رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوة الإبداع

كان عنوان "قوة الإبداع" هو المهيمن على غلاف العدد الأخير لمجلة " فورين أفيرز" الأمريكية الرصينة، أضافت تحت العنوان تساؤل هو:"لماذا ستحدد التكنولوجيا مستقبل الجيوبوليتيكس " 
وهى عبارة عن دراسة كتبها إريك شميت، الرئيس والعضو المنتدب السابق لجوجل، أى أنه من قادة البيزنس الرقمى الجديد الذى يسيطر على الاقتصاد العالمى .
قال إريك فى مقدمة دراسته: عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، كانت روسيا تمتلك ضعف عدد جنود أوكرانيا فى جيشها، وكانت ميزانيتها الدفاعية أكثر من عشرة أمثال ميزانية أوكرانيا، هنا انبرى كبار محللى المجتمع الاستخباراتى الأمريكى بمن فيهم خبراء وكالة المخابرات المركزية CIA وقالوا إن روسيا سوف تجتاح أوكرانيا كلها خلال أسبوعين، لكن ما حدث خالف توقعات هؤلاء الخبراء إذ ما زالت الحرب مشتعلة فى عامها الثانى.
ماذا حدث؟ 
يقول شميت: دخلت التكنولوجيا على الخط، قام الرئيس الأوكرانى زيلينسكى بإصدار تعليماته بنقل كل المعلومات والملفات المهمة للوزارات على Cloud وبحيث إذا دك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مقر الوزارات الأوكرانية تبقى المعلومات فى الحفظ والصون، كما طلب من كل المواطنين إرسال أى لقطات وفيديوهات خاصة بالتوغل الروسى فى أوكرانيا وإرسالها للحكومة لتحليلها، بعبارة أخرى تم استخدام الهواتف المحمولة فى الحرب مع روسيا.
ومع تعرض البنية الأساسية للتدمير اتجه الأوكرانيون إلى القمر الصناعى "ستار لينك" وإلى المحطات الأرضية "ستار لينك" للحصول على خدمة الأنترنت والبقاء على اتصال مع شبكة الانترنت.
الخلاصة هى: صعود وبروز قوة جديدة فى السياسة الدولية، وهى قوة الإبداع فى مجال المعلومات.
إنها قوة المعلومات وقوة الإبداع فى مجال التكنولوجيا. 
حديث شميت أو دراسته قد تخدم على البروباجندا الأمريكية التى تهدف إلى الحد من القدرات الروسية التى تسعى إلى إيقاف توسع حلف الناتو إلى الدول المجاورة لروسيا وضمها إلى عضويتها وده معناه أن تربض الصواريخ البالستية الحاملة لرءوس نووية على أعتاب الدب الروسى، وهو ما لن يقبله.
حسابات الحرب لم تأتِ على هوى واشنطن إذا تم استنزاف أوكرانيا، وإنهاك أوروبا بل وتهديدها والمخاطرة بتوسع نطاق الحرب فى حال تم تجاوز الخط الأحمر بالدخول بشكل مباشر فى المواجهة مع الدب القطبى.
قوة الإبداع التى تحدث عنها شميت فى دراسته هى انعكاس للتطور الذى حدث على صعيد السياسة الدولية وقوة الثورة الرقمية ودورها فى إعادة صياغة النظام الدولى.
الآن لم تعد القوة العسكرية لوحدها هى العامل الحاسم فى الصراعات الدولية، العوامل الاقتصادية تلعب دورًا أكثر أهمية وكذلك قدرات الثورة الرقمية.
من يمتلك سيرفر منصات التواصل هو الذى سيحسم معركة السيطرة على العالم .
على منصات التواصل تكمن أسرار البشرية الثمانية مليارات بنى آدم، أمزجتهم، حالاتهم النفسية، ماذا يلبسون، ماذا يأكلون، أى نوع سيارات يفضلون، هل لديهم قدرة شرائية أم لا؟ كيف يفكرون فى السياسة؟ هل فعلا لديهم إدراك لمعنى الديمقراطية وتداول السلطة. كل شركات العالم هناك على الفضاء الرقمى يجرون دراساتهم التسويقية، هم ليسوا بحاجة لاستخدام الطرق القديمة للتعرف على اتجاهات المتسوقين، العلم،التعليم والفنون والموضة.
أيضًا الذكاء الصناعى الذى أصبح محل تطبيق الآن على الهواتف الذكية، تطلب من البرنامج كتابة دراسة فى مجال الفيزياء، خلال ثوان تكون الدراسة تحت يديك، لدرجة مخيفة ومفزعة للكثيرين الذين يرون فى هذه التطبيقات تهديدا مباشرا للبشرية يقلل الاعتماد على الإنسان، لا تدفعه للتفكير وتقلل من فرص العمل أمامه.
إذن إجابة السؤال الذى طرحه شميت: لماذا ستحدد التكنولوجيا مستقبل الجيوبوليتكس؟ أصبحت واضحة، من سيسيطر على التكنولوجيا الرقمية ما بعد الحديثة سوف يسيطر على الجيوبوليتيكس، الصين بدأت التغيير ومعها روسيا والعديد من الدول من خلال إنهاء النظام الدولى الذى بدأ بعد الحرب العالمية الثانية والذى اعتقدت واشنطن أنها تمكنت معه من السيطرة على العالم، الآن يتخلى العالم عن عملة الاحتياط الدولارى وبدأ فى البحث عن نظام نقدى جديد.