رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار المزيد من استضاءات التنوير

«سيزدادون عتوًا، وستزداد الكثرة لهم عداءً وكرهًا، ولن يستمر البسطاء بعيدًا عن المعركة، وإنما سينتصرون لمن حاولوا أن يجعلوا حياتهم أجمل وأكثر بهجة وإشراقًا، وضد كل من يهوى الظلام ويسعى للإظلام، سيصرخون ضد الغناء، وسيُغنى الشعب، سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب لها الشعب، سيصرخون ضد التمثيل وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب، سيصرخون ضد العلم الحديث، وسيتعلمه أبناء الشعب، سيصرخون ويصرخون، وسيملأون الدنيا صراخًا، وسترتفع أصوات مكبرات صوتهم وستتضاعف، وستنفجر قنابلهم، وتفرقع رصاصاتهم، وسوف يكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون، وسوف يدفعون الثمن غاليًا حين يحتقرهم الجميع، ويرفضهم الجميع، ويطاردهم الجميع..». 
كانت تلك الفقرة غيضًا من فيض كتابات المفكر العظيم الراحل «د. فرج فودة».. وسنظل نتذكر الكثير من أفكاره وأطروحاته، وما تنبأ به من تطورات لحالة المد السياسى والاقتصادى لجماعات أهل الشر وأنهم سيصعدون لكراسى الحكم وغيرها من التشوفات المستقبلية الفكرية وعشناها بالفعل على أرض الواقع بعد رحيله.
ووفق ذلك التفهم، كان قرار اعتصام عدد هائل من المثقفين والفنانين والصحفيين وأهل الرأى ورموز التنوير المصرية بمقر وزارة الثقافة بالزمالك، وإعلانهم رفض الحوار مع « د.علاء عبدالعزيز» وزير الثقافة المعين من قبل جماعة الهم والغم والنكد المقيم فى مطلع العام الأسود عندما حكم الإخوان- بمثابة إعلان رفض عام وتمرد معلن على من تصوروا أن بإمكانهم خطف مصر إلى مربعات العتمة والجهل والتخلف وطمس معالم الهوية الثقافية والوطنية. 
وكان تفهم وتجاوب المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة المصرية مع نبض الجماهير، ومنهم أهل الإبداع، أكد «أن الوطن يمر بظروف صعبة تتطلب تكاتف الشعب والجيش والشرطة لأن أى شخص لا يستطيع وحده أن ينهض بالبلاد فى مثل هذه الظروف»..
وكانت مطالب أهل الإبداع والفنون متجاوزة أى مطلب فئوى أو مهنى، فقد أكدوا أنها ثورة غضب وطنية فى مواجهة حكم قرر أن يخاصم شعبه ويُقصى معارضيه ويهدد ثوابت دينه وهويته وتراثه الفكرى والثقافى وأشاروا إلى أن رفض وزير الثقافة ليس مرتبطًا بشخصه وإنما هو رفض لسياسات حكم جماعة ترى الوطن غنيمة، مؤكدين أن المعتصمين فى وزارة الثقافة قاموا بخلع كل رداء حزبى أو فكرى ليتشح الجميع بعلم مصر الوطن والتاريخ والحضارة، وليعبروا عن طموحات شعبها الذى أنجب مبدعين لهم جذورهم العائلية الممتدة فى العمق المصرى ريفًا ومدنًا، عمالًا وموظفين، تجاًرًا وحرفيين..
وفى بيان صادر عن مجموعة المعتصمين، قاموا بدعوة جميع المبدعين والمثقفين والفنانين فى أقاليم مصر لتنظيم فعاليات أمام مديريات الثقافة وقصورها تدعم الاعتصام وتنشر ثقافته الوطنية الأصيلة، وأنه سيتم تنظيم فعاليات خلال أيام الاعتصام فى السادسة من مساء كل يوم من جانب المؤيدين من أبناء مصر لرفض حكم الإخوان أمام مقر وزارة الثقافة بشارع شجرة الدر بالزمالك.
معلوم أن استرداد الدولة المصرية وانتشالها من أيدى العابثين بقيام ثورة ٣٠ يونيو، والدفاع باستبسال دون تغيير طابعها المدنى كان فى إطار رفض العبث بمؤسساتها، الذى كانت تجريه جماعة الشر تمهيدًا لإسقاط الدولة، لقد كانت بحق ثورة إعادة الهوية المصرية، فقد سبق وحاولوا فرض أجندتهم على ثورة يوليو فرفضت الثورة ورفض رموزها ذلك، وفى الثلاثين من يونيو كانوا قد وضعوا أياديهم على الدولة واستأثروا بها وأقصوا كل الأطراف حتى من سبق وتعاهدوا معهم على التحالف البغيض مع قياداتهم لتصالح المصالح!!
وعليه، وعقب سنوات إعادة البناء والاستقرار والإجهاز على فلول الإرهاب فى سيناء، كانت دعوة الرئيس السيسى لإقامة حوار وطنى من الأهمية بمكان لمواصلة تفعيل أهداف ثورة 30 يونيو وتعظيم مكتسباتها، حيث ممارسة التفكير العلنى بات ضرورة وحقًا لنا من ضرورات وجودنا ذاته ويكون من المسموح، بل من حقنا أن نختلف ولا يقتصر اختلافنا على الأفكار والقناعات حتى تتكون تآلفات فكرية وسياسية وطنية، فيكون الاختلاف فى التأييد والمعارضة، فى الولاء والعداء فى التواصل والتقاطع فى الانجذاب والنفور والاقتراب الطيب والتباعد الاضطرارى وهكذا من الأمور المُجازة..
وهنا تبرز أهمية فكرة التعددية التى تعنى التنوع والاقتراب على المستوى العقلى والإنسانى والحضارى ونحن نتعامل مع واقع الاختلاف عقلانيًا وإنسانيًا وحضاريًا كى لا يتحول الاختلاف إلى احتراب على مستوى الوجود الوطنى فتتشكل الفرق المتنازعة التى إذا ما صُعِّدت وتيرة الصراع بينها إلى أكثر مما تتحمله الأوضاع، تنقلنا حالة الاحتراب إلى تكريس للبغضاء، وسماح لروح الشر والعدوانية لتتفشى، وإفساد للحرث والنسل وهدم للبناء الحضارى..
وهنا نكرر السؤال، ألم يقرأ أهل الكسل العقلى فى كتب تاريخ البشر أن تعثر الخطوات فى دنيا السعى إلى كسب مساحات جديدة مبشرة بحال أفضل سيؤدى بهم إلى حالة تراجع الأحلام المحفزة لتحقيق طفرات وإنجازات نحو التقدم ومن ثم يزداد التخلف وتنتشر جراثيمه وميكروباته فى أوصال أوطانهم.
وأرى أنه لن يتم تحقيق أى تقدم لمجتمع ما فى هذا العصر إلا حين يشرق نور العقل فى سماواته وآفاق تطلعات بنيه..
علينا أن نراجع معًا أسباب القصور فى تنوير المجتمع، والاعتراف بالحاجة إلى تغيير جذرى لمحتوى خطابنا التنويرى وأساليب تقديمه، والسعى إلى توفير البيئة الثقافية والفكرية السامحة باستيعابه وتبنيه، إنه نقد ذاتى تستدعى الأمانة طرحه بصورة مباشرة، توضح المشكلة وتسعى إلى الحل.
وعليه، يرى من يرومون الذهاب إلى خطاب تنويرى متفاعل وواقعى أن مواصلة الرئيس عبدالفتاح السيسى لدوره على مدى دورة رئاسية قادمة من الأهمية بمكان لاستكمال دعم البنيان الثقافى والحضارى لأمة كان قد تم اختطافها فطلب الرئيس من الشعب أن يفوضوه لاسترداد الهوية ففوضه الملايين، ففعلها الزعيم.