رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دروس الحب».. نظرة مختلفة إلى أكثر شىء تحدث عنه الشعراء والكتاب

جريدة الدستور

- اعتبار الآخر كاملًا دليل على فشلنا فى الفهم

- علينا أن نحاذر الحكم على علاقاتنا انطلاقًا من التوقعات التى يفرضها علينا خيالنا

- من الخطأ إلقاء قدر كبير من المطالب على كاهل شركائنا

الحب هو أكثر شىء كتب عنه الشعراء والكتاب على مر العصور، حيث لا يخلو أى شىء فى الحياة من الحب، فلا يستطيع أى شخص تجنب وقوعه فى الحب.

ورغم الكتابة عن الحب واهتمامنا به إلى حد الهوس عند بعض الأشخاص، إلا أننا حتى الآن ما زلنا تائهين. ما زلنا لا نعرف أى شىء عن الحب لأن الحب لا يرتبط بقاعدة أو قانون، فهو كشفرة معقدة ما إن تنتهى من حل هذه الشفرة حتى تتحطم آمالك لتكتشف أنك لم تفعل شيئًا.

فالإنسان حتى الآن لم يفهم الحب بشكل كامل. ومهما كانت تجاربنا السابقة، سنظل نخطئ بشكل جديد ومختلف فى علاقات قادمة. لكن لحسن الحظ، من خلال الأشعار والأدبيات والوسائل والعلاقات الأخرى نستطيع أن نفهم أنفسنا بشكل أفضل ومن خلال فهم أنفسنا وتحليلها نستطيع أن نفهم الحب والشريك بصورة أوضح.

فى رواية «دروس الحب» الصادرة عن دار التنوير، يقدم الكاتب والفيلسوف الإنجليزى «آلان دو بوتون» تحليلًا فلسفيًا ونفسيًا للحب الرومانسى وميزاته والمخاطر المترتبة عليه فى العلاقة الزوجية المعقدة بين الزوجين، من خلال تتبع مسار علاقة حب تجمع شابًا يُدعى «رابح» وفتاة تُدعى «كريستين».

العلاقة التى بدأت بالمصادفة، حيث تعارفا من خلال عمل مشترك، ثم تطورت هذه العلاقة إلى صداقة، حتى تحولت إلى حب متبادل بين طرفين. حب مشحون بسحر البدايات الخادعة التى دائمًا ما نقع فيها، لأن الحب دائمًا ما ينطوى على قبول وجود الشريك بكليته حيث نراه كاملًا، خاليًا من العيوب.

من خلال هذه الرؤية للطرف الآخر تكون شهور الحب الأولى عاطفية جدًا: «ففى إطار علاقة جديدة، تلقى نواحى هشاشتنا وضعفنا تعاملًا كريمًا. فحياؤنا وارتباكنا وخراقتنا، تكون كلها مثيرة للحب والإعجاب بدلًا من أن تكون سببًا للسخرية أو الشكوى. لا تفسّر جوانبنا الأكثر صعوبة إلا من خلال التعاطف معنا والترفّق بنا». 

يتتبع الكاتب حياة الزوجين فى مراحل حياتهما المختلفة، يحلل شخصيتهما وطريقة تعاملهما مع المشكلات، والتبريرات التى يلجآن إليها فى مختلف التصرفات والقرارات خلال حياتهما، ليحدثنا من خلال فلسفته عن رؤيته ووجهات نظره وأفكاره بخصوص كل حدث، وكيف نتجاوز مشكلاتنا، وكيف نفهم أنفسنا من خلال فهمنا للآخر.

ففى فترة ما بعد زواجهما ومع مرور الوقت وتزايد المسئوليات والانغماس أكثر فى الحياة الواقعية واليومية بمشكلاتها وأعبائها، يواجهان عقبات الحياة معًا حينًا، وفى أوقات أخرى يكونان عقبة لبعضهما. وكالعادة مع ظهور المشكلات يهدأ الحب العاصف ويتحول إلى حب أكثر هدوءًا، حب ملىء بالمشاحنات الداخلية الصامتة والعتاب.

«فى حقيقة الأمر، نادرًا ما تجرى مشاحنات من أجل (لا شىء) فى زواج رابح وكريستين. فتلك الأمور الصغيرة هى فى حقيقتها أمور كبيرة لم تحظ بالاهتمام اللازم. وليست خلافاتهما اليومية إلا الخيوط السائبة التى تعلق بنتوءات نقاط التضاد الأساسية بين شخصيتيهما».

يقعان فى الخيبات نتيجة لأفعال وتصرفات بسيطة سخيفة قد تزعج الطرف الآخر، لكن يظل بداخل هذه التصرفات دافع يجهله الطرف الآخر فى العلاقة، غالبًا ما يكون الدافع متعلقًا بتشوه فى شخصيتنا حدث لنا فى طفولتنا. فمستقبلنا هو الامتداد لماضينا وهكذا يستطيع ماضينا التأثير فى حاضرنا بقوة. ودائمًا يكون الطرف الآخر غير مطلع على دافع تصرفات شريكه نتيجة خوف الشريك الآخر، خوفه من مواجهة ماضيه ومخاوفه وإطلاع شريكة على نقاط ضعفه التى ربما لو عرفها ستكون العلاقة أكثر استقرارًا.

وبهذه التصرفات الغريبة، مجهولة الدافع، يبدوان كغريبين لا يفهم أحدهما الآخر. وبمجىء الأطفال يأتى معهم حب آخر، حب ممزوج بالتعب والضجر المقبولين من أجل هؤلاء الأطفال. ومع مرور السنوات تتراكم المشكلات والخذلان ويفشل الاحتواء وكل فرد يلقى اللوم على الآخر بدافع الاستياء والضغط. ومع غياب الصبر على التفاوض والمناقشات ومحاولة فهم كل منهما تصرفات الآخر ومتطلباته ومخاوفه لإيجاد حلول، يأتى الضجر والاستياء والتفكير فى الطلاق وإيجاد العديد من الطرق والصياغات لتبرير الخيانة.

يكمن أكبر مشكلاتنا عندما «نقاتل بدلًا من أن نوضح ونشرح، ونكرر الكلام إلى حد مزعج بدلًا من أن نعلِّم، ونقلق بدلًا من أن نحلل مخاوفنا، ونكذب ونلقى باللوم على من لا يستحقه».

نُلقى قدرًا كبيرًا من المطالب على كاهل شركائنا، وننتظر منهم إيجاد حلول لكل شىء فى حياتنا. ونبالغ فى قدرات الشخص الآخر بنوع عجيب من الإجلال والكمال. حيث نعتبر دائمًا الشخص الآخر كاملًا، فالحب هو البحث عن الكمال الذى ينقصنا نحن ونريده فى الشخص الآخر. فاعتبار الشخص الآخر كاملًا لا يمكن أن يكون سوى دليل كامل على فشلنا فى فهمه وفهم الحب.

لذلك علينا أن نحاذر الحكم على علاقاتنا انطلاقًا من التوقعات التى يفرضها علينا خيالنا، لا من خلال استنتاجات وتفسيرات منطقية لأفعال وتصرفات تمت بيننا وبين الطرف الآخر. وتكون هذه التوقعات والأحكام التى نأخذها من الفن كالأفلام والأغانى والروايات ونحكم على علاقتنا من خلالها، مضللة فى أحيانٍ كثيرة.

يجب أن ندرك أن مؤسسة الزواج فى أساسها غير عقلانية بالمرة فى متطلباتها وسط متطلبات حياتية شاقة ومرهقة للطرفين. «فالزواج: مقامرة سخية، كلّها أمل. هو مغامرة لطيفة لطفًا لا حدَ له يُقدِم عليها شخصان لا يعرفان بعد من يكونان، أو لا يعرف الواحد منهما بعدُ من يكونان، أو لا يعرف بعدُ من قد يكونه الشخص الآخر، فيربطان نفسيهما بمستقبل لا يستطيعان فهمه، بمستقبل حَرصا كل الحرص على تفادى تحرّيه».

لذلك يحب أن نواجه أنفسنا بالحقائق الواقعة ونجعل أنفسنا تتلاءم مع فكرة أننا نعيش مع إنسان ناقص مثلنا، يمكنه أن يخطئ أحيانًا ويصيب كثيرًا أو العكس، «فإن اختيار من نتزوَّجه ليس إلا مسألة تقرير نوع المعاناة الذى نجد أنفسنا راغبين فى تحمّله».

نحن بشر متنوعون وفريدون إلى حد بعيد. ولا إمكانية لوجود تطابق دائم. فليس الشريك المناسب حقًا هو من تشاء المصادفة أن يشاركنا كل ميل وهوى، بل هو من يستطيع التعامل مع ميولنا تعاملًا ذكيًا وراضيًا. «لذلك علينا التأقلم مع حقيقة أنه لا وجود لأحد يمكن اعتباره (الشخص الصحيح)، كما أن كل إنسان لا بد أن يكون غير مناسب قليلًا عند معايشته عن قرب».

وبدلًا من الفكرة العقيمة عن التكامل التام، فإن قبول اللاتماثل قبولًا متسامحًا يصل بنا إلى الشخص الصحيح. فالتوافق أمر ينجزه الحب. وليس شرطًا يسبقه «إن الحب مهارة، لا فيضَ حماسة» فالحب يضم نمطين: أن تُحِب وأن تُحَب. علينا أن نتزوج عندما نكون مستعدين لأن نُحِب. وعندما نصير مدركين شدة تركيزنا على الخطير وغير الطبيعى على أن نُحَب، حيث يبدأ الحب بأن يرى المرء أنه صار مفهومًا بطرق لم يألفها من قبل. تلامس هذه الطرق أجزاءنا التى تشعر بالوحدة، فى هذا الوقت نشعر بالارتياح لأننا صرنا مفهومين ومقبولين ونستطيع أن نكون طفوليين، ساخرين، هشين لأن الحبيب قادر على فهم هذا كله فينا. وعند ذلك لا داعى لشرح ما يدفعنا نضحك أو نبكى أو غير ذلك.

هذا الكتاب يقدم معنى مختلفًا عن الحب، فالحب الذى يتحدث عنه ويفسره الكاتب ليس الحب الذى يوجد فى الأفلام والروايات الذى دائمًا ما ينتهى بنهاية سعيدة. لكنه يحلل الحب الذى ينتهى بنهاية مأساوية، الحب الملىء بالصعوبات والضغوطات، الحب المفعم بالأهداف والدوافع المبنية على أسس خاطئة من الأساس.