" في كتابه، أجاب مروان: "كتاب برجمان قصة بوليسية غبية".

ولم يكتف "بيرجمان" بذلك، بل أجرى في الأسبوع التالي مقابلة مع المجلة الأسبوعية المصرية الأهرام العربي، وخلال اللقاء ذكر اسم مروان ولقبه بالجاسوس، وقال في المقابلة: "يجب أن أدافع عن سمعتي الطيبة كمؤرخ".

وبعد ذلك، بأسبوع، تلقى بيرجمان مكالمة هاتفية، قال خلالها الرجل على الخط الآخر: "أنا الرجل الذي كتبت عنه". أجاب بريجمان: "كيف يمكنني التأكد؟" قال الصوت ببساطة: "لقد أرسلت لي الكتاب مع الإهداء.

صداقة غريبة

بعد المكالمة الأولى، بعد اقترح مروان في البداية أن يلتقيا في فندق دورشيستر، لكن بيرجمان كان يخشى أن يكون ذلك مكيدة - بالنظر إلى أنه كان موقع محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في عام 1982، والتي أشعلت حرب لبنان الأولى.

وبدلاً من ذلك، التقيا في فندق إنتركونتيننتال بلندن، وقال بريجمان: كنت متوترًا للغاية، لأن مروان كان الجاسوس الأسطوري والخطير. اعتقدت أنه قد يحاول قتلي"، ولكن عندما جلسوا وتحدثوا، غير بريجمان رأيه. "لقد واجهت إنسانية مروان".

بدأ الاثنان علاقة متعثرة. كان برجمان يتصل بسكرتيرة مروان في القاهرة كلما أراد التحدث، ويشرح "يجب أن أرسل لها فاكسًا للتحقق من هويتي. ثم تقوم بتمرير ذلك إلى مروان في لندن، الذي يتصل بي بعد دقيقتين. في كثير من الأحيان، كان مروان يتصل، ولا يقول شيئًا، ثم يغلق الخط ويتصل مرة أخرى بعد دقائق.

في النهاية، سأل برجمان مروان عما إذا كان بإمكانه كتابة السيرة الذاتية لمروان. رفض مروان، وقال إنه يريد للقصة أن تموت، ولاحقاً قال مروان لبيرجمان إنه يريد كتابة سيرته الذاتية بالإنجليزية.بعد وفاة مروان، أصبح العثور على دليل على وجود المذكرات هاجسًا بالنسبة لبريجمان، الذي لم يجد شيئاً.

عندما أقاموا علاقة صداقة شخصية، أعرب بريجمان عن أسفه لكشف هوية هذا الجاسوس الأسطوري. يقول: "لقد كان سبقا صحفيا كبيرا ولم أستطع مقاومة إغراء اتباع الغرائز الصحفية الأكثر بدائية، لكنني قمت بتعقيد موقف صعب بالفعل".

يقول بيرجمان إنه ومروان "كانا يلتقيان بشكل متكرر وأصبحا صديقين مقربين، ومن المفارقات أنني كنت الشخص الوحيد الذي يمكنه التحدث معه بصراحة، ولكني نفس الشخص الذي كشفه.

في اللحظة التي سقط فيها أشرف مروان من شرفته، كان أهرون بريجمان جالسا في مكتبه بقسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن، ينتظر مكالمة من مروان لم تأت قط، وكان مروان قد أرسل عدة رسائل على هاتف بيرجمان يقول له فيها إن حياته في خطر.

تأكيد رسمي من إسرائيل 

الكشف عن هوية "مروان" الذي بدأ بسبق صحفي انتهي بتأكيد رسمي من المحكمة الإسرائيلية، فعندما انتشرت الأنباء عن هوية أشرف مروان، اتهم رئيس الموساد السابق تسفي زامير رئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا بالكشف عن هوية "مروان"، ورفع زعيرا دعوى قضائية ضد زمير بتهمة التشهير.

استمرت القضية حتى حكم القاضي ثيودور أور في 25 مارس 2007 بأن زعيرا قد سرب هوية مروان لأشخاص غير مصرح لهم بذلك. وأصبح الحكم علنيا بعد ثلاثة أشهر، في 14 يونيو وهو ما اعتبر تأكيداً حكومياً علنياً من قبل إسرائيل بهوية أشرف مروان، وفي غضون 13 يومًا، مات مروان.

بغض النظر عن القصة بين الملاك والصحفي، إلا أن من كشف هوية أشرف مروان هو رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والقضاء الإسرائيلي والإعلام الإسرائيلي هو من أكد هويته، فهل فهمت إسرائيل أن "مروان" كان عميلاً مزدوجاً، وهو ما دفعها إلى "كشفه" لأنها تعلم أن إعلان هويته سيكون بمثابة دعوة لاغتياله، بيد أن العديد من الاستخبارات في العالم لن يكون مريحاً لهم "الكشف" عن مروان.