رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوحدة فى إطار التنوع

أكتب مقالى قبل دقائق من بدء الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى.. بالنسبة لى فإن الحوار الوطنى واحد من أهم الأحداث التى شهدتها مصر منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى الآن.. حين فكرت فى الحوار الوطنى وجدت أنه يعبر عن «الوحدة فى إطار التنوع».. الذين أراهم فى القاعة وجوه مختلفة.. سياسيين ومثقفين وكتابًا.. ليبراليين ويساريين ومستقلين سياسيًا.. شخصيات عامة كانت قد توارت فى السنوات الأخيرة وسياسيون اصطدموا لبعض الوقت ثم عادوا لصفوف الحوار مرة أخرى.. ما يجمع كل هؤلاء أن لهم موقفًا واحدًا من الإرهاب والفساد معًا.. ليس منهم من تورط فى تأييد الإرهابيين وتجار الدين.. وليس منهم من أساء لوطنه فى الخارج.. هذه مقومات مهمة للحوار من وجهة نظرى وهى أيضًا محددات مهمة للفرز.. الهدف من أى حوار هو الوصول إلى موقف مشترك.. هذا الموقف الموحد لا يعنى إلغاء الخلافات الفكرية، لكنه يعنى التفاوض من وجهات نظر مختلفة.. ميزة الحوار أنه يعطى لكل طرف فرصة شرح نفسه والتعبير عن أفكاره.. أسوأ شىء هو حكم الأطراف المختلفة على بعضها البعض من على البعد.. الأحكام النهائية تفتح الباب للتكفير الوطنى والتخوين السياسى ولمناخ من سوء التفاهم.. لذلك اجتهد القدماء فى التأصيل لفقه الاختلاف وقال الإمام الشافعى.. رأيى صواب يحتمل الخطأ.. ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب.. والمعنى أنه لم ينف احتمالية أن يكون هو مخطئًا وأن يكون غيره مصيبًا.. أعتقد أن مقولة الشافعى هى أساس الاعتدال السياسى.. والاعتدال الفكرى عمومًا.. من جهة أخرى يكتسب الحوار أهميته فى هذا التوقيت بالذات لاعتبارات واضحة ومحددة.. أهم هذه الاعتبارات هو التحديات السياسية التى يواجهها الإقليم.. وظهور موجة جديدة من الصراع العسكرى على حدود مصر الجنوبية بما لذلك من انعكاس على أوضاعنا الأمنية والسياسية والاقتصادية المختلفة.. هناك أيضًا التحديات الاقتصادية التى فرضتها الأزمة العالمية الممتدة منذ ثلاثة أعوام، وهناك التغيرات السياسية التى تخطو فيها مصر للأمام بخطى منتظمة بعد مراحل تثبيت أركان الدولة، والقضاء الكامل على الإرهاب والهزيمة السياسية والعسكرية للإرهابيين وتطبيع العلاقات مع بعض الدول التى كانت تساندهم بعد أن أدركت هذه الدول قيمة مصر فى إقليمها ومحيطها.. كل هذه العوامل تجعل البدء فى الحوار الوطنى ضرورة ملحة للانتقال لمرحلة جديدة تستمع فيها الدولة لوجهات نظر مختلفة فى مختلف المسارات وفق القاعدة التى أعلنها الرئيس السيسى عن قناعة، وهى أن الاختلاف فى الوطن لا يفسد للود قضية.. وهى قاعدة ذهبية ما أحوجنا إلى تطبيقها فى كل مناحى حياتنا.. وأظن أن الحوار الوطنى سينجح فى ترسيخها فى كثير من المجالات وهو مكسب كبير لنا جميعًا بإذن الله.