رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوة مصر

أثبتت التجربة بلا شك أن الدولة المصرية وقيادتها السياسية قادرة تمامًا على إدارة جميع ملفاتها الخارجية بحكمة شديدة ودبلوماسية غاية فى الانضباط.. فالحديث عن قوة مصر الشاملة وقدرتها على إدارة ملفاتها لا يحتاج إلى دليل أو برهان، فالمتابع للمشهد، خلال الفترات الماضية، يثق تمام الثقة فى قدرة مصر على حماية أبنائها، داخليًا وخارجيًا، وامتلاكها عناصر القوة الشاملة.

واتفق أغلب كبار القادة العسكريين والمفكرين على تعريف القوة الشاملة للدولة بأنها قدرة الدولة على استخدام كل مواردها بطريقة تؤثر على سلوك الدول الأخرى، وكذلك القدرة على تحقيق الأهداف، سواء كانت بوسائل سياسية أو اقتصادية أو نفسية أو أى وسيلة أخرى.

كما استقرت أغلب وجهات النظر على أن عناصر ومكونات القوة الشاملة للدولة تشمل القدرة السياسية «القدرة الداخلية»، القدرة الدبلوماسية «القدرة الخارجية»، القدرة الاقتصادية، القدرة العسكرية، والقدرة المعنوية. 

وتقع الدولة المصرية فى إقليم مضطرب نتيجة عوامل داخلية أو خارجية، وتشهد حدودها اضطرابات وتهديدات نتيجة الصراعات المتواجدة فى بعض الدول فى نطاقنا الإقليمى، ولكن دائمًا ما تنجح الدولة المصرية فى تحقيق أهدافها وحماية أمنها القومى وفرض رؤيتها وسيطرتها دون التدخل فى شئون أحد الداخلية، ولم يكن ليتحقق ذلك لولا امتلاك الدولة المصرية عناصر ومكونات القوة الشاملة.

أفجعنا ما حدث فى السودان خلال الأيام الماضية، ولكن سرعة التحرك المصرى وترؤس الرئيس السيسى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتصريحات المتزنة للغاية التى أدلى بها عقب الاجتماع والحرص على عدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، وسرعة عودة الجنود المصريين من السودان أعطى مزيدًا من الثقة فى قوة الدولة المصرية الشاملة.

كما جاء إعلان وزارة الخارجية عن جهود الدولة فى تنفيذ خطة إجلاء المواطنين المصريين فى السودان، والنجاح بالفعل فى إجلاء ٩٠٤ مواطنين مصريين من السودان حتى الآن، والاستمرار فى عملية إجلاء جميع المصريين هناك، بالتنسيق مع جميع الأجهزة المعنية، دليل على قدرة مصر فى حماية أبنائها ومواطنيها فى الداخل والخارج.

تدرك مصر تمامًا محاولات الاستفزاز المستمرة من جميع الأطراف للتدخل بشكل مباشر فى الأزمة السودانية بغير سياساتها المتبعة وربما لتوريطها فى أزمة كبرى، ولكن لا تزال مصر تتعامل بحرفية شديدة وبقوة يحكمها عقل ومنطق واحترام الآخر فى تعاملاتها مع جميع القضايا والتطورات الإقليمية، كما لعبت دورًا مهما فى حماية المصريين هناك، تلعب كذلك دورًا محوريًا لحقن دماء السودانيين.

وأثبتت الأحداث أن مصر قادرة على إقامة علاقات واتصالات متوازنة مع جميع الأطراف، كما أثبتت إدراك الدولة المصرية كل التفاصيل كما أنها مارست دورها وواجبها الإنسانى فكانت من أكثر الدول التى فتحت أبوابها للحالات الإنسانية منذ البداية، وأعلنت مصر منذ اليوم الأول أنها لا تتدخل فى شئون أحد ولكنها تسعى وتدعم وتدعو لضرورة الحفاظ على أمن واستقرار وسلامة دولة السودان الشقيقة وشعبها، وأن السياسة المصرية تجاه السودان تستهدف حقن دماء الأشقاء وتغليب لغة الحوار.

تأثير مصر وقوتها كان واضحًا جليًا من خلال الاتصالات المتتالية التى أجراها أو تلقاها الرئيس السيسى بشأن الأوضاع فى السودان، وكذلك جهود وزارة الخارجية، مما جعل جميع الأطراف الدولية تتواصل مع الدولة المصرية بصفتها أحد الأطراف الرئيسية الفاعلة مع جميع الأطراف السودانية.

كما نجحت مصر كذلك فى قطع جميع ألسنة المشككين فى قدرتها على حماية أبنائها، سواء من العسكريين الذين تواجدوا فى السودان بغرض التدريب المشترك وفقًا لاتفاقيات وبروتوكولات التعاون أو من المدنيين الذين يتواجدون هناك وكذلك الطلاب المصريون، فلم تستخدم لغة «عنترية» لدغدغة مشاعر المصريين الذين أصابهم القلق على أولادهم من أبناء القوات المسلحة وسط كم هائل من الشائعات حولهم، ولكنها كانت كما تعودنا صوتًا للحكمة والعقل، ومارست فن استخدام القوة.