رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى العاشر من رمضان.. ماذا قدمت المؤسسات الدينية فى حرب العبور؟

حرب العاشر من رمضان
حرب العاشر من رمضان

يمثل العاشر من رمضان ذكرى أعظم انتصارات العسكرية المصرية العريقة فى أكتوبر 1973، الذى عبرت فيه القوات المسلحة بمصر وشعبها إلى العزة والكرامة، ويتجلّى دور الأزهر في حرب أكتوبر المجيدة من خلال قيام شيخه وقيادته وعلمائه الأجلّاء بالوقوف جنبًا إلى جنبٍ مع جنودنا البواسل يبيتون معهم في المهاجع؛ دعمًا لهم، ورفعًا لحالتهم النفسية، وترقيةً لروحهم المعنوية، ويرسّخون في قلوبهم ونفوسهم محبة الأوطان، وأنها جزء من العقيدة، والشهادة في سبيل الله دفاعًا عن الدين والوطن والعرض من أعظم الأعمال وأرفعها درجة عند الله.

كان لعلماء الأزهر الشريف دور لا يقل أهمية عن دور الجنود في حرب أكتوبر المجيدة؛ وذلك من خلال وقوفهم جنبًا إلى جنب مع جنودنا البواسل يقدمون لهم الدعم المعنوي، ورفع الحالة النفسية لهم، كما كان من بينهم مَن حمل السلاح وقاتل مع الجنود؛ ليظهر للعالم كله أن أبناء هذا الشعب كلهم يد واحدة في خندق واحد يدافعون عن الوطن ويحافظون على أرضه ومقدّراته.

وأكد الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، في وقت سابق، أن الأزهر الشريف كان حاضرًا وله دور فى حرب أكتوبر، منوهًا بأن علماءه نزلوا مع الجنود ساحة القتال لتثبيتهم معنويًا، وكانوا يرافقونهم فى الخنادق وفى أماكن التحصينات، وكان لديهم تصريحات خاصة حمراء اللون يتقدمون بها إلى خطوط القتال الأولى، وينزلون إلى الثكنات العسكرية.

وأضاف «الأزهري» أن من علماء الأزهر المشاركين في الحرب الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر، والشيخ محمد الفحام والشيخ الشعراوى والعدوى، مشددًا على أنهم سجلوا صفحات ناصعة فى التأهيل النفسى من علماء الأزهر للجنود، مؤكدًا أن نصر أكتوبر تضافرت كل هيئات البلد على إنجازه على رأسهم القوات المسلحة.

وانطلقت كتائب الدعاة بين الجنود لتخبرهم أن النصر لا يكون بقوة السلاح فقط، وإنما يكون بقوة الإيمان، وبالصدق مع الله تعالى، وبوضوح الهدف الذي يقاتل من أجله الإنسان، ويكون بالتوكل على الله «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ» وأنه إن مات مات شهيدًا، وإن عاش عاش حميدًا، فكانت صيحة المجاهدين في الميدان (الله أكبر).

وكان الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر السابق، يذهب بنفسه ليزور المقاتلين على الجبهة ويتدرب على حمل السلاح بجوارهم، ليشد من أزرهم ويبشرهم بنصر الله على الصهاينة المعتدين، بجانب اهتمامه أيضًا بإسهام الأزهريين في معركة العاشر من رمضان، وقد استعان في هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة لرفع الروح المعنوية لأبناء القوات المسلحة قبل المعركة.

وأثناء الحرب، انطلق الشيخ عبدالحليم إلى منبر الجامع الأزهر، وألقى خطبته الشهيرة به، وتوجه إلى الشعب المصري بأن يدعو الله تعالى أن ينصر الجيش المصري، وأن يستعيد أرض سيناء الحبيبة.

كما كان الشيخ الراحل حسن المأمون، شيخ الأزهر الأسبق، من الذين شاركوا الجنود في ساحة القتال، فقام بزيارة للجبهة عام 1968 وعقد ندوات للجنودِ بالوحدات العسكرية، رغم ظروفه الصحية، وقال قولته الشهيرة: "لعلى أُغبِّرُ قدميَّ فى سبيل الله، قبل أن ألقى ربي.. أعيشُ هذه اللحظاتِ بين الصامدين والمجاهدين فى الجبهةِ"، كما كان له دور كبير في خطة وقف إمدادات البترول لأمريكا والغرب، إذ يعتبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر الراحل أول من اقترح منع تصدير البترول للعدو قبل حرب أكتوبر بـ6 سنوات.

ومن المشاهد والمواقف التى تبرز الدور المهم للأزهر فى الاستعداد لحرب أكتوبر ما سطره الشيخ أحمد ربيع الأزهري، الباحث فى التاريخ والمنهج الأزهري، فى دراسة له عن «دور الأزهر فى تحقيق نصر أكتوبر المجيد.. قراءة فى فقه التهيئة النفسية والمعنوية للجنود»، وأشارت الدراسة إلى اهتمام الإمام الأكبر حسن المأمون بزيارة الجبهة عام 1968 وعقد ندوات للجنودِ بالوحدات العسكرية، رغم ظروفه الصحية قائلًا: «لعلى أُغبِّرُ قدميَّ فى سبيل الله، قبل أن ألقى ربي.. أعيشُ هذه اللحظاتِ بين الصامدين والمجاهدين فى الجبهةِ».

وأضاف الأزهري: مما يذكر للشيخ حسن المأمون أنه عقب نكسة 1967م  وجه نداءً متكررًا إلى الحكام العرب والمسلمين يناشدهم فيه استخدام سلاح البترول، وقال: «أيها المسلمون إن مصر لا تحارب إسرائيل وحدها إنها تكافح العدوان الموتور، الممثل فى أمريكا وبريطانيا»، وكان قطع البترول سلاحًا فتاكًا حقق النصر ورد للعرب كرامتهم. وأصدر فضيلته فتوى خلاصتها: «أن المعركة ليست معركة مصر وحدها وإن تعاون المسلم مع الأعداء خيانة عظمى فى الإسلام، والخيانة من أشد الجرائم وعقوبتها من أشد العقوبات فى الشريعة الإسلامية». كما ألف الشيخ المأمون كتابًا عن (الجهاد فى الإسلام) كان يصب فى تأهيل المجتمع ومن قبله الجنود على الجبهة لمعركة التحرير والعبور.

أما الشيخ الفحام رحمه الله، فمنذ الإعلان عن الحرب اعتبر نفسه جنديًّا في ساحة القتال، فكان يجمع الشعب المصري في إطار من التعبئة معنويًّا من أجل تحرير سيناء، وفي 11 من أبريل 1972م قام برفقة نخبة من علماءِ الأزهر بزيارة الجبهة لِرفْع الروح المعنوية للقوات المسلحة البواسل.

ويوضح أحمد ربيع الأزهري، خلال دراسته عن «دور الأزهر فى تحقيق نصر أكتوبر المجيد.. قراءة فى فقه التهيئة النفسية والمعنوية للجنود»، أنه منذ اللحظة الأولى التى تولى فيها الشيخ الفحام مشيخة الأزهر 17 سبتمبر 1969، اعتبر نفسه جنديًا فى ساحة القتال، فكان يجمع الشعب المصرى نحو هدف واحد وهو تحرير سيناء، وفى 11 من أبريل 1972م قام برفقة نخبة من علماءِ الأزهر بزيارة الجبهة لِرفْع الروح المعنوية للجنود والضباط.

وإذا كانت ظروف الشيخ الفحام الصحية ألجأته للراحة وطلب ترك المشيخة فى مارس 1973 فإن الله قد استجاب دعاءه وعبر القناة وصلى فى عمق سيناء، وكان بصحبته الشيخ محمد الذهبى ولفيف من علماء الأزهر الأجلاء وكبار قادة الجيش الثالث.

كان للشيخ محمد متولي الشعراوي دور كبير في انتصارات أكتوبر المجيدة حيث كان يذهب إلى الجنود فى مواقعهم ويلتقى بهم، ويلقى عليهم من علمه ما يؤكد لهم فضل الجهاد والانتصار لدين الله والوطن.

وروى الدكتور أحمد الشعراوى، نجل الإمام محمد متولي الشعراوي، في وقت سابق في مداخلة هاتفية ببرنامج "المسلمون يتساءلون" على قناة المحور، ملابسات رؤية الإمام الشعراوي، قائلًا "الرؤية متشابهة بين الشيخ الشعراوي والشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر وهي رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقود جيش مصر ويعبر القناة لتحقيق النصر".

وأكد الدكتور أحمد الشعراوى أن الرئيس أنور السادات كان من المحبين لآل البيت ويتردد على أضرحة أولياء الله الصالحين، وموضوع قرار خوض الحرب مجازفة كبيرة له وفق الحسابات البشرية في صفوف القوات ودعم أمريكا لإسرائيل وإمكانيات مصر المحدودة إلى أن جاءته رؤية الإمام الشعراوي التي طمأنته لخوض الحرب.

وذكر الدكتور أحمد الشعراوي، نجل الإمام محمد الشعراوي، عن أن والده عقب رواية الرؤية للرئيس أنور السادات شجعه على خوض الحرب ووعده بالنصر وهذه الرؤية كانت من البشائر التي تحدت ظروف الوقائع الصعب لأن ظروف الواقع بالحسابات العقلية ترجح عدم انتصار مصر في هذه الحرب، واضعًا العهدة في ملابسات الرؤية للدكتور أحمد عمر هاشم.

وفي تسجيل نادر لمحاضرة ألقاها الشيخ محمد متولي الشعراوي إمام الدعاة، على قادة وجنود القوات المسلحة المصرية في ذكرى نصر أكتوبر 1973، توجه الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى الحضور قائلًا: «أنا ومهمتي وأنتم ومهمتكم، نلتقي في أننا جميعًا جنود الحق أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان».

وأوضح الشيخ الشعراوي أن الحق لا يصارع إلا باطلًا، والباطل يتمثل في أمرين، باطل يقوم على فهم خاطئ يملكه الدليل الخاطئ، وباطل يقوم على الجهل واللجاج والمكابرة، وعمدة الحق في القضاء على هذين اللونين أن يكون له لسان يقوم بالحق والبرهان، وذلك يقتنع به العقلاء، وأن يكون له سنان يقنع ذوي الجهل والطغيان.

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن دور الأزهر تجلّى في حرب أكتوبر المجيدة؛ وذلك من خلال قيام شيخه وقيادته وعلمائه الأجلّاء بالوقوف جنبًا إلى جنبٍ مع جنودنا البواسل يبيتون معهم في المهاجع؛ دعمًا لهم، ورفعًا لحالتهم النفسية، وترقيةً لروحهم المعنوية، ويرسّخون في قلوبهم ونفوسهم محبة الأوطان، وأنها جزء من العقيدة، والشهادة في سبيل الله دفاعًا عن الدين والوطن والعرض من أعظم الأعمال وأرفعها درجة عند الله.

وأضاف المركز عبر صفحته على «فيسبوك»: «كما تقدّم بعضهم لحمل السلاح؛ ليظهر للعالم كلّه أن أبناء هذا الشعب كلهم أفرادًا ومؤسسات يد واحدة في خندقٍ واحدٍ يذودون عن حياض الوطن ويحافظون على ترابه ومقدّراته؛ فعاد بفضل الله للوطن كرامته وهيبته».