رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيام الثورة والخلاص.. على جمعة: خشيت على مصر من حمامات الدم وقت حكم الإخوان لأنها كانت على شفا حرب أهلية.. و30 يونيو «من أيام الله»

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز مع الدكتور على جمعة خلال البرنامج

عالم وفقيه ومجدد، اختاره القدر فى أيام مصيرية ليذود عن دين الله ويسهم فى الدفاع عن مصر وأهلها، فقال كلمته فى لحظة فارقة، رافضًا حكم الجماعة الإرهابية وسوء إدارتها لشئون البلاد والعباد، وابتداعها فى الدين ومنهجها فى الكذب باسم الله، فوضعته الإخوان على قوائم الاغتيال وحاولت قتله، لكن يد الله عصمته منها.

إنه الدكتور على جمعة، العالم الأزهرى ومفتى الجمهورية السابق، الذى تنشر «الدستور» جزءًا من حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، وشيئًا من شهادته على أيام حكم الجماعة الإرهابية ومنهجها وطرق إدارتها لشئون الدولة، أيام حكم رئيسها المعزول محمد مرسى، بالإضافة إلى أسباب توقعه زوال حكم هذه الجماعة بعد وقت قصير، وهو ما تحقق بالفعل على يد الشعب المصرى، يوم ٣٠ يونيو، الذى يصفه بأنه «يوم من أيام الله»، فرق الله فيه بين الحق والباطل. 

■ بداية.. لماذا قلت إن ٣٠ يونيو يوم من أيام الله؟ 

- ربنا سبحانه وتعالى قال فى القرآن «وذكرهم بأيام الله»، وفى وجهة نظرى فإن الأيام الفريدة التى نصر الله سبحانه وتعالى أمة من الأمم هى من أيام الله، وأهل التفسير لا يعترضون على هذا، وكنت أقول هذا الكلام فى خُطبتى أيام الجمعة.

وأيام الله هى التى نتحرر فيها من الجهالة والضلالة والتجارة الرخيصة باسم الدين، ومصر ليست دولة صغيرة ومحاطة بالتحديات، وقد رأينا الأمثلة العظيمة حولنا فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وهذا ليس وهمًا.

لذلك أعتبر ذلك يومًا فارقًا بين الحق والباطل، وأعتبره من التوفيق الإلهى، الذى ألقى فى قلوب الشعب هذا الحراك وهذا الخروج غير المسبوق؛ لأن يوم ٢٥ يناير لم يكن كذلك، وتداخلت فيه الأوراق كثيرًا، ولكن ٣٠ يونيو كان هناك إجماع شعبى لا يقدر عليه إلا الله، «وألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا» والله هو الذى ألف بين قلوب الشعب.

وأريد أن أذكر أنه فى يناير ٢٠١٣ كنت فى منصب المفتى، وكنت فى رحلة علمية لحضور الفعاليات الدينية فى أمريكا، وكنا عبارة عن وفد نمثل مصر، وفوجئت بدعوة من الكونجرس لجلسة للاستماع والاطمئنان على الأوضاع المصرية.

وعندما سألنى أحدهم، وكان عدد الحاضرين لا يزيد على ٧ أفراد، فى إحدى غرف الكونجرس الجانبية، كيف الأحوال بعد وصول الإخوان إلى الحكم؟ وكانت على وجهه علامات الفرحة بوصولهم للحكم، وقال لى: هما ماشيين كويس والشعب مبسوط منهم؟، فأجبت: لا.. الشعب غير راضٍ وهما مش ماشيين كويس.

وقلت لمن سألنى: أعط أتوبيسًا لسائق لا يجيد القيادة فماذا ستكون النتيجة المتوقعة؟ «حادثة»، وفيه احتمال إن الناس تقوم، وفى عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك كنا ماشيين ببطء، لكن العربية كانت ماشية، والرئيس كان عارف يسوق بس ببطء لكن العربية شغالة، هنوصل متأخر بس هنوصل، لكن حاليًا الراجل «مرسى» مش عارف يسوق، ولا بد أن يصطدم بالشجرة، فقال لى: متى سيصطدم؟ قلت له: ٦ أشهر، ومرت الأيام وزال حكم الإخوان بعد ٦ أشهر من الحديث.

وعندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم وأجاد فى إدارة البلاد بالمقتضيات التى كان يريدها الشعب المصرى، وفى هذا الوقت زارنى الشخص الذى سألنى فى الكونجرس، وبحث عنى ليسألنى كيف تنبأت أنه بعد ٦ أشهر سينتهى حكم الإخوان؟ وهل ذلك عن معلومات أم عن استنباط أم أمنية؟ وعندما اجتمعت معه قلت له إننى أخبرته قبل ذلك بأن إعطاء القيادة لشخص لا يعرف القيادة سيؤدى لحادثة، وهذا ترتيب منطقى للأشياء، لكن الرئيس السيسى يعرف كيف يقود دولة بحجم مصر، فقال لى: يعنى مفيش يونيو تانى؟ قلت له: لا، وهذا الحديث كان فى عام ٢٠١٥.

■ هل استنبطت سقوط الإخوان من التجربة العملية لهم خلال سنة من الحكم؟

- سأسرد قصة تفيد بالإجابة، فى يوم من الأيام كنت أنا وبناتى نقطن فى مكان واحد بمدينة السادس من أكتوبر، وقمت ببناء مسجد على بعد خطوات، وأقوم بالخطبة فى هذا المسجد، ووجدت فى مرة أن رئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، تتصل بى، لكى تترجانى أن أقوم بأداء صلاة الجمعة معه فى الجامع الأزهر، ولكن هذا ليس من البروتوكول المتبع من قِبل رئاسة الجمهورية، وكان فى العهد السابق للرئيس مبارك يتم الترتيب لهذا الموعد قبلها بـ١٠ أيام، فاعتذرت لأنهم يجب أن يخبرونى قبلها ولالتزامى بأشياء أخرى.

يومها فوجئت بمحمد مرسى يتصل بى ويترجانى، وسأظل أترحم عليه لأبين للناس أننا أعلم منهم دنيا ودين، وكان يتحدث معى بأدب وبطريقة فيها «ترجٍ» كى أصلى معه، وهذا ليس شغل دولة، فوافقت ودبرت خطيبًا ليخطب مكانى بالمسجد، وذهبت للصلاة معه فأجلسنى عن يمينه وشيخ الأزهر عن يساره، وهذا يدل على أنه لا يفهم، لأن شيخ الأزهر هو شيخ الإسلام، ويجب أن يجلس على اليمين، وأنا كمفتٍ أكون على اليسار، وهذا يدل على أنه لا يعرف شيئًا.

وبعد أن خطب وزير الأوقاف فى عهد الإخوان خطبة الجمعة وجدت مرسى يقول لى: «أى شىء تراه لمصلحة البلاد والعباد دلنى عليه»، فقلت له: «حاضر.. هنتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، ولكن كيف أتصل بك؟»، فوجدته قد صمت ويفكر ولم يعطنى رقمه، ثم جاء محمد رفاعة الطهطاوى، رئيس الديوان وقتها، وأعطانى رقم مرسى، لكنه قام بتبديل الأرقام بخفة يد، وهذا لا يجوز، ويخفى وراءه ما يخفى، وهو أننا نتعامل مع جماعة غريبة ليس لها علاقة بمصالح البلد، ولكنهم يتحدثون فى شىء آخر.

وخلال سفرى لأداء مناسك العمرة، تقابلت مع داعية سلفى كان ذاهبًا لأداء العمرة وأخبرنى بأن مرسى يتصل به يوميًا ويبكى، ويقول له إن الحمل صعب عليه، وكان يعظه حتى يخفف عنه نوبة البكاء، وهذا ليس حكاية دولة، ليس لأن رئيس الدولة كثير البكاء، ولكن لأنه «ليس هكذا يا سعد تورد الإبل»، فأبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، علمونا أشياء غير ذلك.

وذات يوم، فوجئت باتصال من المطار يخبرنى بأن هناك شحنة قادمة باسم دار الإفتاء المصرية، وأرسلت مندوبًا لتسلمها، وعندما أحضرها وجدت عليها كلمة «رئاسة الجمهورية» بين قوسين، ومن باب البروتوكول لم أفتحها، واتصلت بالرقم الذى أخذته من رئيس ديوان مرسى فوجدته خطأ، فعاودت الاتصال على الرقم القديم الخاص بالرئيس الأسبق حسنى مبارك بقصر عابدين، فرد على محمد رفاعة الطهطاوى، رئيس الديوان، وأخبرته عن الشحنة، فطلب منى إرسالها لهم، وحتى الآن لا أعلم ماذا كان داخل هذه الشحنة.

■ ألم تفكر يومًا فيما تحتويه هذه الشحنة؟ 

- لم أتعد حدودى فى أن أعرف ما بداخل الشحنة، ولكن ما الأمر الذى دعا رئاسة الجمهورية بجلالة قدرها لأن ترسل شحنة باسم دار الإفتاء، فهذا أمر مريب، ولكن العسكرى الملتزم بداخلى لم يسمح لى بفتحها، ولم أتلق إلى يومنا هذا إخطارًا بأنهم تسلموها أو حتى أن يقولوا: «شكرًا يا مولانا استلمناها».

وكانت قوات الصاعقة المصرية قد اعتادت على دعوتى للسحور فى رمضان، ووقتها وجدت الطهطاوى هناك، وقلت له: الرقم خطأ.. فصححه لى، وبعدها اتصلت به وسألته عن وصول الشحنة، فأكد أنها وصلت، فقلت له لماذا لم تخبرنى؟ ولكنهم ناس لا يعرفون شيئًا. 

■ لماذا تتحفظ بالترحم على مرسى؟

- أهل السنة لا يترحمون على المبتدع الذى ابتدع فى دين الله شيئًا خالفه، وتكوين الإخوان ابتداع من محمد مرسى وجماعته، لأن النبى عليه السلام لم يكوّن جماعات، ومن كوّنها فهو مبتدع، وإذا مات لا نترحم عليه، وترحمنا عليه هو فضل، لكننا لا نكفره لأن أهل السنة لا تكفر، ولكن نصفهم بأصحاب البدعية. 

وترحُمنا عليه حتى نُعلم أولادنا، ونقول لهم إنه مهما حدث اجعلوا فى قلوبكم الحب قبل الكره، والرحمة قبل القسوة، لأنه بالموت يكون الشخص قد أفضى إلى ما قدم.

■ متى ظهرت جماعة الإخوان على خريطتك الفكرية والميدانية؟

- جماعة الإخوان موجودة ونشأت سنة ١٩٢٨، وقد تخرجت فى الجامعة ١٩٧٣، والسادات خلال عامين أخرج جميع الإخوان من السجون، وبدأوا يظهرون على الخريطة، وبدأنا نتلقى كتب الإخوان وسيد قطب من لبنان والأردن والكويت، وكان الطلبة العرب الدارسون بمصر يحضرونها، ولشغفنا بالقراءة كنا نريد معرفة ما تحويه الكتب الممنوعة. 

■ ماذا رسخ لديك عن الجماعة؟

- الإخوان ضلوا الطريق، وقد أصبحوا جماعات، منها جيل حسن البنا، وكان منهم حسن التلمسانى وفيهم شىء من العبادة والذكر، فهم طيبون وأمناء لا يسرقون، ومنهم آخرون يمثلون التمرد فى الداخل ويتبعون سيد قطب ورأيه فى المجتمع الجاهلى بحذافيره، ويعتقدون أنهم ينشرون التوحيد من البداية ويعملون على إنشاء طائفة تحمى المؤمنين، وقد دخلنا معهم فى جدلية ضخمة؛ لأن هذا كلام مخالف لسنة النبى عليه السلام وما أمرنا به.

■ ما تفاصيل دعوة الإخوان لك للانضمام إليهم؟

- كان هناك واحد من جماعة الإخوان دعانى للانضمام إليهم، وقال لى: لا تهتم بكل «الغبش» المتواجد، لأنهم ليسوا على المنهج الصحيح، وتعالَ انضم إلى الجماعة، فقلت له: لا.. أنا لا أنضم إلى الجماعة، ليس لأن الإخوان جيدون أو سيئون، والجماعة نافعة أو غير نافعة، أنا لا أنضم إلى جماعة الإخوان لأن رسولى، صلى الله عليه وسلم، أمرنى بذلك، وبالتالى اعتزلت الفرق كلها.. فكيف أنضم إلى جماعة وأخسر بذلك أبا القاسم؟

قال لى هذا الشخص الإخوانى: أنت بذلك لا تريد أن تكون هناك جماعة للمسلمين، فقلت له: إن جماعة المسلمين موجودة بالفعل، لأنهم كانوا طيلة الوقت يعتبرون أنفسهم جماعة المسلمين وليسوا جماعة من المسلمين.

ورفضى الانضمام إلى جماعة الإخوان يستند إلى أرضية شرعية وفقهية، ومعى الدليل على ذلك، ولم يستطع الإخوان الرد على هذا الدليل. 

عندما رفضت الانضمام إلى جماعة الإخوان قالوا لى: وهل يجوز أن نترك المسلمين هكذا دون جماعة؟ فقلت لهم: ومن أخبركم بأن المسلمين بلا جماعة، فالجيش المصرى هو جماعة تحارب العدو تحت راية ليست عمومية، لكن الإخوان تحارب تحت راية عمومية لا نعرف مصدر تمويلها، ولا أين اتجاهها، ولا من تحارب، لكن الجيش المصرى عندما يحارب العدو دفاعًا عن الأوطان فهذا شىء واضح، ومعروف من أين جاء بسلاحه، لكن جماعة الإخوان لا ندرى عنها شيئًا، والرسول، صلى الله عليه وسلم، نهانا أن نحارب تحت راية العمومية.. وكان هذا موقفى من جماعة الإخوان منذ أن كنت فى العشرين من عمرى. 

■ ماذا كان رد فعلهم تجاه رفضك الانضمام إليهم؟ 

- عندما رفضت الانضمام إلى جماعة الإخوان اتهمونى بأنى رائد فى مباحث أمن الدولة، وأعطونى رتبة رائد، مع أنى كنت ما زلت فى العشرين من عمرى، أى لم أكن قد تخرجت بعد، طيب استنوا لما أتخرج.

وأنا ساعتها كنت لا أعرف أين مباحث أمن الدولة فى الخريطة، ولا ما معناها، وبدأت أسأل وقتها عما تعنيه مباحث أمن الدولـة فعرفت الكثير من المعلومات عنها، وتأكدت من ضلال هذه الجماعة.

وكنت أريد أن تتهمنى جماعة الإخوان اتهامًا حقيقيًا موجودًا بى بالفعل، لأنه عندما يهاجمنى أى شخص أنظر إلى نفسى وأتساءل: هل هذا الكلام بى؟، لا إنه ليس بى، إذن فهذا الشخص كاذب، لكن إذا كان هذا الكلام بى فإن ذلك إذن من الله- سبحانه وتعالى- بأن يقول هذا الشخص الحق، فألسنة الخلق أقلام الحق، وعندما لا تكون فىّ تلك الاتهامات أتأكد أن الله- سبحانه وتعالى- غاضب عليهم، لأنه أضلهم هذا الضلال، وكان ذلك فى عام ١٩٧٣.

■ عندما توليت دار الإفتاء فى عام ٢٠٠٣ كانت جماعة الإخوان موجودة على الخريطة السياسية بشكل كبير.. وكانت فى عام ٢٠٠٥ يمثلها ٨٨ نائبًا فى البرلمان.. وخلال الـ١٠ سنوات التى قضيتها فى دار الإفتاء ما هو شكل التقاطع بينك وبينها؟ 

- التقاطع بينى وبين جماعة الإخوان خلال العشر سنوات التى قضيتها فى دار الإفتاء يكاد يكون منعدمًا فى الظاهر، لكن حدثت حادثة فى الأزهر الشريف، وكنا فى المولد النبوى، وذلك بعد توليتى الإفتاء مباشرة، وجاء أحد الإخوان من الأرياف حتى يسألنى، وعلم أنى سأحضر ليلة الاحتفال بالمولد النبوى، فانتظرنى وهو متعب وجوعان، وعندما رآنى خارجًا، ومن حولى الناس، حاول أن يصل إلىّ، فلم يستطع من كثرة زحام التلاميذ حولى، ثم حاول التخلص من الزحام، لكن يده جاءت فى عينى، فاعتقدوا أنه يعتدى علىّ، وأمسكوه وضربوه «علقة موت». 

وحينها نزلت قطرات دم على عينى، وتم نقلى إلى الرواق، وبدأ الأطباء الحاضرون فى معالجتى، وتساءلت: من هذا الولد الذى ضربنى؟، فقالو لى: إحنا خدنا حقك، فقلت لهم: لا تضربوه، وجئت بالولد ووجدته «مغمى عليه» من كثرة الضرب، فنهرت من قام بضربه، وجعلت خطبة الجمعة المقبلة عن: «كيف تصبر على من آذاك»، وقلت إن كل شخص ضرب هذا المسكين عليه أن يتوب إلى الله، والنيابة جاءت، فقلت لهم: أنا لا أتهمه وأعفو عنه، وبالفعل بحثوا عن الولد واكتشفوا أنه صادق وليس وراءه شىء، وأطلقوا سراحه بناء على مسامحتى له. 

والإخوان فى ذلك الوقت اجتمعوا فى مكتب الإرشاد بالتوفيقية، وكانوا يقترحون أن يتصلوا بى لعمل كذا وكذا، فرد أحدهم وقال: «لأ.. ده الشيخ على جمعة بيضرب الناس فى الأزهر»، وعندما تم سؤالى عمّن ضربت فى الأزهر قلت: أنا لم أضرب ولكنى ضُربت، وكان ذلك على سبيل الخطأ، وحكيت لهم الواقعة، فأخبرونى أن جماعة الإخوان تقول إنها لا تريد التعاون معك، وبذلك كنت كل يوم أتأكد أن هذه الجماعة ضالة ومضلة.

■ ما تفاصيل قصة رفضك الدعاء على الإخوان فى أحد البرامج؟

- طلب منى إعلامى شهير فى أحد البرامج التليفزيونية الدعاء على الإخوان، وكان ذلك خلال عام ٢٠٠٧، فرفضت الدعاء عليهم خلال عملى مفتيًا للجمهورية، لأننى كنت حكمًا ولست خصمًا، فالشعب والإخوان يأتون إلىّ حتى أحكم بينهما وأبين لهما مَن على خطأ، ولا يجب أن أتدخل كطرف فى النزاع، لكن الإخوان أعداء الشعب المصرى، والشعب المصرى عدو الإخوان، وموقفى كان واضحًا تمامًا.

■ بعد ٢٥ يناير تغيرت الخريطة، ووجود الإخوان تغير، وتواجدت فى عدد من احتفالياتهم.. فكيف رأيت الإخوان وقتها؟

- رأيت الإخوان بعد ٢٥ يناير كأنهم كما يقال بالبلدى «عندنا جنازة وشبعوا فيها لطم»، فـ٢٥ يناير كانت بمثابة الفرصة التى جاءت للإخوان على الطبطاب بعد تسعين عامًا من كل الحواديت، خاصة أنهم خلال كل هذه السنوات كانوا يعملون على إفهام أولادهم بأن الله سيمكنهم وسينصرهم، لكن «فاضل على الحلو تكة»، وكانت ٢٥ يناير هى «التكة» التى جاءت للإخوان.

■ هل توقعت أن يصلوا إلى الحكم؟ 

- لم أتوقع أبدًا أن يصل الإخوان إلى الحكم فى يوم من الأيام، فقد كان يوجد الكثير من المتعاونين مع الأمريكان الذين يعرفون بأن الأمريكان يقفون مع الإخوان، ويعتبرونهم ورقة يلعبون بها لتحقيق مصالحهم فى المنطقة وعبر التاريخ، وبالتالى لم أتصور أبدًا أن يعرف الإخوان شيئًا، لأنى كنت مدركًا الخصال التى بهم، بأنهم ليسوا رجال دولة، ولا يعرفون أن يقودوا دولة.

■ أثناء الحملة الانتخابية عام ٢٠١٢.. كان الإخوان يصدرون فكرة أن «من ينتخب مرسى سيدخل الجنة»، وأن «مرسى هو مرشح الله».. فكيف رأيت ذلك؟

- الإخوان فى انتخابات ٢٠١٢ صنعوا جدلية مثل الجدلية التى صُنعت فى أمريكا بين الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى، وكان من يُجرى هذه المناظرة هو الإعلامى خيرى رمضان، الذى توجه بالسؤال إلى الفريق أحمد شفيق، وكان السؤال هو: ماذا تفعل لو أن مرسى فاز؟، فرد عليه الفريق أحمد شفيق، بقوله: سأهنئه ونتعاون على بناء الدولة ومصالحها.

وتوجه الإعلامى عماد أديب بنفس السؤال لمحمد مرسى، ليرد قائلًا: لن يكسب أحمد شفيق.. وإذا كسب يبقى هناك شىء خطأ.

وعندما استمعت إلى حديثهما قلت فى خطبتى: أحدهما قال إن شاء الله وهو أحمد شفيق، والآخر لم يقل وهذا خطأ، فإذا كان مرسى متأكدًا إلى هذا الحد من فوزه، ألا توجد جملة «إن شاء الله؟!»، ولنفترض بأن الله- سبحانه وتعالى- رتب ترتيبًا آخر، هل ستعمل له عنفًا؟ أم ماذا كنت ستفعل؟ وبالتالى كان موقف مرسى سيئًا. 

وبعد خطبتى، التى ولّعت الدنيا، لأنها كانت مذاعة على قناة CBC، اتصل بى أحد المنتمين إلى جماعة الإخوان الذى تبرأ منهم بعد ذلك، وقال لى: موعدنا يوم القيامة وأنا خصيمك أمام الله، فأرسلت له قائلًا: «إن شاء الله.. وأنا خصيمك أمام الله»، هذا المنتمى إليهم لا يريدنى حتى أن أقول لهم يا جماعة قولوا: إن شاء الله. 

■ عندما أُعلنت النتيجة وأصبح رئيس مصر من الإخوان.. ماذا كان رد فعلك بعد معرفتك بالنتيجة؟ 

- شعرت بالخوف على البلد من حمامات الدماء بعد وصول الإخوان للحكم، وأيقنت أننا بدأنا مرحلة صعبة، سيكون بها حمام غير مسبوق من الدم، لأن الإخوان سيقتلون كل من ليس معهم.

وقد حدثت أشياء مخزية فى الحقيقة، وقد كنت وقتها فى دار الإفتاء عندما حدثت مجزرة بورسعيد الخاصة بكرة القدم فى فبراير ٢٠١٢، التى حكم فيها بعد تولى الإخوان الحكم، وجاءنى الحكم فى دار الإفتاء للتصديق عليه، وكان شكل القضية غريبًا وحولها علامات استفهام.

ووقتها، اتصلت بمرسى، رحمه الله، وقلت له: يا ريس فيه حاجة غريبة وأنا لا أعرف ماذا أفعل فيها.. هذه الحادثة ليست طبيعية، وليست متسقة فى الكلام، ولا فى الأحكام، فقال لى: استنى عليا شوية.. لأنه لا يعرف شيئًا حول هذه المسألة، وأنا لا يجوز أن أعطلها أكثر من ١٠ أيام، لأن القاضى سيحكم.

وكل هذه المواقف كانت تؤكد لى أن جماعة الإخوان لن تنفع فى إدارة الحكم، وبالتالى كان انطباعى الأول بعد إعلان فوز مرسى برئاسة مصر انطباعًا سيئًا للغاية، فقد شعرت بالهم والغم، لأن البلد على شفا حرب أهلية، ومصر لم تعرف الحرب الأهلية فى تاريخها، لكنها كانت على وشك الانخراط فيها بسبب الإخوان، والحرب الأهلية ستكون قاسية جدًا فى مصر لو لم يتدخل الجيش، ومتى تدخل الجيش سيكون الشعب معه، وبالتالى فإن الإخوان لا يعرفون كل هذه الحقائق، لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الواقع.