رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفتي: الهجرة كانت اختيارًا ربانيًا لبناء مجتمع على أساس من التكافل والتآخي والتعايش

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الهجرة النبوية تعد من أعظم أيام الإسلام على الإطلاق، مشيرًا إلى أن الهجرة لم تكن مجرد انتقال للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من مكان إلى مكان بل هي مرحلة فارقة في تاريخ دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فهي مرحلة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية والعالم أجمع.

وأضاف علام، اليوم الأربعاء، أن الهجرة المشرفة هي بمثابة انتقال لتأسيس مجتمع جديد ينعم بممارسة حريته الدينية وبتشييد روابط الأخوة الدينية بين المؤمنين وأيضًا بتأسيس دستور التعايش السلمي بين المؤمنين وغيرهم، مجتمع ترتفع عن رقاب المؤمنين فيه قيود القهر والظلم ويتنفسون فيه نسائم الحرية التي كانوا يشتاقون إليها.

وأوضح أن الهجرة النبوية كانت درسًا للمؤمنين في إجلال سنن الله وتعظيمها، والصبر عليها، ودليلًا على أن الرسالة المحمدية رسالة إلهية، وليست عملًا إصلاحيًا خاضعًا للتقديرات البشرية؛ مؤكدًا أنها كانت وفق مقاييس البشر فرارًا من أرض قد استمرت الدعوة إلى الله فيها ثلاث عشرة سنة، ولم يكن من المنتظر أن تنتهي بمفارقة تلك الأرض إلى أرض لا عهد للمهاجرين بها، لكن خروجه ﷺ من موطنه بعد تلك السنوات كان إرشادًا لأصحابه الكرام والأمة من بعدهم أن تحركه في دعوته كان خالصًا لله، فلما أجرى الله عليه سنة الابتلاء بمفارقة الوطن والأهل والمال، صبر على ذلك محتسبًا راضيًا بقضاء الله، ليكون التسليم لمراد الله أعظم درس لهم يفتتحون به عهدًا إيمانيًا جديدًا.

ولفت مفتي الجمهورية إلى أن اصطحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في رحلة الهجرة المباركة؛ جاء تأكيدًا على معاني المشاركة والمؤازرة، واتخاذه دليلًا في طريق الهجرة، ولم يكن مسلمًا؛ تحريًا للأخذ بالأسباب من مصادرها، دون أن يكون اختلاف الدين مانعًا من موانع التكامل البشري، وانتهاء بوضع الأسس لمجتمع سوي، ومدينة فاضلة، تكون نموذجًا يحتذى به في تعايش العديد من العناصر المختلفة، دون إخلال بالقيم الثابتة.
وتابع المفتي أن نموذج الهجرة النبوية جعل من السعي الرشيد والنية الصادقة الخالصة لله مبدأ للتعامل مع أي متغير من المتغيرات الجارية في هذا الكون، مهما كان فيه من شدة ومعاناة، اقتداءً بالنبي ﷺ في استظلاله بظل العناية الإلهية في قوله لسيدنا أبي بكر: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40] فهو يذكِّر سيدنا الصدِّيق رضي الله عنه بمعية الله لكل من سلك سبيل الرشاد على هدى وبصيرة، وأن ذلك مستوجب لسكون النفس؛ لأن استقبال السنن الكونية بمعية الله يفتح باب السكينة والصفاء، ويغلق أبواب الحزن والكدر.

وأضاف أن ثمرة الهجرة إلى المدينة المنورة بناء مجتمع سيصبح بذرة لدولة لها معالمها وقيمها الحضارية، مشيرًا إلى أن الهجرة اختيار رباني لبناء ذلك المجتمع على أساس من البذل والتآخي والتعاون والتكافل، ولم تكن قيمة الصبر- وهي أعظم القيم التي تحمَّل بها المسلمون أعباء الفترة المكية- كفيلة وحدها بقيام مجتمع جديد له قيمه المتميزة التي تمتد آثارها منه إلى بقية أرجاء الأرض.