رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب فكرى داود: صناعة النشر فى تقدم من حيث الكم فقط (حوار)

الكاتب فكري داود
الكاتب فكري داود

ما بين أول الكتب المنشورة وصولًا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضًا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها. في سلسلة حوارات يقدمها الــ"الدستور" يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

وحول هذه القضية يحدثنا  الكاتب فكري داود، صاحب الأعمال الأدبية: "الحاجز البشري، صغير في شبك الغنم، العزومة، دهس الطين، استكانة النهر العجوز، سمر والشمس، الاختيار الصحيح، عام جبلي جديد، وقائع جبلية، طيف صغير مراوغ وغيرها".

ــ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

في أوائل التسعينيات وبعد نشر نصوصي منفردة بدوريات كالثقافة الجديدة والمساء والأسبوع الأدبي السورية، بدأ تفكيري في نشر أول مجموعة قصصية، لذا حرصت أن تكون نصوصها متسقة فكريًا، لتعبر عن رؤية سوية غير متشرذمة، عبر تقنية سائدة، بعيدًا عن التجريب والمغامرة، وإذ بثقافة دمياط تطلب أعمالًا للنشر بسلسلة كتاب الرواد، الذي يصدر عن هيئة قصور الثقافة، ولأن معظم أبناء جيلي وقتها، لا يملكون نصوصًا تكفي للنشر كمجموعة، سلمت الثقافة نصوص مجموعتي الأولى (الحاجز البشري) ونسيتها تمامًا، حيث أُعِرت للسعودية عام 1994، لأفاجأ في إجازة 1996، بنشر المجموعة، وبالاستقبال الجيد لها من قِبل النقاد، والكتابة عنها.

 كانت تجربة الاغتراب بالسعودية ثرية إبداعيًا، وجاءت مجموتي الثانية (صغير في شبك الغنم-2001) أولى ثمارها، وفيها جربت بجرأة وأريحية، واستقبلها كبار النقاد بحفاوة بالغة، دفعتني لإكمال الكتابة عن مشروع.

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

لم أواجه مشكلات حقيقية بالنسبة لحقوق النشر والملكية الفكرية، فمعظم كتبي صدرت عن دور رسمية كهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة ودار الهلال ودار أخبار اليوم، وكلها جهات لديها عقود معروفة ومحددة يوقع عليها الكاتب بالموافقة، صحيح مكافآت النشر هزيلة، لكن الكاتب يضمن إخراجًا جيدًا وتوزيعًا مناسبًا لكتابه.

ــ كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر؟ 

كانت هناك عدة مشكلات مع الناشرين غير الرسميين، حيث فاجأني ناشر إحدى المجموعات بأنه نسى الفهرست، فأجبرته على تعديل الوضع، رغم إصراره على تحمل نصف تكلفة التعديل.

 رجاني ناشر معروف بالمنصورة، أن ينشر أحد أعمالي، فمنحته مجموعة (استكانة النهر العجوز) مصححة وجاهزة، لكنه لأسباب لا أعرفها، طبعها وبها عدد هائل من الأخطاء، أثرتْ على رؤيتي تجاه النصوص... فطلب مهلة للتعديل، وما زلت حتى الآن في الانتظار منذ 2020، ولم أفكر في شكواه، لأن والده المرحوم كان ناشرًا كبيرًا وصديقًا عزيزًا.

ــ هل قمت يومًا بسداد كلفة نشر كتاب لك؟

 معظم كتبي المنشورة خارج المؤسسات الحكومية، شاركت في تكلفة نشرها، وفقًا لجودة الأوراق وعدد النسخ المطبوعة، وما أتسلمه منها.

ــ ما أصعب موقف تعرضت له مع ناشر؟

 لا يخلو الأمر من مصادفات بعضها سعيد وبعضها مأساوي؛ عام 2001 ‏نشرت مجموعة (صغير في شبك الغنم)، عن هيئة قصور الثقافة، وتمنيت أن تفوز المجموعة في مسابقة النشر، وهي جائزة يدخلها الكتاب تلقائيًا، يتقاضى الفائز مكافأة مالية جيدة، ويُعاد طبع الكتاب في مكتبة الأسرة مع مكافأة جديدة، وتوزيع واسع، وهذا ما تحقق لمجموعتي على الورق فقط، فقد علم رئيس الإقليم وقتها، بالنتيجة قبل إعلانها رسميًا، ذكر ذلك من باب التفاخر، في حديث مع الصديق يسري السيد، بالعدد الأسبوعي للجمهورية، باب نادي أدباء الأقاليم، فلما قرأه أنس الفقي، رئيس الهيئة آنذاك - وكانت بينه وبين رئيس الإقليم ما صنع الحداد، ثار وفار وأمر بإلغاء النتائج وإعادة التحكيم، واستبعاد الكتب التي وردت على لسان رئيس الإقليم، ومنها مجموعتي طبعًا، وصار الفقي لاحقًا وزيرًا.

 ‏تقدمت بروايتي (المتعاقدون) للنشر في روايات الهلال، وأُجيزت للنشر، وكنت وقتها عضوًا بأمانة مؤتمر أدباء مصر العام، الذي تعقد اجتماعاتها شهريًا في مقر هيئة قصور الثقافة بعمارة العرايس، قاطعًا المسافة من دمياط إلى القاهرة، وكعادة الفلاحين مثلي، كنت أستغل الفرصة لأقضي أكثر من عمل بالقاهرة، ودار الهلال قريبة من عمارة العرايس، فكنت أمر على دار الهلال سائلًا عن موعد نشر الرواية، وفي كل مرة يطمئنني رئيس التحرير، بأنها ستنشر حتمًا تدعيمًا للوحدة الوطنية، وكنت أبتلع العبارة التي أفهم معناها وأعود أدراجي، حتى وجدتني أقول له آخر مرة؛ وهل لا بد أن تخرجني من ديني كي تنشر الرواية، وألقيت في وجهه بالقنبلة قائلًا: أنا صحيح اسمي فكري الشربيني الشحات داود، وهو اسم يصلح لكل الأديان والملل، لكنني يا أستاذ مسلم والله مسلم، ونطقت الشهادتين أمامه وانصرفت.

 وإذ بي أقرأ إعلانًا بأخبار اليوم عن مسابقة كبرى في الرواية والقصة، اسمها مسابقة كتاب اليوم الأدبي، فعرجت على مبنى الأخبار وقدمت مخطوط الرواية للمسابقة، وإذ بها تفوز وتنشر لاحقًا في سلسلة كتاب اليوم العريقة بدلًا من روايات الهلال.

ــ هل قمت يومًا بسداد كلفة نشر كتاب لك؟

في الحقيقة كنت أحلم دومًا بالنشر بسلسلة روايات الهلال التي عشقتها من صغري وقرأت كل إصداراتها القديمة تقريبًا، لأفاجأ عام 2018 قبل المغرب بساعة بتليفون غريب، سألتني الطالبة مباشرة هل حضرتك فكري داود؟ فأجبت بنعم، وأكملت مازحًا: خيرًا، فقالت بكل جدية: نحن في رمضان وأنا رأسي سيتفجر، أرجوك تأخذ الموضوع بجدية أكثر، قلت حاضر، طلبات حضرتك. ‏قالت: هل لديك رواية جاهزة الآن؟ قلت لماذا؟، ‏قالت عندك أم لا؟، ‏عندي. ‏قالت سأرسل لك ميل في رسالة لترسل عليه روايتك مع سيرة مختصرة. ‏حاضر، لكن ما الأمر؟ ‏أنا الأستاذة هالة رئيس التحرير التنفيذي لروايات الهلال، ‏وقد رشحك لنا أكثر من كاتب وناقد للنشر لدينا، ‏بعد شهر تقريبًا اتصلت بي أ. هالة، قائلة: معك فلانة المكلفة بمراجعة الرواية.

وبالفعل تناقشنا وتجادلنا واتفقنا في النهاية بعد مكالمة استمرت لساعة ونصف الساعة، ‏ثم أرسلوا لي أربعة أغلفة لأختار أحدها، وهو الغلاف الذي نُشرتْ به روايتي (الشوك والياسمين) بعد شهرين فقط من مراجعتها، برئاسة تحرير أ. خالد نجاح، شيء ولا في الأحلام...وما زال البعض يظن أنني ساهمت ماليًا في النشر، وهذا لم يحدث. 

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

 في تقدم من حيث الكم، لكنها في تراجع من حيث الكيف، مع غياب حركة نقدية جادة موازية والحديث طويل وذو شجون.