رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

50 عامًا من الفخر

ذكرى العاشر من رمضان عزيزة علينا جميعًا، وخصوصًا الأجيال التى عاصرت تلك الأيام. كل عام ومصر بخير وكل عام وجيش مصر بخير. فى تلك الأيام الراسخة فى وجدان المصريين تمكنت مصر من عبور الهزيمة ومن تجاوز ما أسماه البعض بالنكسة وتمكنت من قلب المعادلة تمامًا من بلد تم احتلال جزء من أراضيه إلى بلد حقق الانتصار، وأجبر القوى الدولية على إدانة المحتل الإسرائيلى وعلى توقيع اتفاقية سلام سبقتها مفاوضات كامب ديفيد.
كان قرار الحرب مفاجأة، وكان قرار السلام مفاجأة، من رفضوا اللحاق بذلك المشهد المهيب دفعوا الثمن غاليًا، وما زال البعض يعانى من تبعات الاحتلال وبالتحديد سوريا وفلسطين، أما من عارضوا الرئيس الراحل السادات، سواء داخليًا أو خارجيًا فقد أهملهم التاريخ.
التاريخ لا يذكر إلا المنتصرين أما المهزومون فقد أهال عليهم التاريخ التراب. هذا ما حدث فى الحربين العالميتين الأولى والثانية.
أدبيات حروب القرن العشرين سمحت للمنتصر بكتابة تاريخ جديد، وهذا ما حدث مع الولايات المتحدة والحلفاء، إذ تمت كتابة المئات من الكتب وآلاف المقالات حول النصر، كما تم إنتاح المئات من الأفلام التى تجسد بطولات جنود الحلفاء.
فى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر المقدسة قدمنا بعض الأعمال الدرامية، كما قدمنا بعض الأفلام، لكنها ليست كافية للأسف الشديد.
هناك جيل جديد بل أجيال لا تعلم عن نصر أكتوبر إلا القليل، وهذه مهمة صناع الدراما والسينما، حاولنا تقديم مسلسلات درامية تجسد مقاومة جنودنا الإرهاب فى سيناء، لكننا نأمل كتابة قصص النضال الحقيقية للمصريين فى حرب الاستنزاف وإعادة بناء الجيش المصرى.
لقد سمعت قصصًا يشيب لها الولدان مباشرة من بعض أبطال حرب أكتوبر، وبعضهم ما زال يعيش بيننا- متعهم الله بالصحة- فى هذه القصص استعداد لفداء الوطن فى أى لحظة، المقاتلون المصريون على متن الطائرات الحربية قدموا قصصًا يفخر بها كل شاب مصرى الآن، المهم استلهام هذه القصص وتقديمها فى قوالب سينمائية حقيقية يمكن أن يحصلوا من خلالها على جوائز دولية.
لا تعنينا الجوائز بقدر أن تلتصق ذكرى النضال والاستعداد لحرب العاشر من رمضان بالذاكرة الجمعية للمصريين، نعم هناك أزمة اقتصادية تمر بها مصر والعالم بسبب الركود العالمى الناتج عن أزمة وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لكن مصر صامدة حتى الآن لم يشعر أحد بنقص فى السلع، سواء قبل رمضان أو بعده، حالة من التضامن الاجتماعى سادت بين المصريين من كل الفئات مع غير القادر، وهذا نابع من قدرة المصريين دائمًا على مواجهة الأزمات فى تاريخها المعاصر والقديم.
لقد اشتهر الجنرال كارل فون كلاوفيتز بمقولة "إن الحرب امتداد للسياسة، لكن بوسائل أخرى"، كما قال: "إن الهدف من الحرب هو جعل العدو ينفذ إرادتك"، وهذا ما حدث فى حرب العاشر من رمضان، إذ تمكنت مصر من إجبار واشنطن على التحرك تجاه أزمة الشرق الأوسط بعد أن كان كيسنجر يردد بأن الولايات المتحدة لن تتحرك إلا إذا أصبحت الأزمة على سطح من الصفيح الساخن وهو ما حدث، إذ أربك الهجوم المصرى حسابات واشنطن بعد صرخات إسرائيل المدوية، مطالبة بجسر جوى لإنقاذها ومن يعود إلى أحاديث هنرى كيسنجر، وزير خارجية أمريكا السابق ومستشارها للأمن القومى نجده يتحدث بإسهاب عما حدث يوم العاشر من رمضان "السادس من أكتوبر" العظيم الذى مثّل مفاجأة كبرى وفقًا لعلوم الحرب التى تُدرس فى الأكاديميات العسكرية فى العالم.
قال كيسنجر: "إن هزيمة إسرائيل خلال حرب 1973 كانت خارج إطار التفكير، إن انتصار التحالف العسكرى العربى السوفيتى ضد التحالف الأمريكى الإسرائيلى كان يمكن أن يمزق استراتيجية واشنطن فى الشرق الأوسط، وكان يمكن أن يرسل رسالة لحلفاء أمريكا خلال الحرب الباردة بأنه يمكنهم الاعتماد على الاتحاد السوفيتى".
إن ذكريات حرب العاشر من رمضان المجيدة ينبغى أن تكون هناك فى قلب كل مصرى بقدرة مصر على حماية حدودها وبقدرة أبنائها على تقديم التضحيات بلا خوف أو وجل فى كل وقت وفى كل زمن. كل عام وأنتم بخير.