رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«موطن الخطر هو أن تفتقد الرغبة».. تفاصيل وصية أمبرتو إيكو لحفيده

أمبرتو إيكو
أمبرتو إيكو

في عام 2014 طلبت مجلة اسبريسو الإيطالية من الروائي الإيطالي الشهير امبرتو إيكو كتابة خطاب يوجهه لابنه أو حفيده، وكتب إيكو الخطاب الذي يعد كوصية من الجد للحفيد، الخطاب ترجمه محمد عبدالقادر المعداوي ونشر بمجلة فكر الثقافية، وجاء بالشكل التالي..

حفيدي العزيز

حفيدي العزيز: احفظ دروسك عن ظهر قلب.

حفيدي العزيز، لا أريد في رسالتي إليك أن أسديك النصائح التقليدية عن حب الرفاق أو الوطن أو العالم أو الأشياء ومن هذا القبيل.

لن تصغي إليها، وعندما يحين الوقت لتطبيقها عندما تصبح بالغًا وأصبح أنا من الماضي البعيد، ستكون منظومة القيم قد تغيرت بشكل ربما يجعل نصائحي لك تبدو عتيقة قد عفا عليها الزمن وتجاوزها.

لذلك أريد أن أقتصد على نصيحة واحدة، نصيحة يمكنك أن تشرع فورًا في تنفيذها، بينما تتصفح الإنترنت على جهاز التابلت أو الآيباد الخاص بك، ولن أسقط في هوة تعنيفك ونصحك بعدم اللجوء لمثل هذه الأجهزة ليس لأني سأبدو ساعتها جدًا خرفًا فقط، ولكن لأني أستخدمها أنا أيضًا.

موضوع رسالتي

على كل، ليس هذا ما كنت أود الحديث إليك بخصوصه، موضوع رسالتي إليك يتعلق بهذا المرض الذي أصاب جيلك واستشرى حتى طال كذلك جيل الشباب الأكبر منك سنًا، والذين ربما قد التحقوا بالجامعة وأقصد بهذا المرض فقدان الذاكرة.

صحيح أنك إذا رغبت الآن في معرفة من كان شارلمان أو أين تقع كوالا لمبور، فما عليك إلا الضغط على بضعة أزرار وسيتكفل الإنترنت بتزويدك بالإجابة فورا، قم بذلك وقت الحاجة لا ضرر في الأمر، ولكن اجتهد بعدها في تذكر ما عرفته حتى لا تضطر للقيام بالبحث عنه مجددا إذا لزم الأمر، واحتجت إليه مثلا لإنجاز واجبك المدرسي، موطن الخطر هنا هو أن تفتقد الرغبة في استذكار الأمر وحفظه عن ظهر قلب، ظنًا منك أن جهاز الكمبيوتر سيسعفك دائمًا وفي أي وقت، سيكون الأمر مماثلًا قليلًا لشخص تعلم أنه من أجل الذهاب من شارع محدد إلى شارع آخر يمكن له ركوب الحافلة أو المترو وغيرها من وسائل النقل التي تسمح له بسرعة الحركة "وهو شيء صحيح ومريح للغاية أنصحك بالقيام به كلما دعت الضرورة وكنت على عجلة من أمرك"، ولكنا لشكل هنا أن يظن المرء أنه بهذه الطريقة لم يعد بحاجة لممارسة المشي.

احفظ أبياتًا من الشعر

وصيتي أن تحفظ كل يوم بضع أبيات من الشعر أو قصيدة قصيرة، أو حتى أناشيدك المدرسية كما كنا نفعل، وربما أمكنك التنافس مع أصدقائك بمعرفة من يمتلك ذاكرة أفضل، إذا كنت لا تحب الشعر.

سيأتي اليوم الذي تكون فيه متقدمًا في السن، وستشعر وقتها كما لو أنك لم تعش حياة واحدة فقط، بل ألف حياة، سيكون الأمر كما لو أنك حضرت بنفسك وقائع معركة واترلو، وشهدت أمام عينيك اغتيال يوليوس قيصر، وربما تصادف الأمر لتقف بعيدًا بعض الشيء عن المكان الذي قام فيه بيرتولنو "الأسود" بخلط بعض المواد في مدفع هاون في محاولته لاكتشاف طريقة يصنع بها الذهب، ولكنه عوضًا عن ذلك اكتشف خطأ البارود، ليقضي حتفه متطايرًا في الهواء ليلقى ما يستحقه.

أما أصدقاؤك الآخرون الذين لم يتنفعوا بذاكرتهم جيدًا فسيكونون قد عاشوا حياة واحدة وأقصد بها حياتهم، والتي ربما كانت وحيدة وكئيبة وجدبًا من العواطف الجياشة.

الوصية

وصيتي إليك حفيدي العزيز إذن هي ألا تهمل ذاكرتك، ومن الآن فصاعدًا لا تنسى حفظ أناشيدك المدرسية عن ظهر قلب.