رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفحات الغش والتسريب.. ظاهرة خطيرة تهدد نزاهة الامتحانات وجودة التعليم

الثانوية العامة
الثانوية العامة

تواجه وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، تحدي الغش الإلكتروني للامتحانات والذي يهدد نزاهة الامتحانات وجودة التعليم، وينعكس بالسلب على مستوى الطلاب ومستقبلهم، كما يضر بالمجتمع والاقتصاد بشكل عام، فأصبح ظاهرة خطيرة ومعقدة، تُستخدم فيها تقنيات متطورة ووسائل رقمية؛ لتسريب الأسئلة والأجوبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة.

 

"الدستور" تواصلت مع عدد من الخبراء المعنيين بهذا الأمر، لتوضيح مدى انتشار هذه الظاهرة بين الطلاب، ولتقديم أيضًا بعض الحلول والمقترحات للحد منها.
 

خبير أمن المعلومات: يجب الاعتماد على برامج تكنولوجية تحمي من قرصنة الامتحانات

يبدأ المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات، حديثه مع "الدستور"، موضحًا أن ظاهرة الغش الإلكتروني هي استخدام التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية للغش في الامتحانات والاختبارات، وتتضمن الطرق الشائعة للظاهرة، تسريب الأسئلة والإجابات، باستخدام الهواتف الذكية والبرامج الإلكترونية في الحصول على الإجابات، وعادة ما يتم تسريب الامتحانات من خلال عمليات قرصنة البيانات، حيث يتم الحصول على نسخ من الأسئلة والإجابات من قاعدة بيانات المدرسة أو من المواقع الإلكترونية التي تقدم الامتحانات.
 


وينوّه "الجمل" إلى ضرورة استخدام برنامج FIREWALL كوسيلة للحفاظ على البيانات، والحماية من تسريب المعلومات، ولكن قد يتم أيضًا تسريب الأسئلة والإجابات من قبل المدرسين أو الموظفين الذين يعملون في المدرسة، والذين يمكنهم الحصول على هذه البيانات بسهولة تامة، بالإضافة إلى ذلك، يستطيع بعض الطلاب أن يستخدموا الأجهزة الإلكترونية المختلفة خلال تأدية الامتحانات، وبالأخص البرامج الإلكترونية الخاصة بالترجمة أو الحساب أو البحث عن الإجابات؛ للحصول على إجابات سريعة ودقيقة.

ومن أجل منع الغش الإلكتروني، يوضح: "يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل الكشف عن الوجه والصوت للتحقق من هوية المتعلم، وتأكيد أنه لا يستخدم أجهزة إلكترونية غير مسموح بها خلال الامتحان، وهناك برامج إلكترونية مضادة للغش، منها "Safe ExamBrowser" و"ProctorU" و "Respondus Lockdown Browser"، والتي تعمل على منع الطلاب من الوصول إلى المواقع الإلكترونية غير المسموح بها أثناء تأدية الامتحانات.

ويؤكد خبير أمن المعلومات، على ضرورة توفير دورات تدريبية للمدرسين والطلاب على كيفية تجنب الغش الإلكتروني وتعزيز النزاهة الأكاديمية، من خلال استخدام الأدوات التكنولوجية المضادة للغش وتحليل البيانات للمدرسين؛ لمساعدتهم في اكتشاف الأنماط غير الطبيعية في أداء الطلاب، كما يجب تحديث سياسات الامتحانات بشكل دوري، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة والتحديات الجديدة في مكافحة الغش.

وفي ختام حديثه، يحث "الجمل" بأهمية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك الطلاب وكشف أي نشاط غير مشروع خلال الامتحانات، وتطوير أجهزة الكشف عن الأجهزة الإلكترونية غير المسموح بها واستخدامها خلال الامتحانات، وتطوير برامج تحليل النصوص الإلكترونية؛ للكشف عن النسخ واللصق والتعديل في الأسئلة والإجابات.
 

أستاذ علم النفس التربوي: الأسرة لها دور كبير في زيادة انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني

ومن جانبه، يقول الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، إن أسباب انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني تعود إلى عزوف الطلاب عن التعلم، وعدم وجود ما يستثير فضولهم ويلفت انتباههم في الموضوعات المقررة عليهم، فضلاً عن التربية غير الصحيحة من قبل الأسرة، واتباع أساليب تنشئة اجتماعية مثل التدليل الزائد والحماية الزائدة والتسلط، والتي تشعر الطالب بفقدان ثقته بنفسه وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، وعدم الرغبة في بذل أي جهد لتحقيق طموحاته.

ويشير "حجازي" في حديثه لـ "الدستور"، إلى أن فقدان الهدف والدافع لدى الطالب، يجعله يائسًا بشأن تحصيل أي إنجاز دراسي في حياته، وقد يكون من ضمن أسباب الغش أيضًا معاناة الطالب من مشكلات تعليمية مثل صعوبات التعلم والتأخر الدراسي، وعدم قيام المدرسة بدورها التربوي في اكتشاف هذه المشكلات وعلاجها، وبالتالي يلجأ الطالب مضطرًا إلى الغش.

ويضيف: "بعض المعلمين يشجعون للطلاب على الغش في بعض المراحل التعليمية لأي سبب من الأسباب، كالانتهاء مبكرًا من اللجنة والانصراف من المدرسة أو بدافع تعزيز الدروس الخصوصية أو غير ذلك من الأسباب، بالإضافة إلى غياب التربية الوجدانية والأخلاقية والأنشطة، التي تعزز القيم الإيجابية وتحارب الانحراف والسلوكيات الفاسدة".

ويؤكد الخبير التربوي، أن الأسرة التي تطالب الابن بالحصول على مجموع يفوق قدراته، تدفعه بشدة نحو الغش لتحقيق ما تطمح إليه، بجانب أن النظر من قبل الأسرة والطالب إلى الشهادة على أنها سباق وفرصة يجب اغتنامها بأي وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة، والتحرر من القيود الأخلاقية والالتزام الديني أثناء هذا السباق، مع إيجاد مبررات غير منطقية والتمسك بها لتخفيف الضغوط، مثل عدم قيام المدرسة بدورها وغير ذلك من المبررات الواهية، تخلق فرصًا كبيرة لزيادة انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني في مصر.

وينوّه "حجازي" إلى أن من ضمن أسباب انتشار الغش الإلكتروني، هو عدم وجود رقابة أسرية كافية على أنشطة الطلاب عبر الإنترنت والمواقع والمجموعات، التي يشتركون فيها ويتابعونها طوال الوقت، حتى يصبحوا فريسة لجروبات نشر وتسريب الامتحانات.


أما عن الحلول الممكنة لمواجهة الظاهرة، يقول: "الاهتمام أولًا وقبل كل شيء بعودة الدور التربوي المتكامل للمدرسة، حتى تكون بيئة جذابة للطلاب يمارسون فيها الأنشطة المختلفة ويشعرون فيها بمتعة التعلم، بالإضافة إلى العمل على اكتشاف المشكلات التعليمية التي يعاني منها الطلاب، وتقديم كافة جوانب الرعاية اللازمة لهم؛ لتجاوز هذه المشكلات وتحقيق النجاح".

ويتابع: "يجب أيضًا الاهتمام بالتربية الأخلاقية والدينية والوجدانية من خلال تطوير مناهج التربية الدينية والوطنية، والعمل على وجود أنشطة متنوعة يشترك فيها الطلاب وأولياء الأمور؛ لمحاربة الغش والتوعية بخطورته، بجانب توعية الأسرة والطلاب بمجالات النجاح والتفوق المتعددة، وأن النجاح الحقيقي هو اكتشاف قدرات الفرد واستثمارها وإعطائهم فكرة عن مجالات العمل الحديثة، وأن لكل مجموع ما يناسبه من تخصصات".
 

وفي ختام الحديث، يوجه الخبير التربوي بضرورة تشديد الإجراءات الرقابية على كافة مراحل إعداد الامتحانات وأدائها مع الحرص على عدم تداول أي معلومات تتعلق بالامتحانات عبر الوسائط الإلكترونية، فضلًا عن تشديد العقوبات الجنائية والإدارية على كل من يثبت تورطه في أعمال الغش، سواء من الطلاب أو أولياء الأمور أو المعلمين.
 

خبير إلكتروني: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في كشف حالات الغش الإلكتروني

يقول الخبير الإلكتروني، محمد حسين، في حديثه لـ "الدستور"، إنه مع بدء امتحانات الثانوية العامة في مصر، تزداد المخاوف من انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني بين الطلاب، والتي تستخدم فيها أجهزة وتطبيقات تكنولوجية للحصول على الأسئلة والأجوبة قبل أو أثناء الامتحان، وقد شهدت السنوات الأخيرة حالات عديدة من التسريب والغش عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة والسماعات الصغيرة وغيرها من الأدوات.
 

ويوضح: "رغم إجراءات وزارة التربية والتعليم التي تنفذها لمكافحة هذه الظاهرة، من بينها تطبيق نظام الامتحانات الإلكترونية على أجهزة (تابلت) مُتصلة بشبكة داخلية، وإغلاق المجموعات والصفحات التي تروج للغش على الإنترنت، واستخدام العصا الإلكترونية للكشف عن وجود أي أجهزة ذكية مع الطلاب داخل اللجان، إلا أنها لم تمنع بعض الطلاب من محاولة الغش بأساليب مبتكرة، مستغلين التطور التكنولوجي والثغرات في النظام".

ومن أجل التصدي لأزمة الغش الإلكتروني بوسائل تكنولوجية حديثة، يؤكد الخبير الإلكتروني، أنه يمكن اتخاذ عدة إجراءات وخطوات، مثل الاستفادة من برامج ومنصات إلكترونية متخصصة في تنظيم ومراقبة الامتحانات عن بعد، مثل Proctorio وExamity، والتي تستخدم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والكاميرات الرقمية والخوارزميات؛ لمراقبة سلوك الطلاب والتحقق من عدم استخدامهم لأي وسائل غير مسموح بها.


ويضيف: "يجب أيضًا تثبيت وحدات شوشرة إلكترونية داخل أماكن الامتحانات، لمنع أي تواصل إلكتروني خارجي لشبكة الإنترنت، أو تشويش الإشارات اللاسلكية، بجانب تثبيت كاميرات مراقبة داخل اللجان؛ بهدف التدخل في حالة اكتشاف أي محاولة للغش، وتصميم اختبارات متعددة ومختلفة لكل طالب أو مجموعة من الطلاب، واستخدام بنوك أسئلة كبيرة ومتجددة، وتغيير ترتيب الأسئلة والخيارات في كل اختبار، وتحديد زمن محدد لكل سؤال أو اختبار".


ويختتم "حسين" حديثه، مشيرًا إلى دور مباحث الإنترنت في مكافحة ظاهرة الغش الإلكتروني، وإغلاق الصفحات التي تعمل على تسريب الامتحانات، ولكن ذلك سينجح بشكل أكبر، إذ تم الإبلاغ عن هذه المنصات الإلكترونية فور تأسيسها، كونهم يستخدمون رموزًا مشفرة وحسابات مزيفة ومتغيرة؛ حتى يصعب الوصول إلى شخصياتهم الحقيقية.

استشاري قانوني: الصفحات الوهمية تستغل جهل الطلاب إلكترونيًا وتنصب عليهم في العلن

وفي هذا السياق، يوضح أيمن محفوظ، الخبير القانوني، أن انتشار صفحات الغش الجماعي علي صفحات التواصل الاجتماعي، وادعاء تسريب الامتحانات وخاصة الثانوية العامة، تُعد محاولة لاستهداف انهيار النظام التعليمي في مصر، ولكن هناك ضربات أمنية ناجحة تلاحق أصحاب هذه الصفحات المشبوهة طوال الوقت، كما يتم القبض على أغلبهم، ورغم ذلك هناك إصرار كبير على الاستمرار في مواصلة هذه الممارسات الإجرامية.

ويؤكد: "تُعد هذه الظاهرة مجرمة طبقًا للقانون رقم 101 لسنة 2015، في شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات المعدل بالقانون رقم 73 لسنة 2017، والذي يعاقب على التسريب الجماعي للامتحانات بالسجن والغرامة، تصل إلى سبع سنوات، والحبس أيضًا لمحاولات الغش من قبل الطالب أو حيازته للأدوات الإكترونية للغش من هواتف محمولة أي كانت صورها أو أشكالها، ويعاقب المتهم بالشروع في هذه الجرائم بالحبس لمدة سنة والغرامة، مع مصادرة أدوات الغش المضبوطة، وذلك خلافًا عن العقوبات الإدارية من حرمان الطالب من الامتحان لمدة معينة أو الحرمان النهائي من التعليم لمدة تحددها الجهة الإدارية".
 


ويضيف: "يتم أيضًا معاقبة المتهمين بالغش الجماعي أو الفردي بجريمة سوء استخدام الإنترنت، طبقًا للقانون رقم 175 لسنة 2018، والذي يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من أنشأ أو ساهم في إنشاء مواقع على شبكة معلوماتية، تهدف إلى الترويج لارتكاب أية جريمة من المنصوص عليها فى قانون العقوبات، أو أي من القوانين الخاصة".

يشير الخبير القانوني، إلى أن النصب يعتبر إحدى أساسيات ظاهرة الغش الإلكتروني، حيث تعرض بعض الصفحات الإلكترونية امتحانات مقابل المال أولًا، وبمجرد أن يحصل أصحابها على الأموال من الطلاب، يختفون تمامًا ويبحثون عن ضحية أخرى، ويدفع الطالب الضحية الفضول أو رغبته في الحصول على الامتحان، ليقوم بتحويل مبالغ مالية من أجل الحصول على وهم الامتحان، ونجد أن المحصّلة صفر، لا يستفيد سوى صاحب الصفحة الوهمية.

ويستكمل: "يُعد النصب في ترويج الامتحانات عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، جريمة أخرى وتنضم لسجلات هذه الصفحات المشبوهة في إجرامها، طبقًا لنص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات، والتي تعاقب مرتكب هذه الجريمة بالحبس والغرامة لمده تصل إلى ثلاث سنوات".

ويختتم "محفوظ" حديثه مع "الدستور"، موجهًا نصيحته بضرورة توعية الطلاب وأولياء الأمر قانونيًا ودينيًا وأخلاقيًا، قبل الانسياق وراء صفحات تسريب الامتحانات المشبوهة، والتورط في جريمة مشتركة يعاقب عليها القانون المصري، وقد تتسبب في ضياع مستقبل العديد من الطلاب الشباب.