رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكلاب فى حماية القانون!

فى نوفمبر من العام الماضي، وفي سابقة هى الأولى من نوعها.. قضت محكمة مغربية، بفرض غرامة مالية على بلدية الناظور «شرق البلاد»، مُمثلة في رئيسها، بسبب عملية قتل الكلاب الضالة باستعمال الرصاص الحي.. وألزم الحكم القضائي البلدية بأداء مبلغ 563 دولارًا، لصالح جمعية للرفق بالحيوان وحماية البيئة، التي تنشط في المدينة، والتي تقدمت بدعوى قضائية تتهم فيها البلدية بإبادة الكلاب الضالة.. واعتبرت المحكمة أن «لجوء البلدية إلى قتل الكلاب بالذخيرة الحية، مشروط بأن يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكف أذاها وضررها، مع مراعاة الإحسان في قتلها، وهو ما لم تثبته البلدية».. وأكد الحكم القضائي، أن القتل وسيلة غير حضارية، وأن «تطور المجتمع لا يُقاس بتعامله مع البشر فقط، وإنما بتعامله أيضًا مع الحيوانات،  الأمر الذي يفرض اللجوء إلى بدائل لاحتواء الظاهرة في إطار حضاري يلائم مقتضيات العصر».
ويشهد المغرب انتشارًا واسعًا للكلاب الضالة، التي يقدر عددها بحوالي ثلاثة ملايين، فيما أكدت وزارة الداخلية هناك، عام 2019، أن المكاتب الجماعية لحفظ الصحة تقوم بجمع أزيد من 140 ألف كلب سنويًا.. يأتي هذا في الوقت الذي ضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن، بصور ومقاطع فيديو لحالات عقر «عضة كلب» لأطفال ونساء، وأعداد كبيرة من الكلاب تتجول في الأحياء السكنية وأمام المرافق الخدمية وبعض المستشفيات.. وهى الظاهرة التي تعود إلى القرارات الحكومية التي منعت البلديات هناك، وتحت طائلة المسئولية القانونية، من قنص الكلاب منذ أكثر من عامين، مرورًا بالأعداد الكبيرة التي قدمت إلى المملكة عبر الحدود مع سوريا، عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وصولًا إلى المنخفضات الجوية الأخيرة التي أثرت على البلاد، والتي زادت من سعار الكلاب، وتفشي حالات العقر، التي زادت إلى ما يقارب الخمسين حالة شهريًا، تكمن خطورتها في أنها تسبب، في بعض الأحيان، الإصابة بداء الكَلِّبْ «السُعار» المميت.
لماذا تقوم الكلاب بمهاجمة البشر؟
عزا أحد خبراء الاجتماع الاجتماعي الظاهرة إلى جوع هذه الكلاب، وعدم حصولها على الطعام من مخلفات الإنسان في أماكن رمي القمامة وغيرها، لأن ارتفاع معدلات الفقر، بعد الأزمات الاقتصادية العالمية الأخيرة، انعكست بشكل مباشر على عدم قدرة المواطنين على ترك مخلفات صالحة للأكل لهذه الحيوانات، وهذا ما تؤكده التجربة الأردنية.. وأشار إلى «ضرورة عدم بث الهلع في المجتمع وتشويه صورة الكلاب، التي طالما كانت صديقًا وفيًا وحارسًا للإنسان، وأن المجتمع يجب أن يقوم برعاية هذه الكلاب وإطعامها، ليتولد نوع من الألفة بين هذه الحيوانات والمواطنين وتفادي وقوع حالات العقر».
وقانون العقوبات الأردني يُجرِّم قتل حيوان غير مملوك، بالحبس لمدة لا تتجاوز سنتين، والسجن لمدة شهر، أو غرامة لا تتجاوز 28 دولارًا، على كل من «ضرب أو جرح حيوانًا، بصورة تؤدي إلى منعه عن العمل أو تلحق به ضررًا جسيمًا».. وتنص المادة الثامنة من تعليمات التعامل مع الحيوان، على أن «قتل أو جرح أو ضرب أي حيوان، بقصد الإيذاء، يعد مخالفة صريحة لمعايير الرفق بالحيوان، وذلك وفقًا للمعايير الواردة ضمن دستور المنظمة العالمية للصحة الحيوانية».. فما الحل إذن؟.
يقول نشطاء في حقوق الحيوان، إن عملية تسميم وقتل الكلاب تسهم في اختلال التوازن البيئي، مما يجعلها حلًا غير صالح على الإطلاق.. وأن الحل يتمثل في جمع الكلاب الضالة من مواقع تواجدها، ومن ثم تعقيمها وتحصينها بالعقاقير اللازمة، بهدف السيطرة عليها من خلال تقليل أعداد المواليد، وبالتالي تقليل أعدادها وضمان عدم نقلها للأمراض، وتقع على البلديات مسئولية انتشار هذه الكلاب، التي يجب أن تخصص أراضي ومخصصات من موازنتها، لإنشاء عيادات لهذه الكلاب الضالة!.
كيف استطاعت الأردن السيطرة على الكلاب الضالة؟.
لا يزال الأردن يحاول إيجاد حلول سلمية، تُخرجه من معاناته مع ظاهرة الكلاب الضالة، التي تُشكل رعبًا للمجتمع وتهدد حياته.. فبعد أن منع القانون الأردني قنص وسمِّ الكلاب الضالة، تكاثرت هذه الكلاب بشكل جنوني، خصوصًا عقب جائحة كورونا وأيام الحظر الشامل، وصولًا إلى الزلزال الأخير، الذي دفع أعدادًا كبيرة منها للقدوم إلى الأردن عبر الحدود السورية، مما جعل مكافحتها أمرا معقدًا وشديد الصعوبة.. الحكومة الأردنية وجهت البلديات للتعامل مع هذه الظاهرة بشتى الطرق، وتخصيص الكوادر اللازمة لإعادة تجميعها بساحات مهيئة ومغلقة خارج التجمعات السكنية، وأن تقوم بإعطائها لقاحات تكافح داء «الكَلِّبْ»، إضافة لتوفير الطعام، منعًا من انتشارها في الطرقات والمساكن، بل ومداهمة بوابات المستشفى وتهديد حياة المراجعين، وعرقلة عمل قسم الطوارئ.
ابتكرت إحدى المحافظات هناك نموذجًا عصريًا قائمًا على عدة دراسات بيطرية، لإبقاء تلك الحيوانات في أماكن تكاثرها بعيدًا عن الأحياء السكنية..  يقوم النموذج على إطعام الحيوانات في أماكن تواجدها لتكون بعيدة عن الأحياء السكنية، وذلك بتوفير الطعام لها من خلال المطاعم المنتشرة في المدينة.. ووجهت الحكومة بتخصيص قطعة أرض، تصل مساحتها إلى خمسة وثلاثين ألف متر مربع، بالشراكة مع خمس بلديات لإيواء تلك الكلاب وإطعامهم، بجلب الطعام المتبقي لدى المطاعم وتجميعه، وتوزيعه على أكثر المناطق التي تنتشر فيها الكلاب، منعا من دخولها إلى الأحياء السكنية، تمهيدًاـ بعد ذلكـ لتجهيز قطعة الأرض وتجميع تلك الحيوانات فيها من جديد.. «تواصلنا مع كافة المطاعم في المحافظة، واتفقنا معها على إعادة تجميع الطعام المتبقي لديها كل ليلة، لتتم إعادة توزيعها في المناطق المستهدفة، وقد أبدت هذه المطاعم والمنشآت الغذائية استعدادها للتعاون منذ بداية هذه المبادرة».
وحتى تلبي هذه الكميات من الطعام، بشكل منظم، الهدف من هذه المبادرة، قامت إحدى الجمعيات بدراسة الكميات التي يتم توزيعها، وحاجة كل منطقة ليتم توزيع الطعام طبقًا للحاجة الفعلية.. ثم وفرت الجمعية حاويات مخصصة لتجميع الطعام من المطاعم والمنشآت الغذائية، وتقوم كوادرها بالتعاون مع البلديات، بإعادة نشر هذا الطعام في الأماكن المستهدفة.. هذه المبادرة، ونتيجة للتشاركية مع القطاعين العام والخاص، استطاعت الحد من ظاهرة الكلاب الضالة بشكل كبير وملحوظ، دون تحميل أعباء مالية كبيرة على أي جهة كانت.. وقد لاحظت الكوادر العاملة بالجمعية، والتي تقوم بتوزيع الطعام، ألفة هذه الكلاب ومسالمتها، إضافة إلى أن المناطق التي يقومون بتوزيع الطعام فيها، أصبحت مكانًا جاذبًا لها بعيدًا عن المنازل.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.