رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الورد اللى فتح.. رسائل الفائزات بجوائز «المهرجان القومى للمسرح»

المهرجان القومى للمسرح
المهرجان القومى للمسرح

كانت مشاركة المرأة فى الدورة الماضية من المهرجان القومى للمسرح المصرى مؤثرة، وتأكد ذلك من الجوائز التى حصلت عليها المُشاركات بالمهرجان.

«الدستور» تنشر رسائل كتبتها «وردات» المسرح الفائزات بمجموعة من الجوائز، خلال الدورة المنتهية مؤخرًا، وتحدثت نجمات المسرح القومى عن تجاربهن مع «أبو الفنون»، وكيف تمكنّ من توظيف مواهبهن، سواء فى الدراماتورج أو الأزياء للتعبير عن العمل المعروض، والحفاظ على الفضاء العام للنص المسرحى، سواء كان مكتوبًا خصيصًا لخشبة المسرح أو مستوحى من رواية عالمية، على نحو ما فعلت إسراء محبوب فى مسرحية «موت معلق» المأخوذة عن رواية «انقطاعات الموت» للروائى البرتغالى جوزيه ساراماجو، الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب. 

الأمر ذاته حدث مع مصممة الأزياء هناء النجدى، التى وظفت موهبتها فى إظهار بواطن الشخصيات فى مسرحية «الرجل الذى أكله الورق».

أما الناقدة رنا أبوالعلا، عضو هيئة تحرير نشرة المهرجان فى دورته الثلاثين، التى تم تكريمها بعد وفاتها إثر تعرضها لحادث سير، فالرسالة كتبتها صديقتها الناقدة سارة أشرف. 

إسراء محبوب: النجاح مكافأة من الله.. و«ساراماجو سحرنى»

بالنسبة للعمل الذى حصلتُ على الجائزة عنه فهو دراماتورج عن رواية ساراماجو «انقطاعات الموت»، ووقتما قرأت الرواية بهدف الشغل عليها، عرفت أنها لن تكون تجربة سهلة.

أغرمت بعالم ساراماجو وفلسفته الكابوسية الساخرة، وحاولت الحفاظ على الفضاء العام للرواية ونسج أشخاص وحكاية داخل الفضاء ده. ساراماجو تعمد ألا تكون رواية تقليدية.. لم يقدم حدوتة بالمعنى المعروف، بل مساحات طويلة من السرد والسخرية اللى بيستعرض فيها عجز كل مؤسسات الدولة عن التعامل مع فرضية الموت، سواء المؤسسة الدينية أو الحكومة والمسئولين أو الشارع أو الفلاسفة والعلماء.. إلى آخره، بدون ما يسمى شخصية واحدة.

فى أثناء المعالجة حافظت على حس السخرية ده؛ من خلال دور المذيع الذى يكسر جدية وفلسفة الأحداث بتعليقات ساخرة، مهما كانت تحمل أخبارًا جادة. كان الارتكاز الأساسى فى الدراما على أربعة محاور؛ الدين المتمثل فى دور الكنيسة، والعلم المتمثل فى المستشفيات وتكدس المرضى، والطبيب الملحد المصاب بهوس العلم، والمنظومة الأخلاقية والاجتماعية اللى انهارت تدريجيًا بسبب غياب الموت وغياب الحياة الأخرى، وطبعًا المهن المتربحة من الموت زى الحانوتى مثلًا. 

الحانوتى فى المعالجة التى قدمتها كان مريضًا نفسيًا يتلذذ بدفن الناس، ويحب شكل الموتى بسبب مشكلة تعرض لها فى الطفولة تتعلق بأبيه. فغياب الموت أدخله فى حالة نفسية سيئة وجعل الأحداث تتطور وتتعقد للمؤامرة والابتزاز عشان يقدر يدفن الناس مرة تانية، خصوصًا المرضى اللى أهاليهم عايزين يتخلصوا منهم.

أما عن شعورى تجاه الجائزة، فكان معقد شوية.. أكيد مبسوطة بيها لأنها جائزة القومى، ومختلفة عن أى جائزة قبلها، ولها قيمة معنوية كبيرة. لكن لا أنكر أننى كنت أتوقعها لأنى واثقة وأدرك أننى بذلت جهدًا كبيرًا، وكنت أثق فى أن الله سيكافئنى.. متوترة شوية من التركيز اللى اتحط عليا بعدها لأنى بحب أشتغل وأنا حرة من التوقعات، اللى بالتأكيد زادت جدًا بعد الجايزة. كتير رشحونى لمخرجين شباب عاوزين يعملوا إعداد لروايات أو مسرحيات مختلفة، والحقيقة أننى فى الأصل مؤلفة، يعنى تجربة الشغل على الرواية أو على أى عمل آخر بيبقى فيها جانب كبير من التأليف ومابعملهاش غير لو العمل استفز خيالى، زى فرضية غياب الموت كده.

كنت أتمنى إن جايزتى الأولى فى القومى تبقى فى التأليف مش الإعداد، لأن ده بشكل ما أثر على هويتى كمؤلفة. عشان كده أعتقد الفترة الجاية هبقى انتقائية جدًا فى اختيار الحاجات اللى أشتغلها. الإعداد طبعًا مهمة صعبة ومش أى حد يقدر يتعامل معاه.. لأنه مهما بُذل فيه من جهد ذهنى وتأليف درامى بيظل تحت عباءة المؤلف الأصلى، لأن ده حقه الأدبى اللى مانقدرش أبدًا نتجاوزه ونكتب تأليف.

سارة أشرف تكتب عن تكريم اسم الناقدة الراحلة رنا أبوالعلا

«على أرض الواقع، ليس من الضرورى أن تتحقق العدالة، وليس من الضرورى أن تنتهى القصص نهايات سعيدة دائمًا»؛ ربما نهاية قصتى ليست من تلك النهايات السعيدة بالنسبة لكم.. حيث كانت النظرة الأخيرة التى اختزنتها ذاكرتى هى ضوء يشبه ضوء بروجتكور مسرحى.. للأسف لم يكن كذلك، كان ضوء العربة المسرعة التى صدمتنى، ولكن دعونى أخبركم بأنها ليست النهاية، فقد كنت أظن أن الموت نقطة آخر السطر، لكن يبدو أن السطر امتد، ويبدو أن النهاية ربما لم تُكتب بعد.

هناك أشياء ربما نفعلها دون قصد، وتكتب لنا عبرها الحياة على الأرض بعد الموت، فربما لم تذهب هباءً رحلتى القصيرة الشاقة مع المسرح.. أنتقل من عرض لعرض ومن مسرح لمسرح ومن بحث لبحث ومن كتاب لكتاب لأطور علمى ومعرفتى بالمسرح، أكتب فى مجلات المسرح المتخصصة حتى توليت منصب سكرتير تحرير مجلة «نقد × نقد»، التى أسسها أحد أساتذتى؛ الدكتور علاء الجابر. إن حياتى القصيرة مع المسرح «أبو الفنون» علمتنى الكثير، وصنعت فارقًا، لكن فى الحقيقة ليست كتابتى فقط هى من منحتنى البقاء رغم الموت، ولكن السيرة الحسنة والأخلاق الطيبة وابتسامتى التى لم أبخل بها عليكم أظنها هى الأهم والأبقى، وما أود أن تتذكرونى به، أعلم أنكم لن تنسونى بسهولة، ولن يزول حزنكم، ولكن تذكروا أنه جمعتنا مسارح ونقاشات وآراء وشغف تجاه عمل أحببناه، أعطيناه ولم ننتظر، اجعلوا من ذكرياتكم معى عزاءً يطيب قلوبكم الرحيمة بى. لقد فاجأنى تكريمكم لى البارحة فى افتتاح المهرجان التجريبى بدورته الثلاثين، هذا المهرجان الذى طالما أحببته وشاركت بالكتابة فى نشرته، ومتابعة عروضه وفعالياته، هذا المهرجان الذى حرص على أن يتوج رحلتى القصيرة جدًا ويكرمنى ليكون هذا التكريم رسالة لزملائى وزميلاتى المتفانين فى حب المسرح مثلى.. لا توقفوا خطوكم نحو المسارح.. لا تفقدوا حماسكم، فنحن مقدرون حتى وإن لم نشعر بذلك، كلمات الشكر لن توفى بحق من سعوا لتكريمى، وواسوا والدتى وجعلوها فى تلك اللحظة تحديدًا تفخر بى. لن أخفيكم سرًا؛ لقد كنت حاضرة معكم فى تلك اللحظة، وحين سلمت الدكتورة نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة، درع التكريم لأمى على مسرح دار الأوبرا شعرت بالحب يحاوطنى، شعرت بفرحكم وبحزنكم، لذا سأبعث برسالة لأمى وأساتذتى وأصدقائى، ارفقوا بقلوبكم، وما دمتم تذكروننى فأنا لن أنساكم، أوصيكم بأمى وأوصيكم ببعضكم وأوصيكم بالمسرح.

هناء النجدى: قدمت التشويه فى عالمنا بـ«صورة جمالية» 

حصلتُ على جائزة أفضل أزياء، وكانت فكرة تصميم أزياء عرض «الرجل الذى أكله الورق»، للمخرج محمد الحضرى، مستوحاة من روح الجروتيسك، وهو منهج الفرقة والمخرج، فحبيت أوضح فى كل شخصية التشويه الموجود فى عالمنا والغرابة والبشاعة، ولكن بصورة جمالية على المسرح تكون متعة لعين الجمهور.

فشخصية شايلوك حبيت أظهره بصورة حيوانية ووحشية توضح غرائزه، واستخدمت درجات ألوان الخنزير، ومزركشة، وأكمام من الشيفون الأخضر تدل على الجانب الأنثوى، والجانب الأخضر بالأحمر الصارخ وبقع من الفرو الأسود لتظهر وحشيته كأنه حمار وحشى.

أما بلوبر، المواطن الكادح، فنراه فى كثير من الرجال حولنا، بسيط لا يهتم بملابسه ذات الألوان الترابية الكئيبة، ويرتدى قميص كاروهات بنى وبنطلونا مقلما «بيچ»، وهناك حبل مربوط على خصره.

محامى شايلوك يشبه الساحر أو محرك دُمى فى سيرك، واستخدمت درجات الأخضر بروب أشبه بملابس نباش القبور، ومقطوعة من الأكمام ومن الأمام والخلف ومرصعة بخيوط كثيرة التى يستخدمها فى عرائسه الماريونيت.

أرسطو محامى بلوبر، أردت أن أبرز الاستقامة فى شخصيته وتمسكه بمبادئه وإنسانيته، وأردت أن تكون خطوطه مستقيمة وحادة، لكن هناك وشاحًا باللون الأحمر القاتم على صدره، فيه انسيابية ويدل على مشاعره وإحساسه بمن حوله، ووشاحًا أبيض مربوطًا حول عنقه يدل على عقدته من العشوائية والرأسمالية حولنا.. أظهرت البشاعة بشكل جمالى مسرحى، بالاشتراك مع عناصر السينوغرافيا الأخرى، ميكب ميار محمد وديكور محمد سباعى وإضاءة محمود الحسينى كاچو.. لولاهم ماكنش شغلى ظهر. 

والفضل الأساسى فى ده يعود طبعًا للمخرج محمد الحضرى، المبدع، صاحب الأفكار الرائعة، أحييه لأنه جمع هذا الفريق. سعيدة جدًا بالجائزة وسعيدة أكتر لأنها فى دورة النجم «عادل إمام». وأن تكون جوائز السينوغرافيا كلها للشباب فدى حاجة مفرحة ومشجعة جدًا. أنا مابستناش الجوايز لأن فيه حاجة مؤمنة بيها إن دايمًا الجوايز والتقييمات بيكون ليها حسابات ومقاييس كتير، مش معنى إنى ماخدتش جايزة يبقى شغلى أقل قيمة أو وحش.. كنت أتمنى الجايزة دى لأننى كنت أريد أن يفهم عملى الدكاترة والمهندسين والفنانين، وكنت متأكدة من أن الباشمهندس محمد الغرباوى هاتوصله فكرتى، وهايقدّر شغلى، وإنه يسلمنى الجايزة دى كبيرة عندى.

وصولى للجايزة دى كان بتوفيق ربنا أولًا، ودعم زوجى وتشجيع أهلى وأصحابى، وعايزة أقول إن العروض السنة دى فيما يخص الأزياء كانت عظيمة وممتعة، وبها تنوع، وأيضًا زملائى هاجر كمال وهدير عاطف وريهام النجار وأميرة صابر قدموا أعمال أكتر من رائعة بالنسبة للأزياء، إلى جانب الدكتورة مروة عودة، وأن أحصل على الجائزة مناصفة معها فى حد ذاته جائزة.