رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتجاجات باريس.. ماذا يجري في مدينة النور؟

احتجاجات باريس
احتجاجات باريس

لا صوت يعلو في أوروبا فوق صوت الاحتجاجات الفرنسية الرافضة بشدة لقرار الحكومة برفع سن التقاعد إلى 64 بدلًا 62، وهو القرار الذي وصفته الصحف الفرنسية والأجنبية بأنه تحدٍ كبير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وربما الأزمة الأشد وطأة في ولايته الثانية.

وبموجب التعديلات الأخيرة، سيضطر العمّال إلى دفع عام إضافي من اشتراكات المعاشات التقاعدية، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في شوارع فرنسا، فيما تصاعدت وتيرة الاحتجاجات، عقب قرار رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، بتمرير مشروع القانون دون تصويت البرلمان استنادًا إلى الفقرة الثالثة من المادة 49 والتي تسمح لرئيس الوزراء بتمرير القوانين دون التصويت عليها.

غضبٌ فرنسيّ

فور الإعلان عن خطة الرئيس الفرنسي لتعديل سن التقاعد، خرج آلاف الفرنسيين في تظاهراتٍ غاضبة انطلقت شرارتها منتصف يناير الماضي، من العاصمة باريس، وسرعان ما اتسعت رقعتها لتجتاح مدنًا عدة في بوردو، مرسيليا، تولوز، وغيرها.

وأشعل المتظاهرون النيران في صناديق القمامة، فيما اندلعت اشتباكات مع قوات الشرطة وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي أعاد للأذهان مشاهد احتجاجات السترات الصفراء خلال ولاية ماكرون الأولى.

وفي أول تعليق لها، قالت رئيسة وزراء فرنسا، إليزابيث بورن، إن أعمال العنف من قبل المتظاهرين ضد إصلاح نظام التقاعد غير مقبولة.

وكتبت بورن، في تغريدة عبر صفحتها بموقع «تويتر»: «من حقكم التظاهر والتعبير عن معارضتكم، ولكن العنف والضرر الذي رأيناه اليوم غير مقبول. أنا ممتنة للشرطة وخدمات الطوارئ التي تم حشدها».

أزمةٌ سياسية

الأزمة الأخيرة كادت أن تطيح بالحكومة الحالية بعد جلسة برلمانية للتصويت على سحب الثقة منها، إلا أن فارقًا ضئيلًا في الأصوات حال دون ذلك، ورفضت الحكومة مطالب النقابات بتعليق مشروع القانون الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، فيما أبدت الحكومة استعدادها للتحدث مع النقابات، ولكن في موضوعاتٍ أخرى.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن «إصلاح نظام التقاعد ضرورة للبلاد، لذا؛ اخترت المصلحة العامة»، مضيفًا: «إذا كان عليّ تحمّل عدم الشعبية، فسأتحملها».

شللٌ في الخدمات العامة

قالت صحيفة «ذا صن» البريطانية، إن حركة الاحتجاج الأخيرة تُعد أكبر أزمة داخلية في ولاية ماكرون الثانية، حيث أثّرت الإضرابات على قطاعات النقل والطيران والبترول والتعليم والسياحة أيضًا.

وأحدثت الاحتجاجات الأخيرة شللًا أصاب الخدمات الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد، حيث تعطلت حركة القطارات وتأثر النقل الجماعي في باريس، فضلًا عن إضراب عمال النظافة الذي أدى إلى تراكم أكوام النفايات في شوارع العاصمة الفرنسية، فيما ذكرت الكونفدرالية العامة للعمل «CGT» إن عمال النظافة في باريس سيوقفون إضرابهم الذي استمر 3 أسابيع وتسبب في تراكم آلاف الأطنان من القمامة بالعاصمة.

وقالت «أليكس ليدزوم» في تقرير نشرته مجلة «فوربس» إن هناك مخاوف من تأثير الاحتجاجات الأخيرة على قطاع السياحة في فرنسا، لا سيما في ظل تراكم أكوام القمامة في الشوارع، وإغلاق متحف اللوفر، وبرج إيفل، وقصر فرساي، فضلًا عن استمرار أعمال العنف في الشوارع.

وأشار التقرير إلى أن المطاعم في باريس فقدت ما بين 20 إلى 30٪ من إيراداتها منذ بدء الإضرابات، ومع تصاعد حدة الاحتجاجات، تواجه المطاعم قرارًا صعبًا لتقرير ما إذا كانت ستبقى مفتوحة أو البقاء مغلقة والمخاطرة بمواجهة المزيد من الضرر الناجم عن أعمال التخريب.

وأعلنت الإدارة العامة للطيران المدني في فرنسا خفض جدول رحلاتها الجوية، مشيرة إلى أن 20% من الرحلات سيتم إلغاؤها الخميس في مدن أورلي، مارسيليا، تولوز، وفي قطاع الطاقة، أدى إضراب عمال مصافي التكرير إلى تكدس ناقلات النفط ونقص إمدادات الوقود.

إلغاء زيارة ملك بريطانيا

لم يقف تأثير الاحتجاجات الأخيرة على القطاعات الداخلية فحسب، وإنما ألقى بظلاله على العلاقات الخارجية والأوضاع الدبلوماسية لفرنسا أيضًا، وهو ما بدا واضحًا عقب إلغاء زيارة الملك تشارلز الثالث إلى فرنسا، في أول زيارة له للبلاد منذ توليه الحكم في المملكة المتحدة.

وذكرت الرئاسة الفرنسية «الإليزيه» في بيانٍ سابق، أن هذا القرار اُتخذ من جانب الحكومتين الفرنسية والبريطانية بعد اتصالٍ هاتفيّ بين الرئيس ماكرون، والملك تشارلز الثالث، على أن يُعاد الترتيب لزيارة البلاد في أقرب وقت ممكن، فيما أعلن قصر باكينجهام أن ملك بريطانيا تشارلز الثالث وزوجته كاميلا، يأملان بزيارة فرنسا فور إيجاد موعد جديد لها بعد بسبب التظاهرات. 

وفقًا لما ذكرته صحيفة «لو ديفوار» الفرنسية، فإن اليوم العاشر من المظاهرات، جاء أقل عنفًا من الأيام السابقة، حيث قدّرت وزارة الداخلية الفرنسية عدد المتظاهرين الثلاثاء الماضي، بنحو 740 ألفًا في مختلف أنحاء البلاد، من بينهم 93 ألفًا في العاصمة باريس، وهي أعداد أقل بكثير من تظاهرات 23 مارس التي تجاوزت المليون في جميع مدن فرنسا، من بينهم 119 ألفًا في العاصمة وحدها، فيما أبلغت الشرطة عن 55 حالة اعتقال في باريس.

من جهته، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، عن حشد 13 ألفًا من قوات الشرطة، خلال اليوم العاشر من الاحتجاجات، مشيرًا إلى أنه تم اعتقال 201 شخصًا.

وقال عبر «تويتر»: «شكرًا لـ 13000 من رجال الشرطة والدرك الذين تم حشدهم في جميع أنحاء فرنسا لضمان سلامة الأشخاص والممتلكات»، مضيفًا: «تم تقديم الدعم الكامل لـ 175 جريحًا، واعتقال 201 حتى هذا الوقت».

تظاهرة جديدة

وقالت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، إن الاتحاد النقابي في فرنسا دعا ملايين العمال والشباب إلى تظاهرة جديدة يوم 6 إبريل المقبل.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية «فرانس 24» أنه بعد اليوم العاشر من الاحتجاجات، عرضت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، عقد لقاء مع قادة 8 نقابات؛ لإجراء محادثات في وقتٍ مبكر من الأسبوع المقبل، فيما تستمر التظاهرات في محاولة للضغط على الحكومة للتراجع عن مشروع القانون والحيلولة دون تنفيذه.