رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيلم Glass Onion.. فكرة مثيرة اختنقت بحبال حبكة ضعيفة ونهاية طفولية

أبطال فيلم glass
أبطال فيلم glass onion

قد يكون من علامات السماجة و«الأونطة»، أن تتحدث بسلبية عن عمل فني أعجب كل من حولك، يظهرك هذا في الغالب وكأنك شخص جِلف يقف وحيدا، يستخف بالجميع ويهزأ بآرائهم، ويظن أنه فلتة زمانه وعصره وأوانه. 

فمنذ عرض فيلم Glass Onion، على «نتفليكس» في 23 ديسمبر الجاري، وهو يتصدر اهتمامات المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، واحتفى به أغلب النقاد والمهتمون بعالم الأفلام داخل مصر، وفي الحقيقة هذا الاحتفاء قد يبدو منطقيا، لأن الجزء الأول « Knives Out» كان مميزا وساحرا، وربما هذا العالم السحري والمسلي الذي نجح في نسجه الكاتب ريان جونسون في النسخة الأولى، قد طغى بالإيجاب على انطباع ورأي الجمهور في النسخة الثانية، فأحيانا عن عمد، نتغافل عن أشياء سيئة في حياتنا، لنحتفظ بمزاج صافٍ أو بالصورة المثالية عن بعض أشياء عالقة في أذهاننا ووجداننا. 

لكن في الحقيقة أريد أن أعكر هذا المزاج وأن أحطم هذه الصورة الجميلة، وأتبنى ما جاء على لسان بطل الجزء الثاني «مايلز برون»، الذي جسده إدوارد نورتون: «إذا أردت إحداث تغيير جذري، اكسر قاعدة أو نموذج أو عُرفا، لكن اختر شيئا ملّ الناس منه، سيتحمس الجميع لأنك تخرق هذا الشيء». 

وأنا أريد أن أخرق هذا العمل، الذي لم يستطع كاتبه أن يخلق فيه نفس العالم المثير في النسخة الأولى، فقد بدأ الفيلم بداية واعدة ومشوقة ومثيرة، ثم تقريبا نسى الكاتب ما يكتبه، وجاء في منتصف الفيلم وسط لحظات الإثارة، ليعيد حكي الرواية وإعادة تقديم الشخصيات، ثم أحدث فوضى مفاجِئة وأنهى الفيلم بطفولية أصابتني بخيبة أمل بعدما ضاع أكثر من ساعتين في مشاهدة فيلم لا يقل وباءً عن وباء الفترة التي تم تصويره فيها، وهي فترة كورونا!. 

قصة فيلم  Glass Onion..  بداية قوية ونهاية طفولية 

يبدأ الفيلم بدعوة مجموعة من الأصدقاء الأثرياء إلى جزيرة الملياردير التكنولوجي مايلز برون «إدوارد نورتون»، وبما أنهم من هواة حل الألغاز، يطلب منهم «مايلز»، أن يحلوا لغز جريمة مقتله المتخيلة خلال حفل العشاء في الجزيرة. 

وفي ثوانٍ يقوم بحلها المحقق المخضرم بينويت بلانك «دانيال كريج»، ويفسد الحفل واللعبة بأكملها على الأصدقاء، ليقرر الجميع مغادرة الجزيرة في الصباح، لكن فجأة يموت أحد الأصدقاء، وتنقطع الكهرباء عن الجزيرة، لتصاب صديقة أخرى وهي «أندي» برصاصة ويظن الجميع أنها قتلت. 

ويتوقف الفيلم عند هذه اللحظة المثيرة، ليبدأ حكي القصة من البداية ويعرفنا على الأصدقاء وعلاقتهم بـ«مايلز»، وكيف أنه يستغلهم جميعا في أعماله المشبوهة، كما نتعرف على لغز قتل «أندي» على يد «مايلز»، ثم نعرف أن التي تم إطلاق الرصاص عليها في الجزيرة ليست «أندي» بل شقيقتها التوأم «هيلين»، وأنها استأجرت المحقق المخضرم «بلانك»، ليساعدها في حل وفاة أختها. 

وعندما ينتهي «الفلاش باك»، نرى الأصدقاء مجتمعين داخل القصر بعد مقتل صديقهم «ديوك»، ويكشف المحقق المخضرم الحقيقة، وهي أن «مايلز» وراء مقتله بعدما وضع له الأناناس في مشروبه، لأن «ديوك» يعاني حساسية قاتلة من الأناناس.

تتسارع الأحداث، وتظهر «هيلين» بمنديل شقيقتها «أندي» الذي يثبت حقوق ملكيتها لفكرة عظيمة سرقها «مايلز» منها ثم قام بقتلها، ولكن الأخير قام على الفور بحرق المنديل الذي يثبت سرقته، ويضغط على أصدقائه بألا يقفوا بجانب «هيلين» أمام القضاء، وبالفعل يرضخون له.

هنا تطلب «هيلين»، المساعدة من المحقق «بلانك»، لكنه يخبرها بأنه لا شيء يتبقى كي يفعله، ثم يعطيها بلورة طاقة هيدروجين اخترعه «مايلز»، فقامت بتدمير القصر والجزيرة بأكملها، وينتهي الفيلم بمشهد المحقق المخضرم وهيلين جالسين على الشاطئ في انتظار وصول الشرطة اليونانية، وبهذا حققت نجحت في الانتقام وتحقيق العدالة لشقيقتها المرحومة!. 

فيلم  Glass Onion..  هكذا ستشعر بخيبة أمل بعد المشاهدة

لا شك أن ستشعر باستمتاع غريب في النصف الأول من الفيلم، لأن الفكرة بدأت مثيرة وممتعة، لكن فجأة يسرق الكاتب والمخرج منك هذا الإحساس، وكأنه عجز عن استكمال فكرته الجذابة. 

على سبيل المثال ظل الكاتب والمخرج ريان جونسون طوال الفيلم يشير إلى لوحة الموناليزا داخل القصر، وكأنه ينبهنا كمشاهدين إلى شيء ذكي سيحدث من خلال هذه اللوحة، لنفاجأ في النهاية أن لا شيء سيحدث من خلالها وأنها ستحترق مثلها مثل باقي محتويات القصر في النهاية.

هناك شيء خاطئ داخل الفيلم، وهو أن فريق العمل المكون من إدوار نورتون، دانيال كريج، كيت هيدسون، ديف باتيستا، أودوم جونيور، غير متجانسين تماما، مجرد أسماء براقة ولامعة في عمل باهت، فشخصياتهم المكتوبة باهتة لا يمكن أن تلمس فيها أي اختلاف أو تباين أو حتى تشابه!. 

قد يكون الفيلم لمجرد التسلية نعم، لكن هناك أفلام في نفس هذا الاتجاه، تفوقت بكثير، وقد تم عرضها على نفس المنصة «نتفليكس»، وحققت المتعة لكل المشاهدين آخرها فيلم «النشرة الحمراء» لدوين جونسون، وبالمقارنة ستجد كيف حقق المتعة، وحقق كل عناصر الدراما ورسم الشخصيات وفهم دوافعها، في حين نرى في «Glass Onion»، أننا أمام عمل فكرته مثيرة لكنها اختنقت بالفعل بحبال حبكة عاجزة، وشخصيات ضعيفة، ونهاية فوضوية وطفولية. 

إن الكاتب ريان جونسون يحتاج بكل تأكيد إلى كاتب آخر في الجزء المقبل، يساعده في خلق حبكة مثيرة مكتملة، قادرة على إدهاش الناس، لأن هذه النوعية من الأفلام تحتاج إلى كتابة ذكية، لا كتابة «كروتة»، ثم تقفيل وتسليم في السريع، لأن هذه الطريقة يبدو أنها ظاهرة عالمية، فآخر شيء يفكر فيه المبدعون حاليا، هو الجمهور!.