رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القاهرة - الرياض

يمكن القول إن زيارة الرئيس السيسى الودية للسعودية لاقت ارتياحًا كبيرًا فى البلدين.. ذلك الارتياح ينطلق من عدة اعتبارات أولها أن العلاقات المتينة بين البلدين هى الأصل وأن ما يشاع عدا ذلك هو الاستثناء العابر.. وأن تحالف البلدين شكل أقوى محور عربى على مدى الخمسين عامًا الماضية وبفضله عبر البلدان مطبات كثيرة أحاطت بكثير من الدول العربية الأخرى وهددت أمن شعوبها واستقرارها.. هذا التحالف مبنى على اعتبارات عدة أولها أن البلدين هما أكبر بلدين عربيين من حيث المال والرجال.. وأن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.. وأن تحالفهما بدا على أرضية أخلاقية وقومية وإسلامية عقب نكسة يونيو ١٩٦٧، حيث بادر الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، بطى صفحة الخلافات ورفع راية دعم مصر لمقاومة آثار العدوان وهو ما جعله حتى الآن فى منزلة فريدة عند المصريين، حتى إن واحدًا من أشهر شوارع القاهرة الكبرى يحمل اسم هذا الملك العروبى الذى أحبه المصريون وقدروه.. وقد امتد التحالف من أجل نصرة الحق العربى حين استخدم الملك فيصل سلاح البترول فى حرب ١٩٧٣ وقد عاد ذلك بالنفع على الدول العربية كلها وارتفعت أسعار النفط بعد الحرب ارتفاعًا تاريخيًا بشكل أثبت أن تحالف البلدين وقتها كان فى مصلحة الجميع.. ولا شك أن مصر استفادت جزئيًا من خلال تحويلات المصريين العاملين فى دول الخليج التى استندت إليها الطبقة الوسطى المصرية ماديًا وإن كان الأمر لم يخل من سلبيات اجتماعية وثقافية مثلت أغراضًا جانبية لدواء ضرورى وقتها وهو تصدير العمالة المصرية والاستفادة بتحويلات العاملين فى الخارج كأحد مصادر الدخل القومى من وقتها وحتى الآن.. ولا شك أن غزو العراق للكويت فى ١٩٩١ مثل إحدى المحطات المهمة فى تاريخ هذا التحالف، حيث رفضت مصر عروضًا للتغاضى عن مقاومة الغزو أو اتخاذ موقف شكلى مقابل جزء من عائدات نفط الخليج وفق تصور غير واقعى فكر فيه الرئيس العراقى صدام حسين.. ويمكن القول إن موقف مصر فى رفض الغزو انطلق من قاعدة أخلاقية ترفض اعتداء القوى على الضعيف، ومن قاعدة سياسية ترى التحالف المصرى السعودى ركيزة أساسية لا يجوز هدمها أو التحول عنها.. وبالتالى جاء دور مصر فى مساندة السعودية فى حرب تهدد وجودها.. تمامًا كما ساندت السعودية مصر لإزالة آثار النكسة والاستعداد للعبور، وقد كانت حرب تحرير الكويت ١٩٩١ هى المحطة الثانية الكبيرة فى تحالف البلدين الاستراتيجى والتاريخى أيضًا تحت راية التضامن العربى بين أكبر بلدين عربيين.. ويمكن القول إن ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ ومساندة المملكة لها كانت المحطة الثالثة الكبرى فى تحالف البلدين.. فقد أدرك ساسة المملكة أن وجود جماعة إرهابية فى أروقة الحكم فى مصر يشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة العربية كلها.. حيث تعتنق الحكومات الملتحفة بالدين مبدأ تصدير الاضطرابات للدول المجاورة.. ولا شك أن قيام ثورة الثلاثين من يونيو كان مبعث ارتياح كبير عبّرت عنه المملكة بمساندة دبلوماسية غير محدودة قدرتها مصر أكبر تقدير.. وقد امتد التأثير المتبادل بين البلدين لنرى موجة تغيير اجتماعى وثقافى وتنويرى كبيرة فى المملكة على يد ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان أدت لمزيد من انفتاح السعودية على الفنون والثقافة والسياحة والحريات الاجتماعية، وهو ما اعتبره البعض تأثيرًا متبادلًا محمودًا وطبيعيًا بين البلدين كان يحدث دائمًا فى عصور مختلفة.. فى ضوء هذا التحالف الاستراتيجى الثابت والدائم والمستمر أيضًا لا يزعج المحبين لعلاقات قوية بين الطرفين أن ثمة تغيرًا كبيرًا فى كلتا الدولتين منذ ٢٠١٣ قد ينعكس على شكل العلاقة بينهما ولكنه لا ينعكس أبدًا على جوهرها ومتانتها.. ففى كلا البلدين قيادة جديدة نسبيًا لها طموحات كبيرة لشعبها وأمتها.. وكلتا القيادتين تنظر للماضى فترى أنه اتسم بالجمود أكثر مما اتسم بالحركة، وبالثبات أكثر مما اتسم بالتقدم للأمام.. وبالتالى فكل منهما يحمل أحلام شعبه ويريد أن يتحرك للأمام بأقصى سرعة وهذا ما لا يمكن لوم قائد سياسى عليه.. ومن المتغيرات أيضًا أننا نعيش مخاض نظام عالمى جديد.. وأن روسيا عادت من جديد كوريث للقطب الثانى فى النظام العالمى الذى كان قد أصبح أحاديًا منذ ١٩٩٠.. وأن الصين ظهرت كقطب ثالث ورقم لا يمكن تجاهله فى هذا النظام الذى يتشكل من جديد.. وأن الإدارة فى الولايات المتحدة تعيش شيخوخة سياسية مع نظرة غير واقعية لحقائق السياسة فى الشرق الأوسط وفى غيره من مناطق الصراع فى العالم.. وأن حالة السيولة السياسية هذه استدعت ترتيب أوراق اللعب وصياغة علاقات جديدة، فالسعودية تفاوض إيران بوساطة صينية ومصر ترسل المساعدات لتركيا وتساندها فى مواجهة الزلزال وتفتح صفحة جديدة فى العلاقات معها.. وهناك أخبار أكيدة عن قمة مصرية سورية.. ورغم تاريخية علاقة مصر وسوريا فالسعودية لا بد أن تكون فى الصورة، حيث شكلت البلدان الثلاثة محورًا عربيًا مستقرًا لسنوات وكان خروج سوريا منه نذير شؤم على هذا الشعب الشقيق والعريق.. وما يثير ارتياح محبى البلدين فوق كل هذا أن لقاء القيادتين يغيظ الإرهابيين وأذنابهم ويحبط مخططاتهم للإيحاء بوجود خلاف.. وبالتالى فإن التحالف الاستراتيجى مستمر وقوى وقائم ولا يمنعه أبدًا وجود خلاف فى وجهات النظر حول بعض التفاصيل يتم حله وفق قاعدة.. الخلاف فى الرأى لا يفسد للأخوة قضية.