رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيها المثبطون.. حسبكم

تحت شعار "الطريق نحو الجمهورية الجديدة.. مساحات مشتركة"، انطلقت فعاليات الحوار الوطني، بمشاركة واسعة وفعالة من مختلف القوى السياسية والنقابية والمجتمع الأهلي والشخصيات العامة والخبراء السياسيين، بعد مضي نحو عام كامل على دعوة السيد رئيس الجمهورية لانطلاق حوار وطني يجمع الجميع على أرضية وطنية مشتركة دافعها الوحيد هو مصلحة الوطن. 
وبالفعل شهدت الجلسة الافتتاحية حضورا نادرا لمختلف التيارات والقوى السياسية الفاعلة، وحتى تلك التي توارى نشاطها منذ سنوات لأسباب قد نتفهمها لدى البعض ولأسباب غامضة لدى البعض الآخر.
    ورغم سعادة حقيقية استشعرها من تم توجيه الدعوة إليهم لحضور الجلسة الأولى، ومع فرحة وطنية أبداها كل الحالمين بمستقبل أفضل لهذا الوطن ظل هناك من كان لهم رأي آخر ليس فقط في مجريات الجلسة الافتتاحية وما دار خلالها، ولكنهم- للأسف- كانت لهم آراء سلبية في فكرة الحوار من الأساس.
   ومع شديد تقديرنا لحق الجميع في الاختلاف طالما كان اختلافا موضوعيا ومنطلقا من أرضية وطنية، ومع خالص احترامنا لمن اعتذر لموقف سياسي أو بمبرر موضوعي، إلا أنه يبقى من حقنا التحفظ على مبررات بعض الذين اختلفوا لمجرد الاختلاف تحت شعار "خالف تعرف". بالطبع هم فئة قليلة من المجتمع، لكن تواجدهم عبر المنصات- وخاصة التواصل الاجتماعي يبثون عبرها سمومهم- قد يسبب نوعًا من التوتر لدى أولئك الذين قرروا فتح صفحة جديدة مع الجميع، معتبرين هذا الحوار نافذة شرعية يعبرون خلالها عن وجهات نظرهم وأن يسمعوا رموز النظام ما قد يقنعهم بتعديل سياسات أو تغيير توجهات، أو أن يسمعوا هم من الدولة ما قد يقنعهم بسياساتها المتبعة.
   ليس من حقي، خاصة ونحن بصدد الحديث عن فتح أفق سياسي جديد مع الجميع- أن أشكك في وطنية أي من أولئك المثبطين المهاجمين بشراسة لفكرة الحوار. ولكن، ماذا تقول لهؤلاء الذين كانوا بالأمس القريب مطالبين بأن تتيح الدولة لمعارضيها منصة شرعية لإبداء وجهات نظرهم في سياسساتها بحرية وشفافية وكانوا يرون أن الأحزاب السياسية القائمة- بعدد قارب المائة- غير مؤهلة للقيام بهذا الدور!! فلما أتيحت لهم منصة شرعية لا تتعارض مع المؤسسات الدستورية القائمة، إذا هم من تلك الفرصة الذهبية يتهربون ومنها يسخرون؟
    وانطلاقًا من مبدأ أن ليس من حق أحدنا أن يشكك في وطنية غيره، فإن على هؤلاء الرافضين فكرة الحوار- رغم قلتهم- أن يكتفوا بالإعلان عن موقفهم الشخصي وأن ينتهوا عن تخوين أو حتى انتقاد من قرر فتح صفحة جديدة مع الدولة الوطنية. كما أنه ليس من حق من لم توجه له الدعوة المباشرة بالاسم والصفة أن يهاجم الحوار لمجرد أنه لم يكن ضمن حضوره أو الفاعلين فيه، فلو أن لسيادته دور حقيقي وفاعل في محيطه لوجهت إليه الدعوة مباشرة . فضلا عن أنه لو كان نقابيًا فاعلًا أو مهنيًا أو حتى عضوًا في ناد اجتماعي لكان قد قدم مقترحات مكتوبة يعتد بها للجهة التي ينضوي تحتها، أو كان قد تقدم بمقترحاته إلكترونيًا لأمانة الحوار عبر منصتها التي كانت متاحة أمام الجميع.
       فئة أخرى من المثبطين تراهم يرفعون شعار "مافيش فايدة" مصدرين حكمًا نهائيًا مسبقًا على تجربة نراها ويراها الجميع قيد التشكيل، محاولين إجهاضها. فيا هذا المتشائم بطبعه، لو أن الأمور تمشي في الأوطان بنفس آليات الإحباط التي يدعونا إليها تفكيرك لما تحركنا للأمام مجرد خطوة واحدة. ولو أننا سلمنا بكلام هؤلاء المتشائمين ما كان لنا أن نسمع كلمات المصارحة التي تحدثت بها رموز وطنية وخبرات سياسية كان لها شرف الحديث في الجلسة الافتتاحية فأحسنت التعبير، في حين أحسنت الحكومة الاستماع. 
      علينا إذن أن نتوقف عن الاعتراض لمجرد الاعتراض وأن ندعو إلى تحويل ما سيرد في جلسات المؤتمر من مواقف ورؤى ومجرد كلام، إلى قرارات وتوجهات وخطط عمل تتبناها المؤسسات الشرعية بالدولة لنكون قادرين كوطن ومواطنين على التصدي للتحديات وتعديل السياسات وفتح آفاق أرحب للمارسة السياسية والسعي لإيجاد حلول عملية للمشكلات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي تواجه الوطن والمواطن.
      وعلى الحكومة أن تحسن استقبال وجهات النظر المختلفة مع بعض سياساتها حتى وإن لم تكن بين المحاور الثلاثة المطروحة للحوار، طالما لم تكن بين القضايا الثلاثة المستبعدة من الحوار: المساس بالدستور، السياسة الخارجية للبلاد، الأمن القومي الاستراتيجي. فمن حق كل من يشعر بأن صوته لم يكن مسموعا بالقدر الكافي أن يعبر عن مشكلته وأن يطالب بحلها طالما كان هذا قائما على احترام الدولة ومؤسساتها، فقد تابعنا أصواتا دعت إلى منح الدرجات الوظيفية المحجوبة منذ سنوات لمن يستحقونها بما يترتب عليه من حقوق مالية وأدبية، وتجديد دماء بعض هيئات وقطاعات الدولة التي تكاد تفقد خبراتها النادرة بالوفاة والتقاعد دون ضخ دماء جديدة تسمح باستدامة العطاء وتبادل الخبرات في تلك الجهات، فضلًا عن تدبير حقوق فئات، ممن أحيلوا للتقاعد في بعض القطاعات منذ سنوات ولم يتقاضوا كامل مستحقاتهم من جهات عملهم.