رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أخر أجيال المهنة.. صناع الفخار فى قرى مصر: «التاريخ أكثر ما يميزنا»

خلال محاورة محرر
خلال محاورة محرر الدستور أحد الحرفيين

فى قرى مصر نشأت علاقة خاصة جدًا بين الأرض والبشر، أثمرت فنونًا متفردة فى جمالها، ولم يترك المصرى والمصرية شيئًا فى بيئتهم لم يحسنوا استخدامه، وحولوه إلى قطعة فنية نادرة.

ومن بين الفنون التى عرفها المصرى قبل غيره، وأتقنها وترك نورها يسرى فى كفوف الأحفاد، صناعة الفخار، التى تحكى كيف تعلم المصرى حرق طمى النيل، ليصنع منه الأوانى.

واعتبر المصرى هذه الأوانى هدية من أرض الوطن، فقدسها، وحرص على أن ترافقه فى قبره، ليس ليأكل بها فحسب فى الحياة الأخرى، بل لأنها جزء من حضارته وتاريخه وحكايته، التى يجد سحرها طريقه إلى قلوب المحبين فى كل مكان فى العالم حتى الآن.

«الدستور» زارت قريتى «جريس» و«تونس» فى المنوفية والفيوم، حيث حكايات أحفاد «الفراعنة»، الذين ما زالوا متمسكين بحرفة أجدادهم، صناعة الفخار، ويأتى لهم الناس من كل مكان فى الدنيا، ليشاهدوا كيف تهزم أصابع المصرى أحدث الآلات، وتثمر قطعًا فنية نادرة.

البداية كانت بقرية «جريس»، التى تتمتع بشهرة عالمية واسعة فى صناعة الفخار، وبمجرد وصولك إليها ستشعر بأنك تعيش فى مصر القديمة، بيوت طيبة من الطين، وأوانٍ فخارية تحيط كل شىء، والأكيد أن الراحة لن تضل طريقها إلى قلبك.

هنا، يعد كل منزل ورشة عمل، وليس من الغريب أن نجد أسرة كاملة تتقاسم ما بينها مهام صناعة الفخار، بإتقان شديد واهتمام بالغ، لأنهم يعلمون أن هذا هو ميراث أجدادهم، وأن صناعة ما صنعه أجدادهم سيجلب لهم الخير.

داخل أحد منازل القرية، يتسلل إليه ضوء الشمس ناعمًا، ستخطف عينيك حركة يد الرجل الستينى سعيد لاشين، أحد أقدم صناع الفخار فى قرية «جريس»، الذى يحمل على وجهه ابتسامة رضا نادرة، ويعمل بهمة كبيرة، وتحيط به الأوانى الفخارية.

قال عم «سعيد»: «أنا من آخر الأجيال التى تعتبر صناعة الفخار مهنة، فغالبية الصناع من أبناء جيلى، ويندر للأسف وجود شباب يعملون بهذه المهنة، فهم لا يصبرون ليروا خيرها، ويبحثون عن المكاسب السريعة السهلة».

وأضاف: «لا أنكر أننى حزين مما وصلت له أحوال المهنة وأشعر بخذلان، لأن الشباب يتركون مهنة الأجداد، ويسعون للتقليد، ولا يدركون أن التاريخ هو أكثر ما يميزنا». لكنه عاد وشدد: «أعلم أن أرض النيل ستنبت صانعين جددًا، هكذا تسير الأمور على ضفاف النيل.. اسمعها من عجوز مثلى».

وأشار إلى أن قرية «جريس» أخرجت أمهر صناع الفخار فى مصر والوطن العربى، وأسهمت فى تعليم المهنة ونشرها فى كل أرجاء مصر، وبفضل جهود أبنائها عادت مهنة الأجداد إلى الحياة مرة أخرى، كاشفًا عن مشاركته فى العديد من المعارض والملتقيات الخاصة بالفخار، بجانب الاستعانة به لتعليم العديد من الأشخاص فى مختلف المحافظات.

وواصل: «الناس يأتون من كل مكان فى العالم لشراء الفخار من قريتنا، لأننا نصنعه بالطريقة التقليدية القديمة، دون استخدام أى وسائل حديثة تؤثر على الخامة»، موضحًا أن «الفخار هنا يصنع من التراب الزائد على الأراضى الزراعية، ننقيه جيدًا ثم نعجنه دون أى إضافات، ثم يمر بعدة مراحل لكى يخرج فى النهاية منتج فخارى جميل».

وأكمل: «بعد تشكيله يُترك ليجف بشكل طبيعى فى الشمس، ثم توضع اللمسات الأخيرة عليه، قبل أن يدخل الفرن المصنوع من الطين أيضًا، ويتم إشعاله باستخدام الحطب، ويظل الفخار داخله لمدة ٣ أيام كاملة».

أمام فرن كبير بطول ٣ أمتار، التقينا الحاجة «تهانى»، المتخصصة فى طهى الفخار، والتى قالت إنها ورثت هذه المهنة أبًا عن جد، مشيرة إلى أن الفرن يعمل من الثامنة صباحًا حتى غروب الشمس وفى المساء يُخمد اللهب، لتظل الحرارة فى الطين حتى صباح اليوم التالى.

وبينت السيدة الخمسينية: «أبدأ يومى برص الأوانى بطريقة معينة، ثم أضرم النار فى المكان المخصص لها، وأظل أضع الحطب طوال اليوم»، مشيرة إلى أنها تعلمت كيف تتحمل الحرارة وتسيطر على الدخان.

واختتمت بقولها: «أعتز بتلك المهنة.. ربنا يديمها علىّ نعمة».

وفى قرية «تونس» تنتشر صناعة الفخار فى كل مكان، بفضل الفنانة التشكيلية السويسرية إيفلين بوريه، التى حولتها من قرية صغيرة فى محافظة الفيوم إلى مصنع، عماله أهل القرية، بعدما أنشأت «مدرسة فخار وخزف»، لتعليم الأبناء هذه المهنة على يد شيوخها من مختلف أنحاء الجمهورية.

وتحولت القرية بفضل ذلك إلى مزار سياحى، بعد أن أبدع أهلها من العاملين فى صناعة الفخار، وتمكنوا من إدخال أنماط جديدة وحديثة على صناعتهم ومنتجاتهم، لتتحول من مجرد قطعة مصنوعة من الطين إلى لوحة فنية يحرص الزائرون على اقتنائها.

داخل إحدى الورش فى قرية «تونس»، ينجز الشاب الثلاثينى شادى «أوردر فخار» لأحد الزبائن، الذى يبعد عنه مئات الكيلومترات، لكن تربط بينهما الشبكة العنكبوتية التى أتاحت لهما الالتقاء ببعضهما افتراضيًا.

ورث «شادى» المهنة عن والده، واجتهد لإدخال أشكال جديدة فى صناعة الفخار لتتناسب مع العصر الحالى، ولم يقتصر الأمر على الصناعة فقط، بل استغل أيضًا التكنولوجيا فى التسويق لبضاعته وتوسيع نطاق زبائنه، من خلال عرض منتجاته عبر شبكة الإنترنت.

خلال محاورة محرر الدستور أحد الحرفيين

345449099_2493932797425204_6421149026735865120_n
345449099_2493932797425204_6421149026735865120_n
526
526
345443968_6181493605221685_908630507944652754_n
345443968_6181493605221685_908630507944652754_n
نلانلا
نلانلا
4444444444
4444444444
IMG-20230507-WA0162
IMG-20230507-WA0162

خلال محاورة محرر الدستور أحد الحرفيين

45e061a4-7593-4bfb-8f9e-fa78a8983233
45e061a4-7593-4bfb-8f9e-fa78a8983233