رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائى تامر شيخون: صناعة النشر تواجه تحديات عظيمة (حوار)

الروائي تامر شيخون
الروائي تامر شيخون

ما بين أول الكتب المنشورة وصولًا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضًا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها. 

في سلسلة حوارات يقدمها "الدستور" يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.
 وفي هذا الصدد يحدثنا الروائي تامر شيخون صاحب رواية "بريديج"، و"شفرات القيامة"، عن تجربته مع عالم النشر، والصعوبات التي واجهته.

ـ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

قد تكون الكتابة الفن الأكثر عُزلَة في التاريخ. عوالم الكاتب تبقى حبيسة عقله أو أوراقه حتى ترى النور على يد دار النشر التي تُقر إن كان هذا الإبداع تحديدًا جديرًا بقُبْلَة الحياة عبر نشر النص الإبداعي للجماهير. خلال تلك الرحلة يعاني المبدع من صراعاته الداخلية في تطوير الأفكار والتفاعل مع شخوصه المُخْتَلَقَة وتطويع أحداثه الافتراضية.

عملية الكتابة طويلة مرهقة وعلى عكس الفنون الأخرى يصعب إيجاد نسبة من الجمهور ولو محدودة للاطلاع على العمل الفني وإبداء آرائها المبدئية. من هنا يتأرجح الكاتب بين الشك واليقين من جدوى ذلك المخاض ولا يتلمس الضوء الخافت في نهاية النفق إلا مع سماع عبارة "قبلنا عملك وراغبين في التعاقد لنشره".

المعاناة مضاعفة في حالة الكتاب الأول. إذ يفتقر الكاتب عادة في تلك المرحلة للثقة في جدارة ما يكتبه بالنشر أو يفتقد شبكة العلاقات القوية في الدوائر الثقافية.

شخصيًا، واجهت صعوبة في حصر دور النشر المتوقع منها إبداء الاهتمام بكتاباتي. إذ لا توجد لدينا قاعدة بيانات أو منصة موحدة مثلًا تستعرض أسماء دور النشر وأعمالها واستراتجيتها في النشر خلال المرحلة القادمة وطرق التواصل معها. كان عليّ أن أتحرى المعلومات عبر دوائر معارفي عن أسماء وطبيعة كل دار نشر وأسماء المسئولين فيها. دور النشر الكبري تعاني ازدحامًا من كثرة طلبات الكتاب الراغبين لنشر أعمالهم من خلالها، أما دور النشر الصغيرة أو الحديثة فتتفاوت أحوالها بين دور جادة ترغب في شق طريقها وبناء اسم كبير لها في دنيا النشر وأخرى لا تكترث سوى بكسب "سبوبة" تجارية سريعة دون الاكتراث بجودة العمل أو إخراج الكتاب أو بسمعتها في الصناعة.

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

عادة ما تشترط الدور ألا يكون العمل المُقَدَم، معروضًا على دار نشر أخرى. تتولى لجنة قراءة الاطلاع على العمل وتقييمه. يؤدي ذلك العُرف إلى إطالة أمد الرد على الكاتب وتعطيل مشروعه حال رفضت الدار نَشْرَ الكتاب. بين دار النشر والموزع ومنفذ التجزئة يصبح الكاتب هو الطرف الأضعف في المعادلة لا سيما إن كان كاتبًا حديث عهد مما ينعكس على حصوله على نسب الربحية الأقل في سلسلة صناعة المنتج. وكثيرًا ما يحدث من الدور غير المحترفة أن تماطل في اطلاع الكاتب على حقيقة المبيعات أو الالتزام بمسئولياتها القانونية والمالية تجاه الكاتب.

حتمًا أنا من المحظوظين القلائل الذين حظوا بالتعامل مع اسمين من أكبر الأسماء في عالم النشر بالشرق الأوسط ولديهم تاريخ عريق في الصناعة "دار العين" و"المصرية اللبنانية". نال عملي الأول قبولهم وبنيت معهم علاقة صحية أقرب للصداقة منها للشراكة.

ــ هل سبق ووصلت خلافاتك مع ناشر ما إلى ساحات المحاكم؟

رغم أن مصر إحدى الدول الرائدة في المنطقة في إقرار قوانين حماية الملكية الفكرية، لكن ما زال التفعيل أو التنفيذ مشوبًا بالعديد من النواقص والعقبات، مما يضع عبئًا إضافيًا على الكاتب لتحمله مسئولية أخذ إجراءات قانونية احترازية تحمي أفكاره من السرقة خصوصًا في المرحلة الأولى التي قد يضطر فيها لعرض عمله على أكثر من جهة. شخصيًا، أحرص على تسجيل كتاباتي في إدارة حقوق المؤلف قبل إرسالها لأي جهة.

القوانين تحتاج إلى توضيح وتطوير فيما يخص تنظيم معاملات التجارة الإلكترونية والتطبيقات الرقمية للقراءة، كونها آلية جديدة تحتاج إلى دراسة لتطوير تشريعات أوضح وأكثر ملاءمة للتطبيق العملي.

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

تواجه صناعة النشر عمومًا ودور النشر خصوصًا تحديات عظيمة. فنحن نمر بطور جديد من الصناعة تتبدل فيه آلياتها تمامًا. استهلاك الكتب الرقمية والصوتية خصوصًا بعد جائحة كورونا في نمو فائق السرعة حتى لو كانت حصتها السوقية - اليوم - أصغر كثيرًا من الكتب الورقية التقليدية. لكن مع يفوع جيل الثورة الرقمية الجيل زي والجيل ألفا "المولودين نهايات التسعينيات وبعد عام 2012" ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، من المتوقع أن تميل حصة السوق لصالح الوسائط الرقمية بقوة على حساب الكتاب الورقي وهو ما إن يتحقق، سيتغير تمامًا شكل الصناعة كما عهدناها منذ قرون.

إنها قفزة ثورية تشبه ما تمر به صناعة السينما حاليًا لصالح منصات بث المحتوى الرقمي. سيتغير مفهوم النشر والتوزيع وستزداد اللامركزية، إذ إن الكاتب سيحظى بطرق أكثر تنوعًا للوصول إلى القارئ مباشرة. من هنا يتوجب على الدور أن تعيد النظر في استراتيجيتها وإعادة تعريف مصطلح "صناعة النشر" من جديد.

سوف يصبح حتميًا على دار النشر الناجحة مواكبة التقدم التكنولوجي والتركيز على حلول أكثر مرونة لمواكبة السبل الجديدة للوصول إلى القارئ. على الدور مثلًا استغلال الذكاء الاصطناعي في فلترة الأعمال وتنقيحها والتأكد من أصليتها وتحليل سلوك المستهلكين عبر آليات مراقبة السلوك الرقمي للتنبؤ باحتياجاتهم الفكرية. الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية مطلب حتمي للنجاح . جميعها مهارات ومعارف لم تتطلبها الصناعة من قبل.

سوف تزداد أهمية وقوة تأثير التطبيقات والمنصات كحلقة متينة في الصناعة. وفي مصر بالذات، سيمثل ارتفاع سعر الدولار ومعدلات التضخم وتكلفة الورق عوامل ضاغطة للبحث عن حلول بديلة عصرية لخفض التكلفة على القارئ وتحسين معدلات الربحية في آن واحد.