رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حديث عن المسرحية

لا أعتبر الشيخ الشعراوى فقيهًا.. ولا رمزًا مقدسًا.. لكننى بالقطع أحترمه وأقدر دوره ومحاولاته واجتهاداته التى أعتقد أنها قابلة للتداول وللنقد.. ولا أعرف سببًا وجيهًا لكل هذه الدوشة التى أحدثتها فكرة تقديم عمل فنى عنه سواء كان فى صيغة أمسية أو مسرحية.. 

لا أعرف كيف غاب عن الجميع أن أى عمل فنى لا يخرج عن كونه مجرد عمل فنى.. يتناول شخصيات درامية ليس بكونها تاريخًا بقدر كونها شخصيات تصلح للدراما.. يتساوى فى ذلك شخصية قاطع طريق.. أو بطل شعبى.. أو رجل اقتصاد.. ما أعرفه أنك حين تحول شخصية رجل مثل طلعت حرب أو أم كلثوم أو صالح سليم إلى شخصية درامية فأنت تصنع فرجة درامية لا علاقة لها بالواقع.. الخيال والفن وحده هو المعيار الوحيد للتعامل معها.. وأظن هذا ما حدث عندما قدم التليفزيون عملًا عن الشيخ الشعراوى منذ سنوات ولم يحدث أن قامت مثل هذه الهوجة.. فكرة المنع فى الأصل فكرة مرفوضة.. الوصاية على الإبداع والمبدعين فكرة لم تعد قابلة للتداول منذ زمن بعيد.. فما الذى جرى؟ 

يمكن لأشخاص مختلفين تقديم أكثر من عمل فنى عن شخص واحد.. عن سيرة واحدة.. عن فكرة واحدة بأشكال مختلفة ومن زوايا مختلفة.. هذا ما عرفناه وعشناه.. فما الذى حدث؟.. لماذا نمارس هذه الحدة ضد بعضنا البعض، لدرجة أن بعضهم يتهم مدير المسرح القومى، وهو رجل مسرح بامتياز مارس الفن منذ ما يزيد على ثلاثين سنة، بأنه تافه ولا يستحق أن يجلس فى مكانه لمجرد أنه وافق على فكرة تقديم شخصية الشعراوى فى مسرحية أو أمسية درامية؟.. لا أناقش أفكار الشعراوى ولا سيرته ولا دوره فى الحياة السياسية كوزير سابق ولا دوره فى الحياة الفكرية والاجتماعية، وقد أميل إلى رفض الكثير مما كان يتبنى من آراء لكنها تظل بالنسبة لى مجرد آراء لرجل يجتهد.. ولا أعرف من أين جاء منتقدوه ومؤيدوه بذلك اليقين الذى يتحدثون به إلى حد الاحتراب.. هذه الحالة تدفع بنا إلى شتات كنت أظن أننا تجاوزناه منذ زمن. 

أفهم أن تقوم الرقابة على المصنفات الفنية فى سياق وظيفتها ودورها الذى كفله لها القانون بالاعتراض على تناول ما.. مشهد ما.. فكرة ما.. داخل نص تقدم لها ليحصل على إجازة بالعرض وفق ما هو متبع.. لكن أن نتحول كلنا إلى رقباء نمارس دور الرقيب على السوشيال ميديا وفى صفحات الصحف وفى التوك شو فهذا ما لا أستوعبه.. وأعتقد أنه خلط للأدوار والوظائف بشكل مزعج وكارثى.. قد أقبل كل هذه الثورة المفتعلة لو أن المسرح القومى قدم عملًا مسفًا.. يخالف العرف والأخلاق والقيم.. أو حتى لمجرد أنه ضعيف فنيًا.. أقبل ذلك.. لكن أحدًا لم يقدم شيئًا بعد حتى ننتقده ونثور عليه.. نحن نحاسب الناس ونطالب بإعدامهم فى الفضاء العام لمجرد أنهم فكروا. 

هذا أمر غريب وغير مسبوق فى ظنى.. ماذا لو أن مؤلف هذا العمل المزعوم قدم نفس وجهة نظر الذين يكرهون الشعراوى.. هل كانوا سيفرحون ساعتها ويمدحونه ويمدحون المسرح ومديره؟.. ومن أدراهم أن الرجل كان سيتبنى وجهة نظر مخالفة لهم؟.. إنه استباق غريب ومصادرة غير مسبوقة، وللأسف بعض من تبناها وشارك فيها يقدم نفسه للساحة باعتباره مبدعًا ومفكرًا.. كيف لمفكر أو مبدع أن يصادر إبداعًا فى مهده؟.. أعرف أن البعض سيتبنى نظرية وإحنا هنستنى لحد ما نشوف. 

تذكرنى هذه القصة بنكتة يعرفها الكثيرون فى الوسط الصحفى.. تقول إن زميلًا صحفيًا حلم بأنه سيحل محل مديره فى العمل.. وأخبر زميلًا له بذلك الحلم.. فقام بإخبار المدير الذى جاء بالصحفى وعاقبه لأنه حلم.. نعم نحن نعاقب الناس على نواياهم.. مجرد النوايا.. والنكتة إياها لم تعد نكتة.. والحلم لم يعد مجرد حلم.. صار كابوسًا.. أى حريات تلك التى نطالب بها وندعو إليها ونحن نعلق المشانق لمن يفكر.. مجرد التفكير فى أن يقدم عملًا مسرحيًا.. هذه ليست نكتة أبدًا.