رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصدق التام

المبالغة هى تضخيم الأمور بأكبر من حجمها والزيادة عليها، والتهويل من آثارها، ففي حياتنا اليومية تظهر المبالغة في الإنجازات والمعضلات والمشاكل اليومية بغرض جذب الانتباه، مثل تهويل الفرد في شعوره عن طريق المبالغة في تعبيراته العاطفية.

تُعتبر المبالغة أيضًا نوعًا من الخداع، كما أنها وسيلة للتمارض بتضخيم الإصابات الطفيفة، 
وتُعتبر المبالغة في صعوبة إنجاز هدف ما بعد الحصول عليه شكلاً من أشكال المبالغة المعرفية.. 

لكن أن نأخذ منهج الصدق ونلتزم بقول الحق وحده مهما كلفنا الأمر فإن هذا يعد مقياسا للنضوج والتمثل بالله الصادق، سبحانه وتعالي، لذا من بين الصفات الجميلة التي يمكن للإنسان أن يتحلى بها يأتي الصدق في مقدمتها.

فالصدق في القول والفعل، وحتى في التعبير عن المشاعر، يجعل الشخص يشعر بالطمأنينة في كل ما يقول ويفعل، وسنتناول هذا الموضوع الهام "الصدق التام" من خلال النقاط التالية:

أولًا: الصدق يدعم احترام النفس.. ثانيًا: الصدق لا يبحث عن القبول.. ثالثًا: الصدق يعني عدم الالتفاف حول الموضوع.. رابعًا: الصدق سمة الإنسانية.. خامسًا: الصدق يُظهر شجاعتك ويدعم الثقة بالنفس.. سادسًا: الصدق يُظهر مدى نضجك وقبولك لذاتك.. سابعًا: الصدق يحافظ على صحتك الجسدية والنفسية.

كما أن الصدق يعد أفضل شيء يمكن للإنسان أن يمارسه، فلا يوجد شيء يضاهيه في الفخر والقيمة. فالكذب قد يبدو مزينًا، لكن الصدق يبدو عاريًا. ويبرز الصدق في المحافل بكل بساطة، بينما لا يمكن للكذب أن يختبئ خلف ألف ستارة. إن الصدق هو نتاج كرم الطباع والشخص الصادق يشعر بالخجل إذا اضطر للكذب.

إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله تعتمد على كلمة الصدق وصحيفة الصدق وشعار الصدق. فالحق هو ما يجعلنا نعيش، وليس الخبز وحده هو الأساس. ولا يوجد شيء يستحق البكاء من الإنسان أكثر من خطيئته.

إذا أردنا أن نحصد الثقة والأمانة فعلينا أن نزرع الصدق والرصانة. فالصدق هو العز، والباطل هو الذل.

لذا، يجب أن نحرص على أن نكون صادقين في تعاملنا مع الآخرين وفي أقوالنا وأفعالنا. يجب علينا أن نعلم أطفالنا الصدق قبل أن نطلبه من الآخرين.

أيضا الصدق لا يبحث عن القبول، فليس من الضروري أن يكون كلامنا مقبولًا، ولكن الضروري أن يكون صادقًا. يجب علينا التعبير عن مشاعرنا وأفكارنا بصدق وصراحة، لذا لنزرع الصدق في حياتنا، ولنتحلى بالوفاء والصدق في تعاملنا مع الآخرين، قال السيد المسيح:
"وأيضًا سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث، بل أوْف للرب أقسامك وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتّة، لا بالسماء لأنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه.... بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرّير"، الإنجيل بحسب البشير متى، الإصحاح الخامس، آيات [33-35و 37].

"كرسىُّ الله": السماء ترمز لوجود الله نظرا لسموها وارتفاعها، فتناسب سموه.
"موطئ قدميه": الأرض والأرضيات أدنى من السماء، لذلك دُعيت موطئا لقدمى الله.
ولا نستطيع أن نحلف بأي شىء فنحن لا نملك أي شيء في العالم، بل نحن وكلاء عليه
"نعم نعم، لا لا": أي لا نستخدم القَسَم، ونعلن الحقائق أو موافقتنا على ما يقوله الآخرون بكلمة نعم، أو النهى ورفض ما يناسبنا بكلمة "لا"، دون الحاجة لإثبات ذلك بكلمات القَسَم.

"من الشرير": أي أن استخدام القَسَم هو من عمل الشيطان الشرير، فهو الذي أوجد الكذب والغش، ويدعو الناس للقَسَم إثباتا لكذبهم.. إن اسم الله أسمَى من أن نتعامل به في الأمور المادية العالمية.
منع القَسَم يضبط الغضب، حتى لا يتمادى إلى قرارات ملزمة، وهناك خطأ شائع، فالقسم ليس دليلا على الصدق، بل يستخدمه الأشرار في الكذب للوصول إلى أغراضهم.

كذلك الصدق سمة الإنسانية، وللصدق رائحة لا تُشم بالأنوف، ولكن تُحس بالقلوب. إذا كان هناك سر للسعادة الزوجية، فهو ألا تخلد إلى النوم وفي صدرك شيء تجاه شريكك.

إذا ما كان الصدر صافياً نقياً، انسابت منه المشاعر بصفاء وصدق، وما صفا صوت العود إلّا لخلو جوفه. ازرع الصدق والرصانة تحصد الثقة والأمانة.
الوفاء والصدق يجلبان الرزق .الصدق في الغضب. ازرع الصدق والرصانة تحصد الثقة والأمانة.

الصِدق موجود والكذب اختراع. حفظ السِّر من صدق الوفاء.

والصدق يعني عدم الالتفاف حول الموضوع.. ومن علامات الصدق أن تكون كلمتك واحدة في الرغبة والرهبة، والطمع واليأس.. إذن عليك بالصدق ولو قتلك، واحذر صديقك إلّا الأمين. شيء رائع أن نعتاد في قولنا على كلمة الوفاء، ولكن الأروع من ذلك أن نعيش هذه الكلمة بكل جوارحنا، بقلوبنا، بكل ما نملك، ستصبح أحلى وأعذب.

وكم هو جميل أن أشعر بوفاء صديق لي، عندها سأمتلك الدنيا وما فيها. الحب الصادق في القلب الطاهر كزهرة في فصل الربيع لا يأتيها الصيف القاتل ولا يخدشها البرد القارس ولا يقصفها الخريف المدمر.

والصدق يُظهر شجاعتك ويدعم الثقه بالنفس.. ولو تحلينا بالصدق وصرنا في شجاعة وواثقين بأنفسنا لصارت الحياة أفضل.
عندما تكون صادقاً فهذا يدل على شجاعتك، والشجاعة ليست غياب الخوف؛ بل هي فعل ما تريده، على الرغم من خوفك، إذ يتطلب الأمر قدراً هائلاً من الشجاعة لتقول ما تشعر به ويتطلب الممارسة والصبر.
يتطلب الكذب كثيراً من الطاقة، إذ يجعل الكذب الشخص في حيطة من أمره طوال الوقت لإخفاء كذبته.

إن الكذب وإخفاء الأسرار يهدد ثقتك بنفسك، إذ إنك ستشعر بالتعاسة من الداخل؛ نظراً لعدم وجود سلام داخلي وعدم قبولك لذاتك.
والصدق يُظهر مدى نضجك وقبولك لذاتك، وغالباً ما يكون هناك جرح وألم مرتبطان بالصدق، إذ يجب على الشخص الناضج أن ينقل تعبيراً صادقاً بأسلوب يقلل من التأثير المؤلم عند الآخرين.

فبالصدق لم يعد لديك عبء الشعور بالذنب:

إن كثرة قول الأكاذيب يجعلك تحفر قبرك بيدك، لذا فمن البداية، لا تفعل هذا، وحافظ على شخصيتك نظيفة بالبقاء صادقاً في القول والفعل، وذلك لتجنب العواقب الناتجة عن الكذب.

والصدق يحافظ على صحتك الجسدية والنفسية:
نظراً لأن عدم الأمانة في علاقة ما يمكن أن تضر بصحتك، فمن المنطقي أن الصدق قد يحسنها.
إن التوتر الناتج عن قول الكذب والخيانة يؤدي إلى تدهور صحتك الجسدية، ويحذر مقال نشره المعهد الوطني للصحة العقلية من أن الإجهاد المزمن قد يؤدي إلى مشاكل في القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان، وكل هذا قد يسهم أيضًاً في الوفاة المبكرة.

أخيرًا..
إن الصدق هو حجر أساس في بنيان الكيان الإنساني الراقي، حيث يدعم احترام النفس ولا يهتم بالقبول أو الرفض، فرسالته أسمى من كل تقييم، ويدعم أخذ المواقف الشجاعة والثقة السليمة بالنفس، بل ويبرز النضج الحقيقي فيعود هذا كله بالنفع الجسدي والنفسي لصحة الإنسان.