بالعرقسوس وجلباب فضفاض ولفافات التبغ.. طقوس زكريا أحمد في التلحين

بالعرقسوس وجلباب فضفاض ولفافات التبغ، ملخص طقوس زكريا أحمد في التلحين، تحديدًا عندما يبدأ في لحن جديد من ألحانه، بحسب ما ذكرت مجلة الكواكب الفنية: "في جوف الليل يبدأ مداعبة العود، وأهم ما يعنيه هو تصوير معاني أغانيه.. لذلك يبذل مجهودًا كبيرًا في كل بيت من أبيات الأغنية، حتى يشعر أن الأنغام تصور الكلمات تصويرًا حقاً، أما كيف يجلس الشيخ زكريا أحمد للتلحين، فغالبًا ما يكون بجلبابه الناصع الفضفاض، وأمامه لفافات التبغ "وشفشق" العرقسوس المضبوط.

رصيد فني غزير

ويصف الفنان محمد حسن الشجاعي، الملحن الشيخ زكريا أحمد ــ والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1896 ــ لقد بلغ الإنتاج الفني الذي خلفه الفنان الكبير زكريا أحمد 1075 أغنية مختلفة الأنواع والألوان، و56 أوبرا وأوبريت.

ويوضح “الشجاعي” في المجلد التذكاري الذي أصدرته جمعية أنصار زكريا أحمد خلال العام 1961: "أن هذا المحصول الموسيقي العظيم لم يتوافر لأي فنان في العالم العربي حتى وقتنا هذا، كما أن هذا المحصول الوفير لم يسقط منه لحن واحد.

زكريا أحمد يلحن أنشودة واحدة بـ 4 أوزان مختلفة

إن زكريا أحمد قد استطاع وحده أن يبرز معالم الموسيقي العربية في ألحانه العديدة الخالدة، وقد استعمل من الأوزان المختلفة عددًا كبيرًا، وفي سنة 1922 طلع علي الدوائر الفنية بمعجزة موسيقية باهرة، إذ لحن أنشودة "بعد ما ضحيت حياتي في الغرام" من أربعة أوزان مختلفة، بدأها بوزن النوخت، ثم السماعي، المصمودي، وأخيرًا الفالس، وغناها يومئذ المطرب المعروف صالح عبد الحي، فكانت حدثاً فنيًا وتجديدًا حقيقيًا أثارت ضجة كبرى في جميع الأوساط الفنية.

زكريا أحمد دائرة معارف فنية

ويلفت “الشجاعي” إلى أن زكريا أحمد دائرة معارف فنية جامعة، وقد لحن مختلف الألوان وأتقنها جميعا كل الإتقان، ولم يكتف بالألحان البدوية واللبنانية والتونسية والمغربية وأغنيته الفوازير (جول لي ولا تخبيش يا زين.. إيش تجول العين للعين) التي غنتها السيدة أم كلثوم تعتبر وحدها معجزة في هذا اللون ولم يستطع أن يلحنها أحد سوي زكريا أحمد، بذلك الإتقان الرائع للجملة الموسيقية والجملة الإلقائية المعبرة، لأول مرة في تاريخ فننا.

ويشدد “الشجاعي” على أن زكريا أحمد: “الموسيقار الفنان، كانت له طريقة فريدة في التلحين فهو يتفهم معاني الأغنية بدقة بالغة، ثم يعطيها الوزن الموسيقي المطابق لوزن بحرها الشعري، إذ كان ضليعاً في علم العروض ــ أوزان الشعر ــ كما كان أديبا واسع الاطلاع، وبذلك كان نجاح ألحانه منقطع النظير”.

لماذا خلع زكريا أحمد العمامة؟

وفي مقال له نشر بمجلة الكواكب، يكشف الشاعر صالح جودت، عن سر خلع الشيخ زكريا أحمد للعمامة وتحوله إلي ارتداء البدلة والطربوش. 

يقول جودت: "شيخ الملحنين وإمام الموسيقيين الشيخ زكريا أحمد ظل يخطر بجبته الزاهية، وعمامته البيضاء، في أجواء الفن ردحا من الزمن، حتي شاء له القدر أن يسافر إلي باريس، ليلحن ويغني ويمثل في أحد الأفلام المصرية، أيام كانت استديوهاتنا عاجزة عن إتمام العمليات الفنية كلها، وكان لابد أن يتم تصوير بعض مراحلها في الخارج.

ويلفت صالح جودت إلي أن الشيخ زكريا أحمد: وفي باريس، خلع الشيخ زكريا أحمد العمامة و"تطربش"، وخلع الجبة و"تفندم" ــ نسبة إلي أنه صار أفندي ــ ولكنه لا يزال حتي الآن رغم بدلته الأنيقة، وطلعته المشرقة، وشعره اللامع الذي لا يحجبه طربوش، لا يزال يحب أن يناديه الناس بقولهم: يا شيخ زكريا.