رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السوشيال ميديا.. القاتل الخفى

قلنا في مقال سابق، إن إنهيار بنك وادي السيليكونSVB  ـ الأكبر بين ستة عشرة بنكًا في الولايات المتحدة، بأصول تبلغ 212 مليار دولار أمريكي ـ أدى إلى مستوى من القلق في الأسواق المالية بجميع أنحاء العالم، لم نشهده منذ الأزمة المالية العالمية قبل خمسة عشر عامًا، ليكون ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة، وكان أكبرها هو (واشنطن ميوتشوال) عام 2008.
واجه SVB مجموعة فريدة من الظروف، وهو الذي يتألف عملاؤه بشكل حصري تقريبًا، من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة والشركات المُمولة من قبل أصحاب رءوس الأموال.. وهي الكيانات التي كانت من بين الأكثر تضررًا من الانكماش الاقتصادي الحالي.. ومع نضوب أسواق الأسهم ورأس المال، وتشديد شروط الإقراض في الأسواق المالية، كان هناك اندفاع على الودائع من قبل هذه الكيانات في الأشهر الأخيرة.. ولتلبية هذه الدعوات على الودائع، اضطر البنك إلى بيع بعض سندات الخزانة ذات التصنيف العالي، والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري والتي شكَّلت جزءًا كبيرًا من محفظة أصوله.
لم يكن هذا شيئًا خارجًا عن المألوف في حد ذاته.. فقد اشترى البنك سنداته وأوراقه المالية في وقت كانت فيه الأسعار منخفضة، ولكن الزيادات السريعة في أسعار الفائدة الرسمية تسببت في انخفاض سعر السوق للسندات والأوراق المالية، على الرغم من أن الجودة الائتمانية لتلك السندات والأوراق المالية لا تزال قوية للغاية.. وقد أدى البيع القسري للسندات والأوراق المالية من SVB إلى خسارة 1.8 مليار دولار أمريكي، من بيع بقيمة 21 مليار دولار.. وحتى تحقيق هذه الخسارة، كان مصرف (سوريا رايتس ووتش) قادرًا على الاستفادة من القواعد المحاسبية في الولايات المتحدة، التي بموجبها لا تحتاج إلى شطب قيمة السندات بأسعار السوق الحالية في أصولها المُبلغ عنها، ما دامت المصارف تعتزم الاحتفاظ بالسندات حتى تاريخ الاستحقاق.
علاوة على ذلك، هناك تنازلات تنظيمية في الولايات المتحدة، لا يُطلب بموجبها من البنوك الأصغر تخصيص رأس المال لأي خسائر ورقية غير محققة في السوق، تواجهها على السندات التي انخفضت أسعارها مع ارتفاع أسعار الفائدة.. ومما يضاعف من هذا في حالة، SVB أنه يبدو أنه لم يتحوط بشكل كافٍ من سنداته وأوراقه المالية ذات العائد المنخفض، ضد مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة. وبعدها أتي بيت القصيد الذي نرمي إليه في هذا المقال.
عندما تبلورت خسائره غير المحققة في السندات والأوراق المالية، ولم يتمكن بنك SVB من جمع رأس مال إضافي لتعويض الخسائر، بدأ الذعر.. وفي أول هروب مصرفي مدفوع بوسائل التواصل الاجتماعي في العالم، سعى المودعون إلى سحب 42 مليار دولار أمريكي في يوم واحد، حيث انتشرت أخبار (الخطر الوشيك) و(الخسائر الجماعية) وكل الشعارات ذات الصلة، كالنار في الهشيم عبر تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لتكون هي في ذاتها معول الهدم الذي أتى على أعمدة بنك وادي السيليكون.. مع أن فيلمًا مثل Wall Street: Money Never Sleeps، نبَّه عام 2010، إلى خطورة الشائعات ودورها في انهيار البنوك والبورصات العالمية.
وفي مصر، تواجه الدولة حرب الشائعات التى تبثها الجماعات الإرهابية وأهل الشر على مدار الساعة، لبث حالة من الرعب والهلع فى نفوس المصريين، والنيل من الوطن والتشكيك فى إنجازات الدولة المصرية، مما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تأكيد أهمية عدم الانسياق وراء التشكيك المُتعمد والآراء المغرضة، من بعض الأطراف التي تسعى إلى تسفيه الجهود الضخمة المبذولة من الدولة.. موضحًا أن ضعاف النفوس يسعون إلى إثارة الفتن وزعزعة الاستقرار، وتلك الشائعات جريمة فى حق المجتمع، وما أحوجنا إلى التحقق من أي شائعات ومنع أي فتن.
إلا أن الرئيس يثق في وعي الشعب المصري، ويراهن على يقظته، (الشعب المصرى واعٍ ومنتبه، ونحن نؤكد فى كل مناسبة لنا ولأنفسنا والإعلام له دور كبير.. دى حرب إعلامية وشائعات ومواقع تواصل اجتماعى، ضد حالة الوعى التى تتشكل يومًا بعد يوم وبإيجابية لدى المصريين.. نزود ونكثف ونتكلم كثير بحقائق ولا نترك فرصة وفراغ لأحد أن يتدخل، وكل يوم طرح فى كل المسائل وهذه هى الحكاية التى نعانيها.. فحالة التشكيك فى كل شيء، حالة مرتبطة بمنهج لديهم، محاولات التشكيك مستمرة طول الوقت والشعب المصرى واعٍ، ومؤسسات الدولة دائمًا حاضرة فى مواجهة أى تحرك أو شائعات).
أذكر أن الرئيس السيسي، قال خلال تفقده جاهزية العناصر والمعدات والأطقم التابعة للقوات المسلحة، المخصصة لمعاونة القطاع المدني بالدولة لمكافحة انتشار فيروس كورونا المُستجدعام 2019، (فيه موضوع عايز أتكلم معاكم فيه.. وهو التشكيك وهدم الثقة في أنفسكم وحكومتكم وقيادتكم، مينفعش.. لكن دي مواجهة ستستمر وأنا قلتها كثيرًا وأكررها ثانية.. موضوع التشكيك افتكروا في كل مرحلة.. قالوا قناة السويس مش هتتعمل، قالوا الفلوس.. الفلوس التي دفعها المواطنون أكثر من 60 مليار جنيه.. الدولة مش هتسددها، وعندما جاء وقت استحقاقها تم تسديدها.. قالوا المشروعات التي تم الحديث عنها، مثل حل مشكلة الكهرباء والمشاكل الأخرى المرتبطة بها، قالوا مش هيقدروا، ولكن قدرنا مع بعض.. اللي بيستهدف لا يستهدفني أنا.. ده بيستهدفنا إحنا، بيستهدف معنوياتنا لأن معنوياتنا هي الأساس في المواجهة.. المواجهة مع هذه العناصر وهذا الفصيل الشرير لن تنتهي، وأنا قلت الكلام ده قبل كده.. هيعملوا معاكم إيه.. يهاجموكم 3 أو 4 سنوات حتى يتمكنوا من تنظيم أنفسهم مرة أخرى، وعقب ذلك نجد أنهم موجودون مثلما حدث خلال الخمسين سنة الماضية.. فإذا كنا نريد بلدنا خالية من الأشرار، اللي مش مستعدين يعيشوا حتى بفكرهم بس، دول عايزين يفرضوه علينا).
ويواصل الرئيس، (أنا باستدعي الكلام ده حاليًا لأن ده جزء من المواجهة اللي بنشوفها، وعملية التشكيك وعملية إن السلع مش موجودة، وإن كفاءة الدولة في المواجهة ليست جيدة لأنها تخفي البيانات، وأنا قلت الكلام ده قبل ذلك وسأكرره تاني.. أخبي عليكم ليه، الدنيا كلها بتعيش ما نعيشه وليس لنا ذنب فيه.. الدنيا كلها تواجه المشكلة دي وكل يوم في دول يسقط بها مئات كل يوم وربنا ما يحكمش علينا بده).
إذًا، هي الحملات المغرضة التي تستهدف التشكيك في الانجازات التي تم تحقيقها، فالمشككون يستهدفون إشاعة أجواء اليأس عند المصريين وتخويفهم وإضعافهم.. وما علينا سوى عدم الالتفات إلى تلك الحملات التي تشكك في قدرة وإجراءات الدولة المصرية، ولكن في الوقت نفسه، هناك ضرورة الرد على حملات التشكيك وتوضيح الحقائق بشأن المشروعات التي تقوم بها الدولة، (يجب دحض أكاذيب المشككين بشأن الدولة والإنجازات والرد عليها بالحقائق).. وقد ضربت لكم، في صدر هذا المقال، مثلًا لكيفية ضلوع شائعات السوشيال ميديا في انهيار أحد أكبر بنوك، أضخم اقتصاد في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.