رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى السينما الجديدة.. أنا لا أسرق ولكنى أتجمَّل!

عام ١٩٩٢ قدّم النجم الراحل أحمد زكى واحدًا من أهم أفلامه.. بل هو أحد أهم أفلام السينما المصرية فى تاريخها كله.. اسمه «ضد الحكومة»، من إخراج العبقرى الراحل عاطف الطيب.. نجح الفيلم وقتها نجاحًا باهرًا على كل المستويات.. وعندما سُمح له بالعرض التليفزيونى لم يعد هناك طفل فى مصر لا يحفظ ذلك المشهد الذى يتطهر فيه البطل «مصطفى خلف» من كل الأوساخ التى علقت به طوال رحلته مع الدنيا.. كان المشهد عبقريًا وكاشفًا وحاكمًا.. جعلنا جميعًا- مَن شاهدوا الفيلم- نبكى وكأننا أيضًا نفعل ما أراده الطيب وبشير الديك- لحظة تطهر واحدة تكفى- حتى نستطيع أن نستمر.

لماذا أستدعى قصة هذا الفيلم الآن؟! الإجابة باختصار لأن هناك من يريد ألا يتطهر رغم كل الفرص والمنح التى يوفرها له الله والمجتمع.. يقاوح فى الغلط على طريقة تحية كاريوكا فى فيلمها الشهير «أحب الغلط».. هذا ما تفهمه من ذلك الإصرار الغريب للسيد محمد حفظى وهو رجل له تاريخ مهم وطيب فى السينما وفى الإنتاج وفى إدارة المهرجانات.. ونجوم فيلمه الجديد «فوفا».

تسألنى وما علاقة حفظى ونجوم فيلمه بأحمد زكى وفيلمه الشهير «ضد الحكومة».. أقولك..

يا سيدى.. فيلم أحمد زكى لم يكن اسمه «ضد الحكومة» كان اسمه فى الأصل «مافيا التعويضات» وهو مأخوذ نصًا عن «حملة صحفية» نشرها الكاتب الراحل المبدع وجيه أبوذكرى عن وقائع حقيقية لمجموعة من حوادث الطرق فى مصر وقتها.. وأطلق الراحل اسم المافيا على مجموعة من المحامين استفادت من هذه الحوادث بالحصول على تعويضات باسم الضحايا والاستيلاء عليها.

وقتها قرأ السيناريست الكبير بشير الديك الحملة الصحفية التى أنتجها أبوذكرى.. ولأنه مؤلف مهم ومبدع وبيفهم فى الأصول- وقتها لم تكن مصر قد عرفت ما يسمى بقوانين الملكية الفكرية- ذهب إلى أبوذكرى.. واستأذنه فى أن يقوم بتحويل حملته الصحفية إلى سيناريو فيلم سينمائى بنفس الاسم.. وهذا ما كان.. وأثناء التحضير للفيلم طلب الطيب تغيير الاسم من «مافيا التعويضات» لـ«ضد الحكومة» لأن البطل طلب تحويل كل وزراء الحكومة للمحاكمة.. وقد كان.

هذه الواقعة، التى لم يمر عليها الكثير، تنطبق تمامًا على قصة جديدة جرت أحداثها، ولا تزال، لكن أصحابها يصرون على اتباع سياسة «الصم والبكم».. حيث هم لا يعرفون ولا يسمعون ولا يبصرون.

لقد كتب الزميل الموهوب محمود شوقى القصة الكاملة.. لمجموعة من شباب مصريين حاولوا الهجرة غير الشرعية فلم يفلحوا.. لكن الموهوبين فى التحايل عرفوا «سكة جديدة» تسمح لهؤلاء الشباب بالسفر وتحقيق أحلامهم فى الثراء والانتقال إلى حياة أوروبية باذخة.. قام السماسرة بالاتفاق مع مسئولين فى اتحاد الكرة على ضم هؤلاء الشباب إلى فريق المكفوفين الذى تقرر سفره للخارج للمشاركة فى إحدى البطولات.. وكان أن تم ضم الشباب إلى الفريق وتجهيز الأوراق وتسفيرهم بالفعل.

القصة كاملة لم يكن يعلم بها أحد.. لولا أن المبدع الموهوب محمود شوقى نشر تفاصيلها صحفيًا، ولأنها كانت قصة صحفية مبهرة بامتياز حازت صدى لا مثيل له فى الوسط الصحفى والرياضى وأزعجت الجميع.. وحصل شوقى على إحدى أهم الجوائز فى وطننا العربى عن هذه الحملة «جائزة دبى للصحافة العربية» من منتدى الإعلام العربى بالإمارات العربية المتحدة.. وتم تكريمه فى عدد كبير من المناسبات والبرامج التى تناولت القصة التى عرف بها الجميع، وزاد الأمر أن صاغ محمود شوقى حكايته كاملة فى كتاب ممتع وبديع صدر عن إحدى دور النشر التى منحته رقم إيداع بدار الكتب، تم توزيعه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب وعدد كبير من المعارض الدولية الأخرى حتى نفدت طبعته الأولى.

باختصار.. علم الجميع بقصة الشباب الذين سافروا بادعائهم أنهم من فريق كرة القدم للمكفوفين عن طريق «كتابة محمود» سواء فى حملته الصحفية أو فى كتابه.. نفس الحالة التى جرت مع وجيه أبوذكرى.. لكن الفارق أن من قرر تحويل قصة شوقى إلى فيلم سينمائى لم يكن مثل بشير الديك.

راح هو الآخر يفعل مثلما فعل السماسرة بالضبط.. مثل أولئك الشباب الذين سافروا بالتحايل.. راح يسرق ما ليس له.. ببجاحة منقطعة النظير.. دون أى إشارة لجهد وإبداع شوقى فى حملته الصحفية أو كتابه.. وزعم صناع الفيلم أولًا أنه مأخوذ عن قصة حقيقية، وهذا أمر حقيقى لا ينازعهم فيه أحد.. ولكن كيف علمتم بهذه القصة يا سادة؟! عندما اشتدت حملة مناصرة شوقى والمطالبة بحقوقه التى يكفلها القانون المصرى والدولى.. حقوقه الفكرية والمالية معًا.. راح محمد حفظى ينفض يده من الجريمة ويلقى بها على مؤلف الفيلم ويطالبه بالرد.. لكن المؤلف المجهول، بالنسبة لى على الأقل، لم يعلق حتى هذه اللحظة ومثله أبطال الفيلم.. وأعتقد أنهم إن علقوا فلن يجدوا سوى «نحن لا نكذب.. نحن لا نسرق.. ولكن نتجمل».

شوقى من جهته لجأ إلى القضاء.. وحبال المحاكم طويلة.. خاصة فى هذا النوع من التقاضى.. ذلك أننا فى مصر لم نعرف حقوق الملكية الفكرية إلا منذ سنوات قليلة.. وما زالت حقوقنا كدولة وأفراد منهوبة فى أماكن عدة من العالم سواء فى مجال الكتب أو الموسيقى أو الغناء.

لقد تطورت عملية الاستفادة من هذه الحقوق مؤخرًا بعدما انتبهت جمعية المؤلفين والملحنين وبعض الأشخاص من المبدعين الذين بذلوا جهدًا فرديًا مدهشًا لتحصيل بعض حقوقنا.. أقول بعدما انتبهنا لذلك التغول الرهيب فى سوق الإنترنت على إبداع الآخرين من الأموات والأحياء على السواء دون خجل حتى أصبحت السرقة أمرًا شائعًا يحدث يوميًا.

شرطة المصنفات الفنية فى مصر تقوم بدور رهيب فى ذلك السياق، لكن أغلبه موجه فى مجال طبع الكتب والملازم الدراسية.. تصور سيادتك أنه لو مدرس فى نجع حمادى طبع ملزمة بتاعة مدرس من دسوق فى منهج متداول سلفًا تتم محاكمته بتهمة الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، فيما يتم نهب أغنيات وأفلام وقصص وكتب المبدعين على صفحات الإنترنت دون أن يتحرك أحد. 

لا أتهم أحدًا بالتقصير.. لكن يبدو أننا محتاجون إلى شرطة متخصصة مثلما أصبحت لهذا النوع من القضايا محاكم متخصصة.. وتحتاج إلى تعديلات تشريعية تغلظ العقوبات فى مثل هذه الأمور.. سرقة إبداع وحقوق الناس ليست أقل من سرقة البنوك والمتاجر.. سرقة أفكار الناس والنصب والتحايل ليس بأقل من سرقة أبقارهم وجواميسهم.

قضية محمود شوقى والفيلم المأخوذ عن كتابه وحملته الصحفية دون إشارة ودون إذن هى فرصة طيبة لوضع هذه القضية محل الاعتبار والاهتمام.. أتمنى على الأصدقاء من النواب، وبينهم من له صلة بقضية الإبداع، أن نلتفت مجددًا للقصة.. قصة حقوق مبدعى مصر لدى العالم بحاله.. فالمنهوب بالمليارات، وهذا عن «المال»، أما حقوق الإبداع فهى أكبر من ذلك بكثير.. وهذا ما يطلبه زميلنا الموهوب محمود شوقى ونطلبه معه.

أما نقابة المهن السينمائية.. وغرفة صناعة السينما، فإننى أربأ بهما أن يشاركا فى ذلك الأمر.. بصمتهما «العاجز»، على حد تعبير أحمد زكى فى فيلمه الشهير، وأدعوهما للتدخل العاجل لوقف هذه المهزلة.. وإعادة الحقوق لأصحابها.