رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى أوروبا والدول المتقدمة!

توقفت أمام تصريح لرئيس الوزراء يقول فيه: أدعو الموظفين لعدم ارتداء ربطات عنق لتوفير الطاقة.. تخيلت فورًا رد فعل وسائل التواصل على هذا التصريح.. ستظهر عشرات الرسوم الساخرة.. بعضها سيظهر الناس يذهبون لأعمالهم عراة تمامًا استجابة لقرار رئيس الوزراء! لجان الجماعة الإرهابية ستقول إن هذا دليل جديد على فشل الحكومة والدولة كلها.. سيعلق أحد الحسابات بأن ثورة ٢٣ يوليو هى السبب فى كل هذه المعاناة التى نعيشها لدرجة أن يطالب رئيس الوزراء بعدم ارتداء ربطة عنق! سيرد عليه آخر بأن ثورة يوليو بريئة وأن ثورة ٣٠ يونيو هى التى تتحمل كل المسئولية عن ارتفاع درجات الحرارة وعن كل المشاكل التى تعيشها مصر والتى ستعيشها فى المستقبل أيضًا.. سيقول حساب باسم «طالب الرضا من الله».. رئيس الوزراء يريد أن يُخرج الناس من ثيابها..! وسيعلق لديه مجهول.. الرد فى الانتخابات المقبلة..! سيظهر مذيع فى برنامج مسائى وينتقد القرار حتى يُشعر الناس بأن هناك من ينقل صوتهم للمسئولين.. مرت ساعة كاملة ولم يظهر تعليق واحد على تصريح رئيس الوزراء.. انتابنى الشك رغم أننى قرأت التصريح بنفسى.. عدت لموقع هيئة الإذاعة البريطانية الإلكترونى حيث قرأت الخبر.. وجدت الخبر موجودًا على الصفحة الرئيسية بعنوان «رئيس الوزراء الإسبانى» يطالب الموظفين بعدم ارتداء ربطات عنق لتوفير الطاقة!... آه لقد نسيت أن أقرأ كلمة «الإسبانى» فى العنوان.. تخيلت أن رئيس الوزراء المصرى هو الذى اقترح الفكرة وتوقعت ردود الأفعال.. لا أعرف تعليق الإسبان على هذه الفكرة.. لكننى أظن أن أحدًا لن يعلق من الأساس.. أما لدينا فأنا متأكد من أن ردود الأفعال التى توقعتها كانت ستحدث حرفيًا.. تفاصيل الخبر تقول إن «بيدرو سانشيز» رئيس وزراء إسبانيا دعا إلى التوقف عن ارتداء ربطات العنق فى الوقت الذى تواجه فيه البلاد موجة حارة، لأن هذا من شأنه أن يقلل من استخدام أجهزة التكييف وتوفير الغاز الذى تعانى بلاده وأوروبا كلها من أزمة فى توفيره..! سانشيز قال إن بلاده ستبدأ إجراءات عاجلة لتوفير الطاقة سعيًا لتوفير الغاز الذى تعانى أوروبا من أزمة فى توفيره! يقول تقرير البى بى سى أيضًا إن اليابان أطلقت دعوة مماثلة فى ٢٠١١ لتشجيع المواطنين على ارتداء ملابس خفيفة فى الصيف بهدف التقليل من استخدام التكييف وتقليل استخدام الطاقة.. إننى أضع هذه الأخبار أمامنا جميعًا كمواطنين، وأقول إننا جميعًا لا نعرف العالم حولنا بالقدر الذى يجب.. وأقول إننا غارقون فى أخبارنا المحلية من قمة الرأس حتى أخمص القدمين.. وأقول إن كثيرًا من هذه الأخبار تافه إلى حد الابتذال، وسطحى إلى حد الإهانة.. وأقول إن المصرى بشكل عام «قطته جمل»، وهو مثل كانت تصف به والدتى من يضخم معاناته أو يبالغ فى شكواه.. لا أزايد على آلام الناس لكننى ألفت النظر لشيئين.. أولهما أن الأزمات تحدث فى العالم كله وأنها بطبعها مؤقتة وعابرة.. وثانيهما أن لجان الدعاية السوداء تتاجر بالمشاكل وتستغل الناس فتزيد واقعهم سوءًا وسوادًا، بينما أعضاء هذه اللجان يقيمون فى الفنادق المكيفة فى أوروبا وآسيا.. إن خبرًا مثل هذا يقول لنا إن العالم كله يعانى أزمة طاقة ضاعفها ارتفاع درجات الحرارة، وهى أزمة ستنتهى بنهاية الصيف وعمرها كله أسابيع.. نحن نعانى والدول الأغنى منا تعانى والدول الأغنى من الأغنى منا تعانى.. قد يقول لى قائل.. ألم تكن من الذين اعترضوا على تصريح رئيس وزراء الإخوان حين نصح الناس بارتداء ملابس قطنية؟ سأقول لك فى الحقيقة لا.. أنا كنت معترضًا على وجود رئيس الوزراء نفسه.. كان بالنسبة لى رئيس وزراء غير كفء يعمل مع رئيس غير كفء لخدمة جماعة غير شرعية.. ومع ذلك فإن فكرة ارتداء ملابس قطنية فى الصيف فكرة منطقية وممتازة، وأى إنسان مهما كانت درجة ضعفه يمكن أن يقول فكرة جيدة.. حتى المجانين فى الشوارع ينطقون أحيانًا بعبارات تصلح حكمًا وأمثالًا.. مع الوضع فى الاعتبار الاختلاف الجذرى فى الوضع.. لدينا الآن محطات عملاقة تشكو من نقص طارئ فى الوقود الذى تعمل به.. تمامًا كما ينفد بنزين سيارة مرسيدس لأى سبب.. سيأتى صاحبها بالبنزين بعد وقت قليل وستدور السيارة.. لا أقلل من معاناة الناس ولا أعفى المسئولين، لكننى أطالب بأن ننظر أكثر للعالم من حولنا، وألا نحول معاناتنا لسلعة فى سوق الدعايات السياسية الرخيصة.. أدعو الناس ألا يهزموا أنفسهم بأيديهم ثم يندمون بعد ذلك.