رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد باخموت.. إلى أين ستتجه روسيا وما سيناريوهات التصعيد؟

أشرف الصباغ
أشرف الصباغ

قال الدكتور أشرف الصباغ الباحث الأكاديمي فى الشأن الروسي، إنه بعد تسعة أشهر، وبعد مناورات إعلامية والإعلان عن تناقضات بين مقاتلي شركة "فاجنر" وبين قوات وزارة الدفاع الروسية، وبعد خسائر فادحة، أعلنت موسكو أنها استولت بشكل كامل ونهائي على مدينة "باخموت" في دونيتسك بشرق أوكرانيا ومع ذلك، تتردد أنباء متناقضة حول إمكانية قيام القوات الأوكرانية بتطويق باخموت من خارجها واعتماد "مبدأ الهجوم".

وأعلنت موسكو مس سيطرتها على مدينة باخموت بعد أشهر من القتال ضد الجيش الأوكراني، فيما أكدت كييف استمرار عمليات القتال.

وأوضح الصباغ فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن الجانب الروسي روج لـ "سردية باخموت" على غرار سردية "ستالينجراد" في الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا الترويج يتعلق بالرأي العام الداخلي وصياغة تاريخ الحرب الأوكرانية لدى الروس أنفسهم إضافة إلى ترويج السردية في الأدبيات الإعلامية لدى المناصرين للعملية العسكرية فى أوكرانيا وهذا أمر يتعلق بالبروباجندا والحرب الإعلامية لا أكثر، ولكن حقيقة الأوضاع تشير إلى مدينة مدمرة تماما، وإلى أنقاض وأطلال تشبه المدن الخربة في أفلام الخيال العلمي. 

وأضاف الصباغ، أن باخموت فقدت أهميتها التكتيكية منذ أغسطس عام 2022، عندما بدأت القوات الأوكرانية تستخدم بدائل لها في نقل الأسلحة والمعدات إلى مواقعها في شرق أوكرانيا، لأن القوات الروسية لم تستولي بعد بالكامل على أي من المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها إلى قوامها، وفي واقع الأمر، فهذه المدينة لم تكن أبدا استراتيجية ولكن الآلة الإعلامية الروسية تحديدا، بالغت في أهميتها لدرجة أنها أصبحت محور الانتصار الروسي ومجد الحرب وخطوة نحو تحرير الأراضي الروسية التي تحتلها أوكرانيا تاريخيا.

موسكو تتبع سيناريو إطالة الحرب والاستنزاف 

وأشار الصباغ، إلى أنه على الجانب الآخر، تواصل القوات الأوكرانية ضرباتها على كل المواقع الروسية في أوكرانيا، وعلى رأسها سيفاستوبول حيث المقر الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم كما تتواصل الضربات الأوكرانية على المدن الحدودية في بريانسكوبيلجورودوكورسك وكراسنودار وتتلقى كييف أنواعا مهمة من الأسلحة التي تمكنها بالفعل من تنفيذ هجمات موجعة للقوات الروسية، وإحراج الأسلحة التي تستخدمها روسيا حتى الآن.

وتابع “ولكن من الواضح أن موسكو تتبع سيناريو آخر تماما وهو سيناريو إطالة الحرب والانتقال إلى حالة استنزاف ليس فقط القوات الأوكرانية، بل والدول الغربية أيضا هكذا يتحرك هذا السيناريو الروسي بهدوء وبشكل تدريجي ولا شك أنه يأتي لموسكو ببعض النتائج المرضية لها على الأقل إعلاميا، ومن أجل إقناع الرأي العام الداخلي بأنها متفوقة، وأنها لا تبدد مواردها في الوقت نفسه ولكن لا أحد حتى الآن يعرف حجم الخسائر الحقيقي لا عند الروس ولا عند الأوكرانيين المهم هنا هو أن موسكو مقتنعة بأنها انتقلت إلى سيناريو الاستنزاف بدلا من أن كان هذا السيناريو يستخدم ضدها”.

وحول الرد الغربي على سيناريو الاستنزاف الروسي، قال الصباغ، أعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو بأن المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا ستتطور مع تطور الصراع وبما يكلف روسيا الكثير من الموارد وهذا يعني توريد أسلحة نوعية من حيث الخصائص والفاعلية والقدرات الضاربة إلى كييف وهذا يظهر في نوعيات الدبابات والقذائف الخاصة بها، وبالصواريخ البريطانية والفرنسية، وبمنظومات الدفاع الجوي "باتريوت"، وبمقاتلات "إف 16" التي يجري بالفعل تدريب الطيارين الأوكرانيين عليها منذ فترة.

وتابع: “الغرب بمكوناته الثلاثة (الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي) لا يتعجل إنهاء الحرب فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أعلن أنه يواصل فرض عقوبات نوعية موجعة ليس فقط للاقتصاد الروسي، بل وأيضا لمجال التقنيات الرفيعة والهيئات المالية والأمنية وتقوم الولايات المتحدة بفرض قيود تدريجية لتكبيل حركة روسيا وهذا يؤثر على القدرات الروسية بشكل ملموس وفعال، داخليا وخارجيا، بصرف النظر عن البروباجندا والحملات الإعلامية أي أن العقوبات الغربية المقبلة على موسكو تعمل على وضع أكبر قدر من المعوقات أمام العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وستجعلها أكثر تكلفة على كآفة المسارات حتى في حال انتهاء العمليات العسكرية على المديين المتوسط والبعيد”. 

سيناريوهات دخول الصين الحرب الروسية الأوكرانية

وأوضح الصباغ، أن روسيا تحاول جر الصين نحوها بشتى الطرق، سواء بتصدير النفط بأسعار زهيدة للغاية، أو بتقديم تنازلات في الشرق الأقصى لصالح التمدد السكاني والاستثماري الصيني، أو بمساندة الصين في قضاياها الخلافية مع الغرب، أو بدق الأسافين كلما استطاعت بين بكين وواشنطن هذا إضافة إلى إغماض موسكو عينيها عن التمدد الصيني في آسيا الوسطى، وشغل الفراغات التي تتركها موسكو، سواء في آسيا أو في أفريقيا، أو في مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق.

وقال الصباغ، إن الصين موجودة بقوة حاليا في كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وأذربيجان وتركمانستان، بينما ينسحب النفوذ الروسي تدريجيا من هناك لكن موسكو تسعى بكل الطرق إلى خلق نزاع أو صدام أيا كان نوعهما بين الصين والغرب وفي الحقيقة، هناك استجابات صينية بدرجات معينة أي أن بكين بدأت تتورط لأسباب كثيرة وبحكم أنها أصبحت القوة الثانية عالميا ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بما سيحدث خلال هذا العام من تطورات سلبية بين الصين والغرب.

وأكد الخبير في الشأن الروسي، أن الولايات المتحدة تعمل على تقييد النشاطات التجارية والاقتصادية مع الصين بدلا من من تبديد الوقت والجهد والموارد لإدارتها، هذا أولا، وثانيا، يجرى العمل على حماية التكنولوجيا الغربية الدقيقة عموما، والأمريكية على وجه الخصوص، من الصين وثالثا، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه لا يعمل على فك الارتباط الاقتصادي مع الصيني ولكنه يقلل من الاعتماد عليها وهو نفس المسار الذي بدأت الولايات المتحدة تعمل عليه أيضا.

هل تدخل الدول العربية الحرب؟

وأضاف الصباغ أن سيناريو الاستقطاب الروسي مع الصين يتم استخدامه أيضا مع الدول العربية عموما، ومع دول الخليج على وجه التحديد وتحاول موسكو الدخول إلى المنطقة عن طريق "استعادة الوحدة العربية وتحقيق حلم العروبة والقومية العربية" تارة، ودعم "الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي" تارة أخرى، وتذكير العرب بإبادة الهنود الحمر وغزو فيتنام وأفغانستان تارة ثالثة، وضياع فلسطين تارة رابعة هذا على الرغم من أن موسكو نفسها هي التي لعبت الدور الرئيسي والأساسي والأوحد في وضع الأسس القانونية لقيام دولة إسرائيل وليس الولايات المتحدة أو بريطانيا أو وعد بلفور وحتى الآن لم تتراجع موسكو عن قرارها بأنها ضامنة لأمن إسرائيل.

وأضاف “بالتالي نرى تناقضات غير مفهومة في تصرفات الطرفين الروسي والعربي ويبدو أن كلا منهما مرتاح تماما لهذه الصيغة التي تظللها السرية تارة، والمساندة الإعلامية تارة أخرى، وطريقة التصويت في المحافل الدولية تارة ثالثة ولكن يبدو أنها صيغة مريحة للطرفين”.

وتابع الصباغ "يبدو المشهد رماديا للغاية. لكن روسيا في الوقت نفسه تهدد الجميع بإمكانية استخدام الأسلحة النووية في حال شعرت بتهديد أمنها أو بتفوق ما عليها في أوكرانيا الأمر الذي يضاعف من رمادية المشهد".

 

سيناريوهات رد أوكرانيا

وأشار الصباغ، إلى أنه خلال الأشهر المقبلة، ستبدأ القوات الأوكرانية باستخدام أسلحة نوعية ما سيدفع روسيا إلى الرد بأسلحة أخرى تماما أكثر ضراوة وتدميرا وفي الواقع، فقد بدأت روسيا باستخدام أسلحة طويلة ومتوسطة المدى، وصواريخ باليستية تطلق من بعيد كما بدأت بشن هجمات موجعة ليس فقط على مواقع القوات الأوكرانية في شرق وجنوب البلاد، بل وأيضا على العاصمة كييف وضواحيها، وعلى أقاليم وسط أوكرانيا وغربها ومن المعروف أن كل ذلك يكلف الخزينة الروسية أموالا طائلة ويبدد الكثير من الموارد لكن موسكو أمام أمر واقع، ولن تتراجع على الإطلاق. 

ولفت الصباغ، إلى أن الأمر الآخر، يتمحور حول أن القوات الروسية لن تظل محبوسة طويلا داخل شرق وجنوب أوكرانيا فهناك تمهيد عسكري وتكتيكي روسي حقيقي للتمدد نحو وسط وغرب أوكرانيا وإذا شئنا الدقة، فمن المتوقع توجه القوات الروسية إلى خاركوف وأوديسا في المدى المنظور، ومن أجل تفادي الضربات الأوكرانية المتوقعة، أو على الأقل استخدام أسلحة واسعة التدمير تطلق من بعيد.