رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كأنها الليل المظلم".. بماذا وصف طه حسين سنوات دراسته في الأزهر؟

طه حسين
طه حسين

خصصت المؤسسات الثقافية هذا العام 2023 بعام عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فقد تناولت عشرات الأقلام حياته الأدبية والإبداعية والشخصية، وعرضت تفاصيله الدقيقة، ومن تلك الأقلام ما كتبه الكاتب اللواء حمدى البطران كتابه" طه الذي رأى".

فقال البطران:" كان طه حسين قد أنفق أربعة أعوام في الأزهر، كأنها أربعون عامًا، وضاق صدرُه بها بسبب الرتابة وعدم التغيير، والتي قال عنها: "كأنها الليل المظلم، الذي تراكمت فيه السحب القاتمة". لم يكن طه حسين يضيق بالفقر، ولا بقصر يدِه عمّا يريد، فقد كان هذا شيئًا مألوفًا بالنسبة لطلاب العلم في الأزهر الشريف".

واستكمل: "كان يرى حوله العشرات، بل المئات من تلاميذ الأزهر، أشقياء كما كان يشقى هو، وتقصر أيديهم عما يريدون، ولكنهم اقتنعوا أن الثراء وسعة العيش قد تعوقهم عن طلب العلم، وأن الفقر شرط للاجتهاد، كانت حياته مملة ليس فيها جديد منذ بداية العام حتى نهايته".

دروس طه حسين في الأزهر الشريف

وتابع:"درس التوحيد بعد صلاة الفجر، درس الفقه بعد شروق الشمس، درس النحو بعد أن يرتفع الضحى، دروس للنحو مرة ثانية بعد الظهر، ثم يقضي وقت فراغٍ كثيف، في أعقاب طعامٍ غليظ. ثم ردس المنطق بعد صلاه المغرب، وفي كل تلك الدروس يسمع كلامًا مكررًا ومُعادًا، وأحاديث بعيده كل البعد عن قلبه وذوقه." 

كان يفكّر أن أمامه ثمانية أعوامٍ أخرى، في أثناء ذلك كلّه، ذات وهو جالسٌ مع أصدقائه، سمع نبأ نشاء جامعة في القاهرة، فهم طه حسين الجامعة بأنها مدرسة ليست كالمدارس، وأن الدروس التي ستُلقى فيها لا تشبه دروس جامع الأزهر، كما أن التلاميذ في تلك الجامعة لن يكونوا معممين، ولكن يلبسون الطرابيش، فتحمّس لدخولها والخروج من قيود الأزهر.

القبول في الجامعة

ولكن ما كان يُقلقه هو، هل تقبله الجامعة وهو مكفوف؟ أم ترفضه وتعيده إلى دراسة الأزهر، ذات يوم وبعد أن ذهب إلى دروس الأدب في الضحى، قرر الذهاب إلى الجامع في اليوم نفسه وقبل صلاة العصر مع زميليه.

دفع كل منهم جنيها ليسمح لهم بحضور المحاضرات، وكان ذلك المبلغ كثيرًا ومكلفًا، فقد كانوا يتلقون العلم في الأزهر بلا مقابل، بل وكانوا يأخذون جراية، وهم مجبرون على دفع جنيه مقابل العلم، ومع ذلك فقد قرروا التضحية بالجنيه، رغم قيمته العالية في ذلك الوقت، سمع درسًا في الحضارة الإسلامية، واستمع لأحمد ذكي بك، للمرة الأولى وهو يبدأ الدرس بتلك العبارة:
أيها السادة، احييكم بتحية الإسلام، وأقول السلام عليكم ورحمة الله، أعجبته تلك المقدم التي يخاطب بها الأستاذ تلاميذه، وكان في الأزهر لا يتجه الشيوخ إلى طلابهم بشيء، إنما يتجهون إلى الله عز وجل فيحمدونه ويثنون عليه، ولا يحيّون طلابَهم ولكن يصلّون على النبي وآلة وأصحابه أجمعين.

كما لفت نظره أن الأستاذ لم يقل في بداية الدرس قال المؤلف رحمه الله، إنما استأنف الدرس بنفسه، ولم يكن يقرأ في كتاب، كان كلامه واضحًا لا يحتاج لتفسير، بعد الاستماع للدرس الأول في الجامعة، راوده شعور لم يكن له مثيل في الأزهر. 

ولم تمض على التحاق طه حسين ثلاثة أيام منذ افتتاح الجامعة حتى تغيرت حياته تغيرًا كاملًا، ولم يكد يتردد على دروس الجامعة حتى انصرف عن الأزهر.

المعلم الإيطالي

وللمرة الأولى يسمع أذان الفجر ولا ينهض لحضور درس، ينتظر حتى الضحى، ثم يذهب للجامعة، أعلن في الجامعة عن محاضرة لأستاذ إيطالي، يتحدث اللغة العربية، ويتكلم مع المصريين بلهجتهم، واستمع منهم للمرة الأولى إلى مصطلح "أدبيات الجغرافيا والتاريخ".

لم يفهم طه حسين ولا زملاؤه الأزهريون، ما يعنيه هذا المصطلح، لأنهم لم يسمعوه قبل ذلك، كان الأستاذ اغنالسيو جويدي، شيخًا كبيرًا، نحيف الصوت، وكان ضعف صوت الأستاذ يغري الطلبة بالضجيج، فضاع منه الدرس ولم يفهمه.

ثم مضت الأيام وتتابعت فيها الأحداث، وتفرّق صاحبي الشيخ، واحدٌ من منهم إلى مدرسة الفرير لتعليمهم اللغة العربية، بينما ذهب صديقه الثاني إلى المطبعة الأميرية يصحح مقالاتها، وما يُكتب فيها.

الشيخ المرصفي

وجد طه حسين نفسه تضيق بأحب الناس إليه في الأزهر، وهو الشيخ المرصفى، وابتعد عنه، لأنه أي الشيخ المرصفى، كان يتوهم أن الجواسيس تتبعه، فبدأ يتحفّظ في كل ما يقوله، مع ذلك كان يذهب إليه في يوم ويجلس معه ويستمع إليه. 

وبدأ يجرّب نفسه في الشعر مع الأستاذ المرصفى، ولم يقطع صلته بالجامعة ولكنه بدأ ينصرف عنها تدريجيًّا، ثم قويت الصلة بين طه حسين ولطفي السيد وعبد العزيز جاويش. وفي تلك الفترة بدأ طه حسين يجرب نفسه في الكتابة الصحفية، وكتابة المقالات.

السخرية من الشيوخ

ولكن عُرف عن طه حسين أنه كان يغالي في السخرية من الشيوخ، ويخرج عن طور الاعتدال، هذا كله بتشجيع من عبد العزيز جاويش، وكان الرجل يغريه ويشجعه على ذلك، وجد طه حسين نفسه يميل إلى مذهب الاعتدال وصاحبه أحمد لطفي السيد، وسرعانَ ما وجد طه حسين نفسه موزعًا بين مذهبين هما الاعتدال والغلو.  

اقرأ أيضًا:

فى عامه.. كواليس تلقى طه حسين دروسًا على يد الإمام محمد عبده